تحدث إليوت أبرامز، السياسي والموظف السابق في قسم دراسات الشرق الأوسط لدى مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، عن الصدى الطيب الذي جاء في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن السيادة التامة للمملكة المغربية على أراضيه الجنوبية، وما تلاه من اعتراف من قبل إدارته بمغربية الصحراء.
وقال أبرامز، الذي سبق له أن شغل منصب نائب مستشار السابق للأمن القومي الأمريكي في ادارة جورج بوش الابن، أن هذا الاعتراف يعتبر صفعة في وجه من يتعالون عليه، من أمثال السياسيين الأمريكيين «بيكر» و»بولتون»، ذوي الحجج الواهنة دوليا والأشبه بسراب الماء وسط الصحراء.
وقال المسؤول الأمريكي الأسبق، في مقال له على موقع «ناشيونال ريفيو» الأمريكي، «لقد تميزت نهاية فترة إدارة ترامب، بقرار مميز هو اعتراف الولايات المتحدة الامريكية بالسيادة المغربية على الأراضي الصحراوية الغربية، بيد ان هذه الخطوة قد أثارت احتجاجات صاخبة ومناهضة لهذا الاعتراف من قبل عدد من الشخصيات السياسية، نخص بالذكر كلا من «جيمس بيكر» و»جون بولتون» والسيناتور «جيمس إنهوفي» وغيرهم، وذلك لأسباب مختلفة تجمعها سمة عدم الإقناع. فمن المعروف أن هؤلاء الثلاثة، كانوا من أبرز المعارضين لمطالب المغرب الإقليمية، كما سعوا لإضعاف صوت المملكة المغربية عبر تصريحاتهم، متناسين كونها من أبرز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ومتجاوزين ذلك بدعمهم لجبهة البوليساريو (منظمة بقايا الحرب الباردة)، والتي لا يتوقع منها أن تلعب دورا معقولا، ولا أن تقوم بمهام عظيمة كالتي يقوم بها المغرب، في مساعيه للتصدي لأنواع الارهاب و التطرف.
وفيما يلي، و من قبيل التذكير، ما جاء على لسان البيت الأبيض، خلال فترة إدارة الرئيس دونالد ترامب، المعترفة بمغربية الصحراء وسيادة المملكة على اراضيها الصحراوية، وجاء فيه : «.. و تؤكد الولايات المتحدة الامريكية، كما ذكرت الإدارات السابقة، تأييدها لاقتراح المغرب المتعلق بالحكم الذاتي، باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع على إقليم الصحراء الغربية. ولذلك، تعترف الولايات المتحدة، واعتبارا من اليوم، بالسيادة المغربية على كامل إقليم الصحراء الغربية، وتؤكد من جديد دعمها للاقتراح المتعلق بالحكم الذاتي الجاد والواقعي، باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم ينهي هذا الصراع. وتعتقد الولايات المتحدة أن «الدولة الصحراوية المستقلة» ليست خيارا واقعيا لحل النزاع، و أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الممكن». مضيفا (اي الكاتب)، بأن العمل على زعزعة استقرار المغرب عمدا، من خلال تحركات واهنة، ليس سوى سياسة لا معنى لها بالنسبة للولايات المتحدة.
ويعقب إليوت أبرامز، بأن ما أبداه كل من وزير الخارجية السابق جيمس بيكر، ومستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، ليس سوى اعتراضات خالية من أي أساس، فيما يخص قرارات و سياسة دونالد ترامب وإدارته، التي الغت عقودا من السياسة الأمريكية والقانون الدولي، حيث تحجج جيمس بيكر حول اعتراف ترامب، بالقول : «إن السياسة الخارجية قد اتخدت دائما موقفا محايدا، لدعم جهود الأمم المتحدة».
من جهته، صرح سينتور ولاية اوكلاهوما جيمس انهوف، في تصريح له سنة 1966، عاد للأضواء من جديد بعد اعتراف ترامب و الولايات المتحدة، جاء فيه : «.. كان للمجتمع الدولي، سياسة واضحة ومحددة تتجلي في : تمكين الصحراء الغربية من استفتاء «تقرير المصير» لتقرير مستقبلها».
يعقب أبرامز على ذلك بالقول إن كل هذه الإدعاءات خاطئة في الواقع. فعلى سبيل التذكير، عندما عالج بيكر هذه المسألة في فترة التسعينات، وضع اقتراحا عرف آنذاك باسم «خطة بيكر». في عام 2000، دعا المشروع الاول لهذه الخطة، الى الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، مشروعا رفضته البوليساريو و الجزائر. و في سنة 2003، وافق مجلس الامن الدولي، على خطة ثانية دعت الى 5 سنوات من الحكم الذاتي المحلي، يليها استفتاء على الاستقلال، غير ان المغرب رفضها لأنها قدمت خيار الاستقلال، وبعدها و بوقت قصير، استقال بيكر من منصبه في الامم المتحدة. في هذه الفترة، كنت مستشارا للأمن القومي الامريكي في ادارة جورج بوش الابن، إذ زار بيكر المستشارة كوندوليزا رايس بشان الصحراء الغربية، ولاعتقادي بان استقالته، جاءت كرد لرفض خطته جاء من قبل ادارة جورج بوش الابن.
يأتي رفضنا لخطته، بسبب 3 أمور حرجة و مهمة، أولها وأهمها استحالة اعتراف ملك المغرب باستقلال الصحراء، باعتباره حركة ستسبب زعزعة حكمه على البلاد، ومع ما يترتب عن ذلك من عواقب وخيمة على منطقة شمال إفريقيا ككل، و على المصالح الأمريكية بها. بالرغم مما يشوب الاجواء الداخلية المغربية، من صراعات و نزاعات سياسية، غير انهم متحدون فيما يخص قضية «الصحراء الغربية»، وكدليل على ذلك مشهد «المسيرة الخضراء»، التي أعلن عنها الراحل الحسن الثاني سنة 1975، ومشاركة 350 الف مغربي فيها متوجهين الى الأراضي الصحراوية، نقطة تحول في سياسة الحكومة المغربية، كما ان تفكير الملك الراحل و الملك الحالي، لم يأت على فكرة التفريط في الصحراء و ابتعادها عن المغرب، ومن شان ذلك أن يقوض الدعم الشعبي للنظام الملكي و الحكومة، ويضعف كليهما تدريجيا.
إنني اتذكر، يقول الكاتب، وكما آمل و بدقة، تعليقا من جون بيكر مفاده «ان خطته، تدعو الى تأجيل إجراء الاستفتاء لمدة 5 سنوات، وأنه ومن المرجح للمغرب في هذه المدة، ان يتمكن من تحفيز المزيد من المغاربة على الانتقال الى الصحراء، وأن يصبحوا مؤهلين بمرور الوقت لتقديم أصواتهم هناك، وإن كانت الحكومة نشطة وذكية، فستمكن المغرب من الفوز في «استفتاء الاستقلال» وفرض كلمتها. غير أن هذا التعليق، قد أظهر ضعفا في خطة بيكر، تمثل في إمكانية اعتراف المغرب بشرعية البوليساريو وفقدانه جزءا من أراضيه يتحول إلى دولة للبوليساريو، وأن هذا المنعرج كان ليشكل خطرا على الحكومة والنظام الملكي، بخلاف التنبؤات المتوفرة حول نتائج الاستفتاء».
الأمر الثاني، أننا في إدارة بوش الإبن، فهمنا خطأ كان في خطة بيكر، التي لربما وبشكل ما كانت ستؤدي إلى إنشاء «دولة البوليساريو» في الصحراء الغربية، وهو ما سيؤدي إلى اختلال التوازن بالمنطقة. فمن المعلوم، أن جبهة البوليساريو ولعقود، قد اعتمدت على الدعم والاحتضان الجزائري (الدعم المالي – الدبلوماسي – العسكري)، علاوة على استغلالها للهوة بين الجارين في العلاقات الدبلوماسية، فضلا عن تنديد الجزائر مؤخرا بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل، اضافة الى إغلاق الحدود بين البلدين منذ 1994. وهذا معناه أن استقلال الصحراء، يقول أبرامز، سيؤدي بشكل ما إلى فرض تبعية المغرب إلى الجزائر (بسبب الحدود البرية)، ما يعني دولة جديدة للبوليساريو، في مسعى لن يكون مواتيا للأمن و الازدهار والاستقرار المغربي، وهو ما يعني غياب سيطرة المغرب على حدوده البرية، وهذا سيناريو تؤكده المناوشات العسكرية في معبر الكركارات اواخر سنة 2020، على الحدود المغربية – الموريتانية.
في سياق آخر، يحسب للمغرب تمسكه بالعلاقات الطويلة و العميقة مع الولايات المتحدة، بحسب الكاتب، زيادة على كونه حليفا رئيسيا، له بصمته الدولية الخاصة، بالرغم من عدم انتمائه الى حلف شمال الأطلسي. ومن المعروف، بأن المغرب و الولايات المتحدة يتشاركان قضايا مشتركة، تحديدا بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية و في التنمية المستدامة، ناهيك عن تصنيف المغرب كحليف من خارج حلف شمال الأطلسي منذ سنة 2004، والعمل المشترك الصلب في المجال العسكري بين الجيشين المغربي والأمريكي، واعتبار المغرب أيضا شريكا مهما وذا بصمة خاصة في مكافحة والتصدي للإرهاب، وعمله المتواصل والدائم مع السلطات المسؤولة عن تنفيذ القانون الأمريكية، وتعزيز الجهود المشتركة في فرض وتحقيق الاستقرار والأمن الاقليميين، بما في ذلك دوره المهم في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، وفي التحالف العالمي لدحر داعش، علاوة على ما ذكرته إدارة البحوث في الكونغرس «إن الادارات الامريكية المتعاقبة، اعتبرت المغرب شريكا إقليميا مهما في مجالات الأمن والتجارة والتنمية…إن التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والمغرب قوي جدا».
وأكد صاحب المقال أنه من غير المتوقع أن هذا النوع من العلاقات الامنية، قد يصبح قائما يوما ما مع البوليساريو. وبالتالي، كيف يمكن أن يكون السعي الى هذه الدينامية الجديدة في مصلحة الولايات المتحدة؟
بالنسبة للأمر الثالث والأخير، ما فهمناه من كون الصحراء الغربية، لم تكن نهائيا دولة مستقلة عبر التاريخ، فلا حضور لأي سبب تاريخي أو سياسي أو قانوني، لجعلها دولة مستقلة أبدا. هذه الاعتبارات وغيرها هي ما أدى الى رفض خطة بيكر، غير أننا شجعنا الحكومة المغربية على تبني خطة حكم ذاتي ذات مصداقية، وقد فعلت ذلك سنة 2007، حيث وصفتها الولايات المتحدة ب»الاعلان الجدي و الموثوق به، لتوفير حكم ذاتي حقيقي للأراضي المتنازع عليها»، علاوة على ما صرحت به وزارة الخارجية الفرنسية، التي قالت حولها «إنها خطة تقدم خطوة بناءة نحو المفاوضات، وتوفر إمكانية التوصل الى حل سياسي تؤيده جميع الأطراف، في إطار الأمم المتحدة».
من المؤكد، أن الدعم الامريكي السابق لخطة الحكم الذاتي المغربية، لم يذهب الى الخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة في الأول من ديسمبر 2020، ذلك أن الاعتراف أخيرا بسيادة المغرب على أراضيه خطوة لا تمثل بأي شكل من الأشكال قطيعة مع المواقف الأمريكية السابقة، بحسب تصريحات بيكر الأخيرة، بل تعتبر بمثابة تقدم منطقي عما كان عليه الحال منذ عقد أو يزيد من الزمان، وكما صرحت الإدارة الامريكية، في ظل إدارة الحزبين بأن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الخيار الواقعي والأفضل، خيار أوضح قوته المبعوث الأممي الخاص للمنطقة، الراحل بيتر فان والسوم، إذ قال «..وكما اوضح مجلس الامن منذ البداية، بعدم قدرته على التفكير في اي حل توافقي للقضية العالقة، ناهيك عن رفض المغرب لمقترح الاستقلال، فقد خلصت لعدم واقعية قرار الاستقلال للمنطقة المتنازع عليها، و أنه قرار لا هدف منه».
لقد كان بيتر فان والسوم على حق، بيد أن تفكيره الاستباقي و الذكي، قد أدى إلى قرار الولايات المتحدة الاخير، ومعللة إياه ب»تعتقد الولايات المتحدة، أن الدولة الصحراوية المستقلة، ليست خيارا واقعيا لحل النزاع، وأن الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية، هو الحل الوحيد الممكن».
وفي الاخير، فإن لهذا الطريق مسلكين مختلفين، بالنسبة للمنطقة ككل، فإما أن يستمر الصراع إلى ما لا نهاية، أو العمل على التفاوض بين الطرفين للفوصول إلى قرار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. إن الضغوطات الجادة للولايات المتحدة، من أجل وضع الطرفين في طاولة حوار جادة ومسؤولة، والرامية لتحقيق الحكم الذاتي المغربي، ليست إلا الطريق الوحيد الذي سيوصلنا الى اقرار هذا القرار الذكي والحقيقي.