ندوة دولية حول « الحكامة في القارة الإفريقية والوقاية من الفساد» بالجامعة الدولية للرباط

الراشدي: الفساد بمظاهره المتنوعة يقف حائلا أمام التنمية ويضعف حظوظ الدول

في اغتنام جميع الفرص من أجل ضمان تنمية سوسيو اقتصادية

 

 

قال محمد بشير الراشدي إن العالم، اليوم، يواجه أكثر من أي وقت مضى، تحديات كبرى، في سياق يتميز بتصاعد الاحتجاجات الاجتماعية التي تتخذ تمظهرات مختلفة، تقليدية ومبتكرة، يجمع بينها قاسم مشترك يأتي في مقدمة هذه الاحتجاجات، نبذ ورفض جميع أشكال الفساد والشطط والامتيازات غير المستحقة وانعدام المساواة الناتجة عنها، مقابل المطالبة بمزيد من الشفافية في تدبير الشأن العام والحكامة التي تضمن الولوج العادل إلى وسائل وشروط المساهمة الواسعة في إنتاج الثروة وإعادة توزيعها».
وأضاف محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في كلمة القاها بمناسبة افتتاح الندوة الدولية حول «الحكامة في القارة الإفريقية والوقاية من الفساد»، التي نظمت أول أمس بالجامعة الدولية للرباط، أن مختلف التقارير الإقليمية والدولية، التي عالجت موضوع التنمية تضع الفساد بمظاهره المتنوعة ضمن العوامل الأولى التي تقف حائلا أمام التنمية، وتُضعف حظوظ الدول في اغتنام جميع الفرص من أجل ضمان تنمية سوسيو اقتصادية تتماشى مع قدراتها وإمكاناتها الحقيقية.
وأشار رئيس الهيئة إلى أن القارة الإفريقية تعرف متوسط تنقيط لا يتجاوز 33/100 في مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، وتعاني هذه القارة، وأكثر من أي منطقة أخرى في العالم، من الأعباء الممتدة للعواقب الوخيمة لآفة الفساد، والتي تتبدئ بشكل خاص في هروب رؤوس الأموال المقدرة في عام 2020 لوحده بحوالي 89 مليار دولار. ويؤكد تقاطع البيانات والمؤشرات غير المباشرة التي تغذي تقارير المنظمات المعنية، التأثيرَ الملموس للفساد على الناتج الداخلي الخام للقارة، والذي يستأثر بأكثر من 6 نقاط من هذا الناتج الداخلي.
وسجل نفس المتحدث، على أنه ووفق دراسة أجراها صندوق النقد الدولي، فإن المكاسب السوسيو اقتصادية المحتملة المرتبطة بتوطيد الحكامة العمومية المسؤولة في إفريقيا يمكن أن تكون أكثر أهمية بمرتين إلى ثلاث مرات من تلك التي يمكن أن تحققها البلدان ذات التنمية المماثلة في مناطق أخرى من العالم.
وفي ذات السياق، نبه الراشيدي إلى أن هذا الوضع لا يسير في اتجاه التحسن، إذ أن الفساد يتفاقم في سياق يتم فيه استغلال نمو الأسواق والمنظمات والتكنولوجيات وتحويلها إلى أداة في خدمة تطوير ممارسات الفساد وغسيل الأموال والجرائم المالية.
وأكد الراشدي أن الأزمة الصحية التي عاشها العالم ، وكذا الأزمات الأخرى، سواء منها الحالية أوالمستقبلية، لا ترجح التوجه نحو تقليص هذه الظاهرة، بل على العكس من ذلك، فهي تطرح مخاطر جديدة بفعل انبثاق أشكال ومظاهر متجددة للفساد، تستغل مواطن القصور والثغرات التي أفرزها تدبير الاحتياجات الطارئة وضرورة الالتزام بتعبئة ميزانيات ضخمة في ظل ظروف استثنائية تنكمش فيها القواعد الاحترازية ومتطلبات الإشراف ومراقبة التدبير العمومي.
ومن جهة، أبرز الراشدي أن العديد من البلدان الإفريقية، أدركت تمام الإدراك تحديات الحكامة المسؤولة والوقاية من الفساد ومكافحته، كما أنها باشرت، تبعا لذلك، إصلاحات متعددة في هذا المجال، وانضمت، بمعدلات مرتفعة، إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد واتفاقية الاتحاد الإفريقي لمكافحة الفساد.
ووعيا منها بضرورة إرساء تحالف موضوعي وتعزيز ثوابت قدراتها عبر تبادل الخبرات وتقاسم التجارب، ومن أجل مواجهة الامتدادات عبر الوطنية لظاهرة الفساد، فقد انضمت هذه البلدان، من خلال سلطاتها ومؤسساتها المعنية إلى شبكات مكافحة الفساد، مثل الرابطة الدولية لسلطات مكافحة الفساد، وشبكة سلطات مكافحة الفساد، كما أنشأت شبكات إقليمية وشبه إقليمية، مثل رابطة سلطات مكافحة الفساد في إفريقيا وشبكة المؤسسات الوطنية لمكافحة الفساد في غرب إفريقيا.
وأشار رئيس الهيئة، بنفس المناسبة، إلى أن المغرب بعد اعتماده للعديد من الإصلاحات على مدى العقدين الماضيين، ووضعه لبعض البرامج الحكومية، وإرسائه لاستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد منذ نهاية عام 2015، يتطلع، وفقًا للتوجيهات الملكية السامية، إلى ولوج حقبة جديدة في مكافحة الفساد، مؤطرة بإرادة راسخة تستمد أسسها من دستور المملكة لعام 2011، الذي أفرد بابا كاملا للحكامة الجيدة بما تتضمنه من نزاهة ومساءلة، كما أحدث وارتقى بالعديد من السلطات والهيئات إلى مرتبة المؤسسات الدستورية المستقلة، كما هو الشأن بالنسبة للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
وفق هذا التوجه، جاء اعتماد القانون رقم 46.19 في عام 2021، ليكرس مهام وصلاحيات الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وليُكمِل ويعزز المنظومة الوطنية لمكافحة الفساد، ويوفر شروط التكامل المؤسساتي، ومتطلبات التآزر والالتقائية.
يذكر أن هذه الندوة الدولية ذات البعد الإفريقي، مع استهداف خاص للشباب، نظمت تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، من طرف جمعية «أوقفوا الفساد» والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بشراكة مع الجامعة الدولية للرباط، وتواصلت أشغالها على مدى، يومي 19 و20 أكتوبر 2022، تحت شعار: « الوقاية من الفساد ومحاربته: تحدي أمام تنمية القارة الإفريقية، جواب على الانتظارات المشروعة للشباب».
و يشارك في هذا الندوة شخصيات رفيعة المستوى من أوروبا والمغرب ومن كل إفريقيا، وسيساهمون في توضيح أعمق للرهانات المطروحة وفي التفكير العميق في الرافعات القادرة على تمكين البلدان
الإفريقية من القضاء على ظاهرة الفساد وفتح الطريق أمام تنمية مستدامة قادرة على الاستجابة للتطلعات المشروعة لمواطني هذه الدول.
وسيتخلل هذه التظاهرة العديد من ورشات العمل حول التحول الاقتصادي، ودور المؤسسات الدولية والإقليمية، والاستراتيجيات التي تنفذها الدول، وتعبئة المجتمع المدني.


الكاتب : مكتب الرباط: عبدالحق الريحاني

  

بتاريخ : 22/10/2022