ندوة دار الشعر بمراكش تستقصي التقاطعات الجمالية بين «الشعر والسينما»

نظمت دار الشعر بمراكش،بتنسيق مع جمعية الشباب المبدع وضمن فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان واد نون السينمائي، وضمن برمجتها الشعرية للموسم الجديد واستراتيجيتها الخاصة بالانفتاح على باقي الجهات الست في جنوبنا المغربي، تظاهرة شعرية ونقدية في مدينة كلميم. واحتضن المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة كلميم واد نون، صبيحة يوم الجمعة 27 دجنبر، منتدى حواريا خصص لمقاربة نسق الصورة بين تقاطعات الشعري والسينمائي، وبمشاركة النقاد بوبكر الحيحي، ياسمين بوشفار وفريد بياض.
المتدخلون قاربوا أنساق الصورة بين تقاطعات الشعري والسينمائي، ضمن رؤى متعددة، انطلق مدخلها الأساسي من رؤية الناقد بوبكر الحيحي، والتي وسمها ب»فن الإيحاء: جمالية مشتركة بين الشعر والسينما»، والذي أشار في مطلع ورقته أن الشعر والسينما يتقاسمان، «على الرغم من اختلاف الوسيط الذي يستعملانه، جوهرا مشتركا: وهو التقاط ما هو غير مرئي كالعواطف، وتجاوز الواقع من خلال لغة الصور والرموز»، لذلك سعت مداخلته الى تلمس بعض التقاطعات الممكنة.فمن «ترابط الصور أو الاستعارة»، يلاحظ الناقد بوبكر الحيحي، أن «ثمة تجاورات في الشعر عبر ربط صور مختلفة، تسمح بتجاوز المرئي والعقلاني للتطرق إلى البعد العاطفي أو الروحي»، مقدما أمثلة من المنجز الشعري لبدر شاكر السياب، ومن المنجز الفيلمي لايزنشتاين. إذ في السينما نجد ما يسمى بالتوليف عبر لصق اللقطات حيث توضع لقطة بجوار لقطة أخرى قصد خلق تداعيات فكرية. وانتقالا الى بنية «الإيقاع والموسيقى»، يشير الحيحي الى قصيدة الكوليرا لنازك الملائكة، حيث تتبع إيقاعًا داخليا، كما يقوم المونتاج، في السينما، بخلق إيقاع بالتناوب بين اللقطات الطويلة والقصيرة، الصامتة أو المكثفة. ويعطي هذا الإيقاع تجربة حسية قريبة من الموسيقى أو الشعر، كما «في شريط «الخط الأحمر(تيرنس ماليك، 1998).ويواصل الباحث الحيحي ترسيم سمات هذه التقاطعات الجمالية الممكنة، من خلال: الحذف والإيحاء(محمود درويش،»أوديسا الفضاء» لستانلي كوبريك)، والتوليف الانطباعي، والصور المتراكبة والطباعة الفوقية (أدونيس في نص «مفرد بصيغة الجمع»، وشريط «صمت الكمنجات» لسعد الشرايبي)، والشعرية الحدسية، لينتهي الباحث الى التأكيد أن الشعر والسينما يشتركان في هدف مشترك وهو تجاوز الواقع والتعبير عما لا يوصف وإيقاظ الخيال.
في ورقته حول «الشعر والسينما: أفقان متناظران للإبداع»، نوه الباحث فريد بياض الى أن «مجرد التفكير في التوفيق بين السينما والشعر يخلق صعوبة في رسم الحدود بين كونيهما»، غير أن الموضوع يجد مسوغا تاريخيا، في كون السينما ملتقى نوعين من التقاليد، وهو ما يفضي الى أمر أساسي، والذي يسوغ البحث عن عناصر مشتركة بين الشعر القائم على اللفظ والسينما الصورة، رغم وجود تفاوت بين العوالم التي نلجها بالعين وتلك التي نأتي إليها عبر الكلمات.
يفترض الباحث بياض الى «وجود شعرية مشتركة بين مختلف الفنون سواء أكانت من أصل صوري أو كلمي.. هذه الفرضية ترتبط أصولها عند بازوليني الذي جمع ما لا يجتمع في شخص (شاعر مخرج سينمائي رجل مسرح ورسام وكاتب) أو «سينما الشعر»، في محاولة تذليل صعوبة تحويل الصورة الساكنة إلى أسطر أبيات شعرية عبر جعل السينما تستوعب الأنموذج اللغوي للقصيدة.
وفي مداخلتها حول الشعر والسينما تقاطعات جمالية، ركزت الباحثة والناقدة السينمائية ياسمين بوشفارعلى تجسيد كل من الشعر والسينما، وسيلة فنية تتميز بلغة تعبيرية خاصة، ولكنها تتكامل لتخلق تجربة فنية غنية تتجاوز حدود الأشكال التقليدية للفن. ومن خلال الكثير من النمذجات، أظهرت الباحثة كيف يمكن للشعر أن يغذي السينما بإيقاعه الرمزي وبلاغته، بينما تمنح السينما الشعر بعدا مرئيا وحركيا يعمق من تأثيره، مما يعزز من قيمته الثقافية والجمالية.
من خلال هذه التفاعلات بين الشعر والسينما، نرى كيف أن كلا الفنين يتشاركان في التعبير عن الهموم الإنسانية، ويعكسان رؤى المجتمع ومشاعره. إن هذه التقاطعات تمنحنا فرصة لإعادة التفكير، تشير بوشفار، في دور الفنون في تشكيل هويتنا الثقافية، وتفتح أمامنا أفاقا جديدة لفهم العلاقة بين الكلمة والصورة. إن الشعر والسينما، ورغم اختلاف وسائلهما التعبيرية، يلتقيان في جوهر واحد: التعبير عن التجربة الإنسانية بأبعادها المختلفة.


بتاريخ : 06/01/2025