هذه الحكاية، حكايتي، أصبحت أيضا حكاية جماعية، عامة ديموقراطية، جمهورية وسياسية، حكاية فرنسية لأنني وزيرة في الجمهورية، وأنني حملت كلمة بلادي، وفي بعض الأحيان تتمثل هذه البلاد في وجهي، لا هي حكاية جميلة ولا سيئة، فقط هي حكاية حقيقية.
بالنسبة لي قبل 39 سنة، الحياة رحلة بدأت في بني شيكر بالمغرب، ولا أعرف تماما كيف هو مسارها، أو بالأحرى أحاول ألا أعرف … بالمقابل، أعرف جيدا لصالح من أعمل كل صباح، كل مساء، في كل مرة أركب الطائرة، أغيب عن عائلتي، أعتذر عن حضور احتفال بنهاية السنة، أو عندما تتصل بي والدتي لتقول لي إنها لم تعد تراني، مؤاخذات حنونة، إنه شيء فظيع.
واليوم لا أعتقد أنه بإمكاني أن أتوقف هنا، أن أقول بأنني كنت ناطقة باسم الحكومة، وزيرة لحقوق النساء، وزيرة للمدينة، للشباب والرياضة، ووزيرة للتعليم العالي والبحث العلمي، بأنني وضعت قوانين ووقعت مراسيم، تلقيت ضربات، تكلمت في البرلمان.. ضحكت من صوري من هفواتي، وبالأخص استمتعت وسط هذا الصخب، وأيضا كوني كنت محبوبة، ولي أصدقاء في كل الظروف، كل هذا صحيح ومثير وقاس، لكن هذه ليست فكرة هذا الكتاب. الفكرة هي أن أتحدث عن فرنسا، عن فرنسا بلدي، فرنسا بلدنا…
بعد مدرسة العلوم السياسية فشلت مرتين في ولوج المدرسة الوطنية للإدارة بينما نجح بوريس في دخولها، صحيح أنني لن أصبح مثقفة عضوية للدولة، ولكنني فعلت شيئا آخر: فالحياة المهنية والالتزام الجمعوي والسياسي أخذوني إلى مسارات أخرى..
دخلت مكتب محامين لدى مجلس الدولة ولدى محكمة النقض، مكتب مونود كولن، كان مكتبا قانونيا دقيقا، ومن مستوى عال أثار اهتمامي، كانت بعض الحالات تصل من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وكانت هناك ملفات تتعلق بالوضع في السجون وطلبات اللجوء، إضافة إلى القضايا الأخلاقية، لقد تعلمت الكثير في هذا المكتب، وكان آلان مونود،أحد مؤسسيه، واحدا من أجمل ما صادفته في حياتي، صارم مع نفسه ومستقيم ومشبع بالقيم، وكان آنذاك عضوا في اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان، استمعت إليه كثيرا طيلة سنتين، وشاهدت كيف يتصرف ويشتغل، فالكلمات بالنسبة لهذا الرجل لها معنى وعمق، وهي حقيقة لا يمكن التساهل معها، كان ذلك مثيرا! سأحتفظ بهذا الدرس مدى الحياة: عدم ليِّ الجمل، المحافظة على الأفكار، حمل المشاريع وترك العالم يستأنس بها ويحتك معها ويتغير فيها.
في سنة 2002، كان عمري 25 سنة خلال الدور الأول لانتخابات الرئاسة، في ذلك اليوم (21 أبريل)، كنت في عطلة في مكان آخر، كنت سعيدة ولم أصوت… بعد غياب كهذا، تشعر بثقل ورقة التصويت، لقد بكيت من شدة الغضب عندما بلغ لوبين الدور الثاني، وهنا انطلقت بسرعة، وبعد وقت قصير انخرطت في الحزب الاشتراكي كما انخرطت كليا وبكل طاقتي في المعركة السياسية…
وفي خضم كل ذلك، تقدمت بطلب عمل في ديوان عمدة ليون الجديد، جيرار كولومب، وتم قبولي كمستشارة مكلفة بديمقراطية القرب: اللجان المحلية، مجالس الأحياء، الهيئات التمثيلية لشريحة سكانية معينة وغير ممثلة: الأجانب. كان يتعين علي ابتكار كل شيء وخلقه من البداية، وكنت سعيدة حد الجنون، لكن وبعد سنتين من المعارك القانونية الراقية والتي كانت مكتوبة في الغالب، حتى لا أشعر بشكل من أشكال الوحدة في باريس التي غادرها بوريس، كانت لي مع ذلك رغبات، رغبة الفعل والحركة، ولذلك قدمت استقالتي وذهبت إلى ليون.
بعد التربية العاطفية والتربية السياسية، وعدوني بمدينة مغلقة، بورجوازية و سرية، تحت قيادة عمدة بناء،لقد اكتشفت مدينة تفتح صفحة جديدة من تاريخها مليئة بالحيوية والمشاريع، ويجب القول بأنني أتيت في الوقت المناسب، فقد أحببت جاذبيتها وحجمها الإنساني و مطاعمها وتاريخها ومقاومتها وعاصمتها وجهتها، وكان لي شرف ممارسة كل هذه المهام في كل هذه المجالات الترابية، وأحببتها كلها، الناس كما الطبيعة. ربما لأنني أحب أن أعشق؟ لنقل أنه ولأول مرة بعد بني شيكر، أبيفيل، أميان وحتى باريس، اختار أن أغير المهنة والمدينة والحياة، فقد كنت منطلقة…
الانتخابات الجهوية على الأبواب، كان ذلك سنة 2004، تقدمت بهدوء وقبلت أن أكون في أسفل لائحة مرشحي الحزب الاشتراكي بقيادة جان جاك كيران، لم تكن لي أدنى حظوظ في الفوز، ولكنها كانت معركة قناعات كما أعشقها: توزيع منشورات في الصباح الباكر داخل القطارات الجهوية السريعة من أجل توفير أكبر الحظوظ للوصول إلى كل الناس في جهة تقارب مساحتها بلدا كالدانمارك: لقاءات تتجاوز كل الحدود، متعة خوض المعارك جماعيا.. بشكل جيد، إلى درجة أن اليسار حقق الفوز، نعم، وفوق كل ما كنا نتصوره، لا أحد كان يتوقع أنني أنا المرتَّبة في آخر اللائحة سأفوز. وقد فزت بالفعل، لقد كانت أمي حبيبتي على حق وهي تردد: الحياة أذكى معك.
وبشكل سريع تكلفت بالسياسة الثقافية لهذه الجهة الرائعة، كانت أياما مثيرة ورائعة، حيث تضاعفت ميزانية الثقافة، الشيء الذي سمح لنا ببناء سياسة طموحة من أجل الكتاب والقراءة أولا، إنه شيء رائع! كما استطعنا مساعدة المكتبات والناشرين وأيضا الكتاب، وتحضرني هنا بعض الأسماء: إيمانويل باغانو، بريجيت جيرو، برنار لاهير وميشيل بيتور.. وآخرين.
كما اشتغلنا في تلك السنوات على تطوير أقطاب السينما، إذ ذهبنا إلى كل مكان لإقناع المؤسسات بأنه يتعين علينا الذهاب نحو الجماهير الأكثر بعدا عن الثقافة، داخل الأحياء ذات الأولوية والمناطق القروية، وفي السجون و المدارس والمستشفيات، غير أنني لم أنس أبدا المكتبة / الحافلة وأنا صغيرة. أما اليوم فإنني أحس بغصة في القلب وأنا أرى أن جزءا من هذه السياسة تم نسفه بعدما تحولت الأغلبية إلى أياد باردة.
وبعد سنوات، جاءت حملة الانتخابات التشريعية لسنة 2007، كنت مترشحة في الدائرة الرابعة بمنطقة رون (Rhône)، الدائرة الأكثر يمينية، وهي بورجوازية بشكل واضح في وسطها مع أطراف صغيرة من الأحياء الشعبية، كانت دائرة مفصلة على مقاس ريمون بار آنذاك، دائرة لا يمكن لليسار الظفر بها، خاصة بعد فوز نيكولا ساركوزي.
خسرنا ولكننا حققنا أرقاما مشرفة جدا، حوالي10 نقط أكثر مما كان متوقعا، إلى درجة أن البعض بدأ يتساءل إن كانت هذه القلعة ستسقط في النهاية، وأجرؤ على القول: في العمق، فعلا، كانت هزيمة، ولكن الأهم كان أبعد من ذلك، لقد التقيت في ذلك «نحن»- لأن أية مغامرة سياسية لا يمكن أن تكون فردية – أفضل ما في الإنسانية كان في شخص أولئك الرجال والنساء الذين كانوا يصارعون إلى جانبي من أجل أفكارهم، الكثير منهم لن يحصلوا على اعتراف خاص، اللهم الارتياح بالوفاء لقناعاتهم، أعرف أنهم سيكونون هنا في الاجتماع الموالي، في بعض الأحيان يكونون صامتين، مستعدين منذ فجر السبت لخوض الحملات في الأسواق الأسبوعية، متحدين الحرارة أو البرد والنظرات المعادية، متعبين، يصادفون في بعض الأحيان ابتسامة، حركة، أو يد طفل، وبالنسبة لي هناك امرأة تجسد جيدا هذه الجرعة المركزة من الالتزام والكرم. إنها الرائعة أنا ماتيرون (Anna Mathron) أيقونة فرع الحزب: مستعدة لكل شيء من أجل الفوز، كانت ندية كوردة، وهي في سن 85 سنة، ودائما توجد في مركز كل شيء، في كل مكان، وفي أي وقت، دفء، ذكاء، رقة ولباقة.. وصرامة أيضا، المعركة ومعنى الثورة التي نقلتها لي، هو الاحترام الواجب للنساء وخاصة من جيلها، للواتي لم يعرفن سوى المعارك وتربية الأطفال أو رحلن مبكرا، وكذا التقاعد البسيط، كان لا يمر يوم دون أن تكلمني عن هذا الموضوع. كانت لها حيوات متعددة، حرة وقوية، فهي كانت ممرضة في الجبهة تعالج وتعتني بالجرحى، ثم شاركت بعد ذلك في جميع حملات التلقيح ضد الطاعون في فيتنام.. فرنسية شجاعة، أخوية ومناضلة، نعم، فكروا في هؤلاء المناضلين الذين نحاصرهم بالاحتقار كلما كان أحد «المعارضين للنظام» بحاجة ليضرب على ظهر أحد لتبرير التغيير، نحن كنا نرد على من يقولون بأنهم ينوون الامتناع عن التصويت، بترديد بعض الأبيات المغناة خصيصا للحملة، و من المؤكد أن ذلك لم يكن شعرا فعلا، ولكن الأغاني كانت أغاني الآخرين، حيث إن المحاولات الخاطئة أطرت دائما حياتي والتزاماتي، و سيؤكد لكم أصدقائي أنني مثل علبة أغان حية، لا يوقفني الخجل أو الخوف من أن يسخر الآخرون مني. وإذا كان هناك حفل ما، فسيتم ذلك بالغناء.