نبضات : حـــمَّــامُ الــحــاج عـــلـــيٍّ

 


لك يا حَمّامُ في القلب
سُكْنى لا تَبْلى وهُيامُ
لك في ذاكرتي، أسْطُلٌ
من خشب ماؤها
شفاءٌ وأنسٌ وجِمامُ
الرجال مَسْخٌ في آخرة الليل:
رؤوسهم قرونٌ، وأقدامهم
أظْلافُ مِعْزى وأنْعامُ
هكذا، صَوَّرَ لي صحبي،
وأقنعني بذاك، الرهطُ الهُمامُ

للحمام المغربي الشعبي التقليدي طقوس وخفايا وأسرارٌ، تَحَدَّرَتْ إليه من أزمنة بعيدة تختلط فيها الأحداث التاريخية، والمعطيات الواقعية بالخرافات والأساطير والأعاجيب. ولعل الحمام أن يكون في أصله، فارسيا أو تركيا، وعربيا ، بعد ذلك، بغداديا ثم أندلسيا، اقتضته ثقافة تلك الشعوب والأمم، وتطلبته صروف وشروط وحاجيات الحضارة، حيث الخروج من قهر المغارات والكهوف، وقلة الأمواه، ونضوب الينابيع والأنهار، إلى الدخول في معمعة البناء والتشييد على ضفاف البحيرات، والجداول والبحار. فمن الماء، استمدت الشعوب حياتها. ومنه أعلت صرح بناياتها ومقامها، وما به سَمتْ وتجملتْ، وفارقت وضعها البدئي الخام، وتحررت من صلصال ارتباطها بالطبيعة الحيوانية، والتصاقها بالأرض حيث نشأت؛ أو بالسعي في السهوب والجبال والبراري، والشعاب، بحثا عما يملأ بطنها، ويشبع جوعها، ويروي ظمأها.
الماء أصل الحياة. وهو أحد الأسطقسات الأربع التي عليها مدار الوجود والموجود. قال بذلك الفيلسوف الرياضي طاليسْ، وزَكّاه أخلافُه الفلاسفةُ وعلى رأسهم: أفلاطون وأرسطو.
وفي الذكر الحكيم: ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) ــ سورة الأنبياء ـ الآية 30.
فارتباط الإنسان بالماء إِرْواءً للعطش، وسقياً للبهيمة والنبات، وعنصرا رئيساً للتنظيف والتلطيف والإيمان، وبعثا للحياة، وإحياءً لكل من على ظهر الكون، قاد إلى تقديسه وعبادته في أفجار التاريخ. وقاد إلى اندلاع معارك وحروب بهدف حيازته، والتحكم فيه، ووضع اليد على منابعه ومصادره. وقاد، أيضا، من جهة أخرى، إلى اعتباره طقسا علويا وأرضيا لا محيد عنه لإضفاء المعنى على وجود الإنسان بما هو عِمارة الأرض، وسيدها، ومقياس كل شيء فيها كما قال الفيلسوف اليوناني بروتاغوراسْ. وبما أن الإنسان هو مقياس كل شيء، وأنه خُلِقَ على صورة الله ومثاله فيما تقول الأديان والقدّيسون، فقد أولى العناية بنفسه، وبما حواليه. أي أنه، وحتى ينسجم مع خاصيته وخصوصيته، وهويته وإنيته، تعاطى للنظافة كقوام وجود متطور، وتغير طال طبيعته وماهيته، وكيانيته. فأبدع في بناء الصهاريج والأحواض، والنواعير، والحمامات كقِبْلة تنظيف وغسل يَؤُمُّها الجمع كَثُرَ أم قلَّ. وينام فيها العابرون، والمارون، والغرباء، والحالّون بالمدينة. وأبدع ـ بالتلازم ـ وربما استيحاءً من مظان وحياض وقائع تاريخية موغلة في القدم، طقوسا حافَّةً ومصاحبة لفعل الاستحمام، أو « التحمم» تبعا لخطإ جبران خليل جبران الجميل والمقبول. وهي الطقوس التي تناقلتها الأجيال جيلا بعد جيل، مزيدة ومنقحة. فاستحمام الرجال غير استحمام النساء. إذ للنساء فيه شؤون، وشجون تُذَكِّر بالليالي: ليالي ألف ليلة وليلة.
ولم يكن حمّام الحاج علي رحمه الله، ذائع الصيت، بِدْعاً من الحمامات التقليدية التاريخية والغامضة. كما أنه كرَّس تلك الطقوس، أو كرَّسها الاختلاط الآدمي الذي عرفته المدينة العمالية الفسيفسائية حيث سكنها مغاربة أمازيغ وعرب، حجوا إليها من كل فجٍّ طلباً للعمل، وسعيا إلى العيش الكريم. فضْلا عن الأجانب الذين كانت جرادة تغلي بهم.
وقد يكون الاختلاط الإنساني البديع والخصيب ذاك، مدعاةً وسبباً في نشوء وبروز عادات ومسلكيات طقوسية « وثنية» مائية تبلورت في الحمام. تبلورت خلف تلك الأسوار النازفة أبدا عرقاً، السائلة دوما ماءً وبخاراً، المقشرة كل الأيام، أسوار جحيم ونعيم.
كان للحمام قاعات ثلاثٌ، وبهو / مدخلٌ عريض وفسيحٌ يفضي إلى مكان مستطيل ونصف دائري توضع فيه حقائبُ وصُرَرٌ وأشياءُ المستحمين والمستحمات. عريض ووسيعٌ. متناسق الهندسة البنائية، مجهول المصمم والباني: أهو المستعمر الفرنسي، أم أهل البلدة؟
قاعاته فاترةٌ ودافئة، وساخنةٌ تسْلِقُ بحسب تدرج القاعات. فأنت في الأولى ضيفٌ، وفي الثانية صيفٌ، وفي الأخيرة جحيمٌ وَرَمْضاءُ. وكان أغلبنا يختار الجحيم رغم الزحام ولو بقي فيه الساعات الطوال، معطل الوعي، وخارج الزمان والمكان.
أذكر أن أمي كانت « تتحمم» كل أسبوع، وبالضبط يوم الخميس. فقبل أن تُيَمِّم شطر حمام الحاج علي، كانت تستعد الاستعداد الكبير لليوم الموعود. تتفق مع جاراتها، ويسهرن على ترتيب أشيائهن وأعشابهن من حناء، وقرنفل، وريحان، وخزامى، وغاسول. يطلين بها شعورهن / سوالفهن. ويأخذن معهن الصابون البلدي، وأكياساً حرشاء، وكُحْلا وسواكا، وعطرا، وماء ورد، وإيماناً قبل هذا وذاك.
كان يوم الخميس بالنسبة لأمي ولصواحبها، نعيماً وأي نعيم. وكان بالنسبة لي ولأبي جحيماً وأي جحيم. إذ أن غيابها سيطول، وقعودها في الحمام سيدوم. ومع أن النساء المزمعات على الاستحمام، كن يهيئن الغذاء قبل الذهاب، فإن بُعولَتهن ـ ومنهم أبي ـ يُزْبِدون ويُرْغون عند عودتهن إلى منازلهن. يتلقين الغضب والسِّبابَ وهن صابرات راضيات مبتسمات، لكن جميلات حمراوات لا يزال البخار يصَّاعَدُ من أجسادهن الدافئات الناعمات، ما يُسْكِتُ ـ فجاةً ـ الفحولَ، ويصيبهم في مقتل، فيغمغون كلاما غير مفهوم، ويُدارون هزيمتهم المفاجئة المتكررة، بالنصح لهن، ما يفيد أن الاستحمام الطويل جدا مُضِرٌّ بالصحة، وهالكٌ لصاحبه وصاحبته. وهي تَعِلَّةٌ ونصحٌ، شبعنَ منه، يترددان كل عشية خميس حتى مللنا ـ نحن الأطفالَ ـ سماعها الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا يلجم التحدي. ولكنه يخفي في طياته ما لم نكن ندركه أيامئذ.
ارتبط الحمام عندي بالجن والأشباح. ففي طفولتي كنت أسمع الكثيرين يتحدثون بهمس وبصوت خفيض، عن مسكونية حمام الحاج علي. يسكنه الجن، وترقص فيه الأشباح بالليل بعد خروج آخر مستحم. وقد سمعنا من « فَرْنَةْ « حارس ومُسَخّن الحمّام، المعروف لدى النساء والرجال، فَرْنَةْ ذي الرَّزَّةِ البالية البيضاء الخفيفة، والأسنان الأمامية البارزة، والفَسْو الدائم، إذ كان مضرب المثال في ذلك، سمعنا منه ماكان يملؤنا قشعريرة، ويزيدنا تطلعا وفضولا.
وارتبط عندي بالنساء، كما لو أنني الأديب الفقيه ابن حزم الذي تَرَبّى في حُجور الإماء والجواري. كانت أمي تصحبني معها وأنا غِرٌّ غريرٌ( هل كنت كذلك حقا؟). أمكث معها الساعات الطوال، تدلكني وتغسلني وتحكني حكا حتى يحمَرَّ جلدي، وينخمشَ وجهي بسبب كيس الحلفاءِ. كنت أرى العُرْيَ ولا أراهُ. ولما رأيته، وأدركت اختلافي عمَّنْ أستحم معهن، وأتلهى بالماء وسطهن، ارتقيت إلى مرتبة رجل صغير، بعد أن وشوشت الحاجة صاحبة الحمام في أذن أمي ذات يوم، وقد سمعتها: ( ابنك أصبح رجلا. لا تصحبيه معك بعد اليوم.. عيب ).
في اليل، وسط البخار والضباب، وقرقرة الحوض المائي الساخن « البرْمَة «، وهدير صُنْبوره النحاسي العريض كبوق، وقرقعة السطول الخشبية المطوقة بحلقات حديدية متآكلة وصدئة، والسطول البلاستيكية الثقيلة، ومناداة المستحمين لبعضهم البعض، أو رفع الأصوات المحتجة المهددة بالويل والثبور على نضوب الماء الساخن وشح الصنبور، وعلى فرنة الذي نُشْبِعه سبا وشتما ولعنات، كنت أتخيل بل أرى أرتالاً من الأشباح مندسة بيننا تحك ظهر هذا، وتغسل بشمبوانْ ( فليبْ فلابْ الأصفر)، أو ( دوبْ البني) شعر ذاك، وتقهقه عاليا. أسمعها تغني، وتنادي على بعضنا بالأسماء. يتخللنا ارتعادٌ، وابترادٌ رغم سخونة الحمام. ونرانا نسرع للخروج. فإذا خرجنا وبقي المتأخرون، كان من نصيبهم رؤية السقائين والدّلاّكين ( الكسّالين ) وهم يمشون: أرجلهم أظْلاف ماعز، ورؤوسهم بقرون مدببة، كأنهم يتحولون في ساعة معينة من الليل في الحمام، إلى جنٍّ ماردٍ، أو مُسوخ متحولة عن أسلاف فاسدين، أو سيمولاكرات أشباح لموتى مقتولين غدراً وغيلَةً، فهامت أرواحهم، واستقرت بحمام الحاج علي.
تعاظم خوفي مع مرور الأيام، وصرت أتفادى الذهاب إلى الحمام ليلا وحدي. وتفاديت يوم الخميس بالتحديد الذي كان الكَسّال امْبارَكْ، وفَرْنَةْ مسخن وحارس الحمام، يتحولان فيه إلى مسخين: رأسان آدميان فوقهما قرنان، وجذعان مكسوان شعرا أسودَ كثيفاً، وأرجل حيوانية ( أظلاف معزى ).
لم أرهما قط على هذه الحال. لكنني صدقت ما قيل فيهما وعنهما. ولذلك كنت ـ في بعض الصباحات ـ أحوم حول الحمام مترصدا فرنةَ وسط الأخشاب وهو يشدخها ويكسرها ليدخلها الفرن الجهنمي العظيم، علني أضبطه متحولا ومسخاً. عبثاً ذهب حَوْمي. وعبثا تراءى لي الكسال امبارك شخصا آخر، مسخاً بظلفين، وقرنين، وجذع مكسو شعرا.
زمن الحمام زمن مختلف عن الزمان. زمن لا زمنيٌّ. تتعطل فيه الأزمنة الجارية، وتنتفي الأمكنة الثابتة. ولا يبقى إلا هو ملموماً على نفسه، محتضنا أسراره، وماحيا خارجه ومحيطه إلى حين. جحيمٌ نُقْبِلُ عليه طواعية، وعن طيب خاطر. ونعيمٌ نعيشه ونحن وسط ضبابه وناره، وحرارته، وبخاره، وصليل سطوله، وفي ضوئه الخافت الموارب، ودُهْمَتِه الواضحة الغامزة. جحيم عند الدخول ونحن أوساخ، وخلايا ميتة، وروائح كريهة. ونعيم عند الخروج ونحن احمرار وخفة، ونظافة، ومسامٌّ متحررة من أثقال وأسمال، وطبقات حالت دون وصول الهواء نقيا منسابا رخيّاً إلى أجسادنا ودواخلنا.
وقبل هذا وذاك، شَكَّلَ حمام الحاج علي، مقوِّما من مقومات وجودنا، ومَعْلَمَةً من معالم مدينتنا تاريخيا، وجغرافيا، وثقافيا، واجتماعيا.
فهو تاريخي من حيث أقدميته، ومرور الخاص والعام به، واستحمام الجميع فيه « رعاعاً « عابرين أو قاطنين، أو أفرادا من طبقة وسطى، وبورجوازية صغيرة، كالموظفين، والأساتذة، والشرطة، ورجال الدرك، والمحامين، وبعض المهندسين. وربما كان ـ في وقت ما ـ حكراً على الأوروبين العاملين بالمدينة.
وجغرافيا: من كونه يحتل موقعا استراتيجيا بمحاذاة الساحة الفسيحة الكبرى، وخلف المسجد الكبير، ووسط الدُّور السكنية، وقُبالةَ المحلات لتجارية، والدكاكين، والحوانيت.
وثقافيا: للطقوس التي كانت تصاحب المستحمات، وتُمارَس فيه من إعداد واستعداد، وزينة، ولباس، وشموع وزغاريد، وعطور وبَخور، ومُصطكى، ومعجون « الغالية»، قبل الزفاف وبعده، وعند استحمام المرأة النُّفَساءِ. وكان فرصةً للتباهي بالمجوهرات، والحلي وغيرهما.
واجتماعيا: لِما قام به من خدمة في جمع الشمل، ولَمّ الشتات، واحتضان الوجوه المختلفة، والألسن المتعددة، والفئات الاجتماعية، والطبقات المتفاوتة. لكنه كان مصهرا موحدا، رغم أنني لم أشاهد يوما فرنسيا أو إسبانيا، أو بلجيكيا، أو سنغاليا يَؤُمُّه، ويقصده للاستحمام. كنت أجهل تماما أن يكون لدى هؤلاء حمام منزلي شبيه بحمامنا الشعبي الأثير. كانت دُورُهُمْ ومنازلهم ذات الغرف الكثيرة، والصالة الواسعة، والحدائق الغَنّاء، تحتضن حماما داخليا مستقلا مُزَلّجاً ذا باب زجاجي مُغَبّش، وأرضية مبلطة حرشاء درْءاً للانزلاق، ومدفأة بُنيّة كبيرة مركونة تأكل الحطب تلو الحطب، والفحم الحجري تلو الفحم الحجري، إمعانا في التسخين، وطلبا لإسالة العرق، وتسهيل إزالة وكشط الأوساخ، والخلايا الميتة. وقد سمعت ، بعد أن وَعَيْتُ ما حولي، وما يجري لنا، أن هؤلاء الكوكبيين الاستثنائيين، كانوا يستحمون كل يوم في الصباح قبل تناول الفطور الباذخ المُنوّع. وكانت نساؤهم أو صواحبهم يفعلن الشيء نفسه. فطيلة استحمامي مع أمي، لم تقع عيناي على رومية بضَّةٍ فتْخاءَ، ولا على سينغالية شهية منحوتة سمراءَ.
ولست أدري لِمَ تصغرُ الأشياء في أعين الكبار، وكانت كبيرةً في الصِّغَرِ. ولا كيف تصبح الجبال على بعد ذراع ومرمى حجر، وكانت بعيدةً دون وصولها العَنَتُ والتعب المضني، والإجهادُ. فقد رأيت الحمّامَ وقد صار صغيرا، والساحةَ الواسعةَ وقد انزوت وانكمشت، والمسجدَ الكبيرَ وقد تضاءل حجمه، وتقلصت مساحته، وجبلَ بلقاسم أزروالْ وقد أصبح قريبا حتى أنني ألمسه. وجرادة نفسها التي كنت أهيم وأضيع في دروبها، وأحيائها، وحاراتها، ولا أبلغ مرامي منها، تغدو أصغرَ، عليها جمالٌ ورونَقٌ وبهاء، ولكنه لن يُنْسيني أبدا روحها وجوهرها وشساعتها، وتأبّيها على الموت والتحول. فلن يُغْنيني عن معالمه الدارسة أو بعضها، ومنازلها التي انمحت وتركت مكانها لدُورٍ أخرى طارئة، لن تغنيني عنها بهرجةٌ ولا شطحةٌ إدارية، ولا تزيينٌ مزعومٌ، وترميمٌ معلوم، وتصليح ٌمذموم. فأنا أتجول عندما أزورها بوجداني الأول، وبعيني الأخرى: عين الطفل التي تهش على أطياف النسيان طاردة إياها، محاولة إبقاء عنفوانها الذاهب، ورسومها التي أَقْوَتْ، وأمكنتها التي تغرّبت، وأفضيتها التي فُخّخَتْ.
وربما يكون النسيان هو ما يرشدني ويأخذ بيدي إلى هاتيك الأيام الخوالي المعرشات في قلبي كالدوالي. وهو ما يحثني على تقفد أشياء دَرَسَتْ، وما يدفعني إلى السؤال تلو السؤال عن آمالٍ وَلَّتْ، ورَشَّحَتْ سوء الحال. وهو ما يستحضر ويستنزل واقعا اختفى، وطوته يد الزمان. وهو ما يملؤني حسرةً وألماً ويُبْكيني، بينما تُغني لمقدمي بقايا الشواخصُ والنواتيءُ: شواخص الذكريات الفوّاحة العطِرَة، ونواتيءُ الأحجار الرَّانية إليَّ بحُنُو وتَحْنانٍ. وهياكل الأشجار الواقفة المتبقية من عهدي / عهدنا، مُحَيّيةً وحارسةً، ومُطَمْئنةً. إنها تجْتَرُّ، ساكنةً وشاردةً، أعشاب الذكريات، كما أجترها أنا.


الكاتب : محمد بودويك

  

بتاريخ : 16/04/2021