نبهت تقارير جمعيات بيئية بمدن الشمال إلى استفحالها المقلق: سلوكات تخريبية تحول مجموعة من الغابات إلى مطارح لمخلفات البناء وغيرها من النفايات الملوثة؟

من الظواهر الشائنة التي يلاحظها الزائر لبعض الغابات في بعض مدن الشمال، ركام النفايات، وخاصة مخلفات البناء، ما يعكس تنامي سلوك لا حضاري يسائل المجتمع، وخاصة أولئك المستهترين الذين يلحقون الأذى بفضاء حيوي من المفروض أن يكون رئة للمدن.

تخريب متزايد للبيئة

لا يقتصر هذا السلوك الشائن على الغابات النائية، بل طال العديد من الغابات، وإن كان يمس بشكل كبير تلك الواقعة في محيط الأحياء السكنية، وهو تصرف سلبي لا يعكس التعاليم الدينية السمحة ولا قيم المواطنة والحضارية الراقية والفاعلة، ويسير عكس الجهود المعتبرة المبذولة من قبل المغرب لحماية الغابات وتنميتها في سياق دولي موسوم بالتغيرات المناخية.
وغالبا ما يستغل «مخربو البيئة» انعدام المراقبة، ليلا أو نهارا، لرمي مخلفات البناء والبلاستيك وإطارات السيارات، دون أي وازع أخلاقي أو تأنيب ضمير، وهو فعل يشجبه المجتمع وتجرمه القوانين، بل يؤدي ، على المدى البعيد، إلى حرمان الأجيال الصاعدة من نعمة الاستمتاع بالغابات، بالنظر إلى دورها الحيوي في التوازن البيئي، فضلا عن كونها تعد موئلا لعدد من الكائنات الحية ومتنفسا ومورد رزق للإنسان.
مجموعة من الغابات التي كانت في الماضي القريب مقصدا لسكان مدن الشمال، صارت بعض جنباتها اليوم مطرحا لمخلفات البناء، حيث تقصدها ناقلات محملة ب «الردمة» متفادية كل رقابة للتخلص من هذه المواد الضارة بالبيئة، حيث صار الاعتداء على هذا المجال البيئي الحيوي أمرا اعتياديا لدى بعض منعدمي الضمير.

دق ناقوس الخطر

كان مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة قد دق ناقوس الخطر، في تقريره السنوي المنشور في أكتوبر 2020، بشأن الإجهاز على الغابات الحضرية عبر «استفحال ظاهرة البناء العشوائي والبناء المرخص على حساب الغابات»، داعيا إلى «تفعيل القانون في ما يخص المخالفات التي تطال المجال الغابوي» ، منبها إلى أن «الغابات الحضرية تعاني التهميش، إضافة إلى عدم توفير الحراسة الكافية لحمايتها من الأخطار المحدقة بها»، مشيرا بهذا الخصوص إلى «استمرار عملية رمي الردمة بعدد من المواقع والتعاطي السلبي مع الشكايات المقدمة في هذا الصدد».
وأضاف التقرير، أن بعض الغابات، خاصة القريبة من التجمعات السكانية كغابة الرهراه بطنجة، تعرف «سلوكات إجرامية لبعض المنتفعين بهذا المجال، وبعض الخواص الذين يشرفون على أوراش البناء ويتعمدون رمي الكثير من مخلفات البناء والردمة وسط الغابات»، مبرزا أن «هذه السلوكيات أثرت كثيرا على العقار الغابوي».
هذا وسبق للعديد من الجمعيات المهتمة بالشأن البيئي بجهة الشمال أن نبهت ، عبر بياناتها وتقاريرها الدورية ، إلى استفحال ظاهرة رمي مواد البناء وغيرها في الفضاءات الغابوية، داعية إلى اعتبار «رمي الردمة» إلى جانب الحرائق والقطع الجائر والبناء العشوائي، ضمن خانة المخاطر المحدقة بالملك الغابوي عامة والمخالفات المستوجبة لأحكام زجرية في حق مرتكبيها.

مسؤولية مشتركة

لا يختلف اثنان على أن المشرع المغربي وضع قوانين زجرية كثيرة هدفها الأسمى وقاية صحة الإنسان والوحيش والنبات والمياه والهواء والتربة والمواقع الطبيعية من الآثار الضارة للنفايات وحمايتها منها، وهي قوانين في غاية الأهمية وفي حال أجرأتها ستؤمن الغابة من شر المخربين والمعتدين.
جهود المجتمع المدني يتعين أن تواكبها جهود أفراد المجتمع للترافع لحماية الغابات مما تتعرض له من تخريب واعتداء، وجعل هذا الفضاء في قلب حملة مجتمعية متواصلة وواسعة، تشمل الشق القانوني والجانب الميداني التوعوي، عبر اغتنام كل السبل للتصدي لهذا السلوك اللاحضاري، وذلك بمعية المؤسسات الرسمية المعنية لمواصلة التعبئة لحماية الغابات الآخذة مساحتها في الانحسار.
إن مسؤولية حماية الغابات من مخلفات البناء هي مسؤولية مشتركة، لكونها تشكل، بالأساس ، تجليا لوعي الإنسان بدور الغابات، كما أنها مسألة تربية وتوعية وتنبيه قبل المرور إلى كافة سبل زجر ومعاقبة المخالفين، وهو ما يقتضي تشديد القوانين وتعزيز المراقبة في محيط الغابات وضبط كل المعتدين الذين يشاركون في الإضرار بالغابات، رئة المدن.وعلى المواطنين أن يشكلوا قوة فاعلة في حماية الغابات، فالمرتادون لهذه الفضاءات مطالبون بالمساهمة الفعالة في حمايتها، سواء عبر جمع مخلفاتهم، أو من خلال التنبيه والمساهمة في ضبط المخالفين وعدم غض الطرف عنهم. فحماية الغابات ليست شأنا خاصا بالسلطات فقط، فالمسؤولية مشتركة بين الجميع، بدءا من الأسرة ومؤسسات التربية والتنشئة إلى الفضاء العام.
إن دستور 2011، في الفصل 31، كرس الحق في التنمية المستدامة، مشددا على «أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من هذا الحق»، ما يقتضي ضرورة مواصلة جهود الجميع لكبح جماح هذه السلوكات الشائنة الضارة بالغابات.
ولعل هذه الغاية تحتاج إلى رجة مجتمعية حقيقية لحمل كل الناس، بدون استثناء، على احترام وحماية الغابات من كل ما من شأنه أن يدمر هذه الثروة الجماعية المشتركة لضمان التوازن وبيئة عيش سليمة، كما يقتضي جعلها «مناطق محمية» عوض الإشارة إليها ب «مناطق طبيعية».


الكاتب : عبد العزيز حيون

  

بتاريخ : 20/04/2021