ندوة مكتب الرباط حول العلاقات المغربية الروسية في بعدها المدني و المغرب في محيطاته الإقليمية والجهوية والدولية

 محمد فقيري: هدفنا التعريف بإمكانيات المغرب وبدوره الاستراتيجي في المنطقة وخريجو المعاهد والجامعات الروسية المغاربة في قلب هذا الهدف

  السعيد بنخديجة: يجب أن نسجل قطيعة مع فهمنا القديم للعلاقات المغربية الروسية وأن نكثف من دورنا المدني في تعزيزها 

لطيفة مفيد: الثقافة واجهة حقيقية في العلاقات المغربية الروسية، واللغة والفكر أساسيان في ذلك

في إطار الانفتاح على أسئلة المجتمع المدني، عن مفهوم العلاقات الديبلوماسية الموازية، والتي يعمل المغرب اليوم على تطويرها ومواجهة كافة تحدياتها، انطلاقا من موقعه الجغرافي ومن علاقاته الاستراتيجية في مختلف الواجهات الجهوية والإقليمية والدولية، سواء منها المتعلقة بالعلاقات التقليدية صوب أوروبا وأمريكا أوالانفتاح بتوجهات جديدة نحو تكتلات إقليمية أخرى، ناهيك عن عودة المغرب إلى مكانه الطبيعي في الاتحاد الإفريقي وسياسته في ربط الشمال بالجنوب بتوجه، جنوب جنوب، أو رابح رابح، وبمفاهيم تتجاوز العوامل الايديولوجية نحو عوامل التنمية والاقتصاد، لصيانة كرامة الإنسان، بعدالة مجالية دولية حقيقية ومتفهمة، بعلاقة الإنسان بالإنسان، في هذا الإطار استضفنا أعضاء المنظمة المغربية لخريجي الجامعات والمعاهد الروسية، الاتحاد السوفياتي سابقا، وهم يحتفلون بالذكرى الأربعين لتأسيس منظمتهم، ويحضرون في نفس الوقت أشغال المؤتمر التأسيسي للاتحاد الإفريقي لخريجي الجامعات والمعاهد الروسية، وقد تناولنا معهم موضوع العلاقات الروسية المغربية بأسئلة الراهن .
وفي هذا الصدد، حضر معنا كل من الأستاذ محمد فقيري، رئيس الجمعية المغربية لخريجي الجامعات والمعاهد الروسية، والسعيد بنخديجة رئيس المركز المغربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية لروسيا الاتحادية ورابطة الدول المستقلة، ولطيفة مفيد عضو المكتب التنفيذي لرابطة كاتبات المغرب، خريجة الجامعة الروسية وعضو الجمعية المغربية لخريجي الجامعات والمعاهد الروسية، الاتحاد السوفياتي سابقا .

 

p الأساتذة ، محمد الفقيري، الأستاذ سعيد بن خديجة، الأستاذة لطيفية مفيد، مرحبا بكم في ندوة تنظمها الجريدة حول العلاقات المغربية الروسية، حرصنا فيها على استضافتكم لنكشف الجانب المدني في هذه العلاقة من موقعكم كخريجي المعاهد والجامعات الروسية.
بداية نعرف أن المغرب اليوم منفتح على كافة الاتحادات الإقليمية والجهوية والدولية ، سواء تعلق الأمر بإفريقيا أو بأمريكا أو أوروبا أو آسيا ، إلا أن هذه السياسة الاستراتيجية المنفتحة ما زالت تحتاج إلى مجهودات كبيرة، لكي نجعل من المغرب محورا أساسيا في علاقات بديلة نتوخاها في المستقبل، محورها الإنسان، تنمية وتطورا، ومن موقعكم المدني في المركز المغربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية لروسيا الاتحادية ورابطة الدول المستقلة والجمعية المغربية لخريجي جامعات ، وأنتم مقبلون على مؤتمركم بأوراش تسعى إلى جعل المنظمة في قلب انشغالات الدبلوماسية الموازية بما فيه مصلحة المغرب وقضاياه الجوهرية ومصلحة البلد الذي نفتح معه هذه العلاقة الدبلوماسية الموازية، وأول ما نبدأ به كيف تشتغل منظمتكم في هذا الخضم، وكيف تنظم علاقاتها بين الدولة والمجتمع و ماهو واقع اشتغالها وشركائها؟
n الفقيري: أولا، شكرا لجريدة الاتحاد الاشتراكي على الدعوة والاهتمام بالجمعية المغربية لخريجي جامعات ومعاهد الاتحاد السوفياتي سابقا الروسية حاليا، وبداية نشير إلى أن هذه الجمعية تأسست مند أربعين سنة، ونحن اليوم نحتفي بالذكرى الأربعين لتأسيسها. و من بين الأنشطة التي تقوم بها، جمع شمل جميع الخريجين ومساعدتهم في الاندماج بعد تخرجهم، في عمل مدني منظم.
ولابد من الإشارة إلى أنه منذ الستينيات وإلى الآن تخرج من المعاهد والجامعات الروسية أكثر من أربعين ألف خريج في جميع الاختصاصات، وهم يساهمون في نشاط وتنمية المغرب والتعريف به. والعكس صحيح حيث يعرفون كذلك بالبلد الذي درسوا فيه. ونحن اليوم نهيئ الذكرى الأربعين للجمعية و للقائين كبيرين، ويتعلق الأمر بتأسيس الاتحاد الإفريقي لجمعيات خريجي جامعات الاتحاد السوفياتي سابقا، واللقاء الدولي الثاني هو لقاء للاتحاد العربي لهذه الجمعيات، الذي سينعقد بالمغرب بعد استكمال تكوينه الإداري والقانوني.
إن الهدف من هذه اللقاءات هو التعريف بالمغرب وبالإمكانيات التي يزخر بها بلدنا، من الناحية الثقافية والحضارية وكذا الناحية الاقتصادية من أجل جلب الاستثمارات، فالخريجون الذين سيشاركوننا هم مسؤولون في تلك الدول التي يمثلونها، وهم أيضا رجال أعمال لهم عدة اختصاصات يريدون تبادلها مع المغرب. وهذا ما نتوخاه من هذه اللقاءات، ناهيك عن هدفنا الأسمى أي التعريف بالقضية الوطنية .

p نسائلك أستاذ السعيد، من بوابتك كإطار تشتغل في الجانب الإداري والذي تنفتح فيه على أسئلة هامة تتعلق بتحريك هذا الجانب الإداري في خدمة السياسة بشكل عام، وخدمة المجتمع بنفس مغاير يوظف فيه رجل الإدارة من أجل التنسيق في عمل مشترك يهم بلادنا بصفة عامة، ويهم أيضا البلدان التي نريد أن نفتح معها علاقات في الدفاع عن قضايانا الجوهرية، وهذا النفس الذي نرفعه اليوم ليس نفسا وطنيا فقط بل إقليميا أيضا، على مستوى الاتحاد الإفريقي وعلى مستوى العلاقات مع الدول الأخرى، دفاعا عن الحاجة الملحة في احترام سيادة الشعوب على أراضيها. والسؤال موجه إلى الأستاذ بن خديجة، باعتباره إطارا كبيرا في الإدارة. أستاذ بن خديجة، من المؤكد أن بالمغرب إشكالات كبيرة، ولو أن دستور 2011 أشار إلى تفعيل العلاقة مع المجتمع المدني وتفعيل العلاقة مع الأحزاب السياسية إلا أن الأمر يحتاج إلى تحريك فعلي، من أجل الخروج من الارتباك الحاصل في هذه العلائق، لتحقيق ديبلوماسية موازية في مستوى تطلعاتنا جميعا وفي مستوى الخطابات الملكية التي أشارت إلى ذلك، وفي مستوى أيضا الدستور المغربي؟
n بن خديجة: شكرا الأستاذة بديعة على هذا السؤال الذي أعتبره سؤالا جوهريا يلزمه وقت للتحليل. وأود البدء من الزلزال الذي وقع، والذي يؤشر على عاملي المسؤولية و المحاسبة، كما يؤشر على أن المسؤولية لا تعني الجلوس في مركز القرار. وأنا على يقين أن ما وقع قد وضع حدا للتهافت على المناصب وأن المغرب وضع سكة التقدم في إطارها الصحيح.
إن الإدارة المغربية مازالت تحتاج إلى الكثير، وأنا كإطار سابق ، أقول إنه يجب النهوض بها في إطار شامل، بناء على الحكامة الجيدة وتقريب الإدارة من المواطن وفتح الأبواب، وليس إغلاقها، مما سيعود بالنفع على وطننا العزيز .أما في ما يخص الدبلوماسية الموازية خاصة مع روسيا، فكما تعلمين أن العلاقة المغربية الروسية ابتدأت منذ 120 سنة، و منذ نشأتها كانت تمتاز بنوع من الدفء والتجاوب و التشاور والتعايش المتكامل بين الشعب المغربي والروسي، ولم نعرف في تاريخ هذه العلاقة أي نوع من الابتزاز، أو الاصطدام، خاصة على مستوى الدبلوماسي. كما أن الزيارة الأخيرة للملك محمد السادس نصره الله لروسيا سنة 2016، أعطت شحنة كبيرة للبلدين، ودفعت بوتيرة عجلة الاستثمارات وعجلة النمو للبلدين بشكل ملفت للنظر. ونحن كجمعية وكمركز وضعنا عددا من الأمور نصب أعيننا، كما وضعنا أهدافنا المؤسساتية، من أجل تعزيز العلاقة الدبلوماسية بين البلدين، والتعريف بهما في الساحتين المغربية والروسية.

p طيب أستاذ بن خديجة، قبل أن نمر للأستاذ بلفقيري والأستاذة لطيفة مفيد، أريد أن أسالك عن مصير مجموعة من الاتفاقيات بين البلدين التي توجت الزيارة الملكية لروسيا، ونحن كمتتبعين إعلاميا لا نرى اشتغالا في مستوى التطلعات، إذا استثنينا المجهود الذي تقوم به الجمعية؟
n بن خديجة : اللجنة المغربية أسست سنة 2012 وفي أول زيارة تشكلت لجنة اقتصادية وتم توقيع برتوكول، أمام رئيسي البلدين سمي بالإعلان الاستراتيجي، فالعمل الجبار قائم بين البلدين،وقد ارتفعت نسبة النمو من 15 إلى 27 خلال سنتين، مما يدل على أن هناك عملا جبارا بين الدولتين. وأتوقف هنا عند التصريح الأخير لمي دلف بعد الزيارة وهو التصريح الذي أثنى فيه على المغرب باعتباره بلدا استراتيجيا مهما متوقعا بلورة تعامل رفيع بين البلدين.
لقد قال لمي دلف بالحرف إنه يمكن أن نصل مع المغرب في التعامل إلى مجال الطاقات بما في ذلك الطاقة النووية . ويأتي هذا التصريح في كون المغرب اليوم يتوفر على المقومات التي يمكن أن تشكل أرضية مادية وخصبة للتعاون الاستراتيجي بين الدولتين. فروسيا تزخر بالطاقات وبالعلماء و بالتكنولوجيا ، كما أنها قطعت أشواطا، خاصة بعد صعود بوتين للحكم منذ سنة 2000. وعرفت قفزة نوعية صناعيا وتكنولوجيا وعلميا عكس ما كانت عليه أيام الاتحاد السوفياتي.
غير أنه لا بد من الاعتراف بأن هناك مشكلا في الوصول إلى المعلومة بين البلدين، وهذا يتطلب عملا وتفعيلا للاتفاقيات المبرمة بينهما خاصة في مجالي الثقافة والتواصل .
n فقيري: مضيفا: ..اللقاء الذي قمنا به في أبريل السنة الماضية والذي جاء بعد الزيارة الملكية، طرحنا فيه موضوع الاتفاقيات وأين وصلت، ووقفنا فيه عند كافة التعثرات. وذهبت الدراسات المقدمة إلى أن هناك بالفعل عدم تفعيل لمجموع هذه الاتفاقيات. ونحن كمنظمة للمجتمع المدني نرى أن من مسؤوليتنا الدفع في اتجاه التحسيس بالتفعيل.

p أنتم كجمعية تتوفرون على الموارد البشرية الكفيلة بمد هذه العلاقة المدنية بين البلدين بمجتمع مدني باستطاعته تشكيل رافعة في مختلف المجالات، لأنكم أولا تتقنون اللغة الروسية وهذه مسألة أساسية ومهمة في عملية التواصل. والسؤال أستاذ فقيري هل تشتغلون بشكل مريح وهل تتوفرون على الإمكانيات من أجل تفعيل برنامجكم السنوي الذي نعرف أنكم حريصون على وضعه؟
n فقيري: منذ 40 سنة و نحن نشتغل بإمكانياتنا الذاتية، لقد نظمنا مجموعة من الأنشطة الفكرية والثقافية والاجتماعية على المستوى الوطني والدولي . لدينا أربعون ألف خريج متواجدون في كافة الواجهات، مما يغطي مشكل اللغة في العلاقات التواصلية بين البلدين إن على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي. نحن نعمل بكل مسؤولية، وهناك تراكم هام، ولكننا ننتظر الآذان الصاغية للتنسيق.
n بنخديجة: مضيفا: بما أنكم بدأتم بأسلوب المكاشفة، فإننا شعرنا بأريحية ونحن نجيب على محاور نقاش هذه الندوة التي تنظمها جريدتكم مشكورة، فخريجو الاتحاد السوفياتي سابقا قد عانوا على جميع المستويات، حيث كانت الإدارة المغربية تنظر إليهم نظرة دونية، والمسؤول المغربي كانت لديه فكرة سيئة عن التعليم السوفياتي. ومع ذلك فقد برهن هذا الخريج عن كفاءته في الإدارة المغربية. ومن هؤلاء الخريجون أدباء وشعراء ومخرجون سينمائيون، وعلماء، والمشكل أن هناك لوبيا من داعمي خريجي المعاهد الفرنسية، والذي اعتقد أنه متفوق و لديه المعرفة الكاملة، والذي استفاد من الفكرة الراسخة في أذهان المغاربة والتي مفادها أن أي دبلوم آت من روسيا هو دبلوم بيع وشراء. وأنا أتحدى أي مسؤول أن يثبت لي ،قطعا وجزما، أن دبلوما واحدا سرب من إحدى الجامعات الروسية أو السوفياتية سابقا لأحد الطلبة، فهؤلاء نالوا شواهدهم عن جدارة واستحقاق. أمام بخصوص دعم منظمتنا التي اشتغلت منذ عقود، فأريد أن أتحدث بالمكاشفة التي أشرت إليها سابقا، إذ لا نزال نشعر بالدونية إلى يومنا هذا، عندما ندق باب الإدارات المغربية، وأي مشروع أتت به الجمعية ينظر إليه بنوع من التقزيم، لكننا نعمل على محاورة الإدارة في شرح الخطوات الجبارة والأهداف الوطنية التي نسعى إليها كمنظمة مدنية، ولا نخفيكم أننا استطعنا أن ننتزع تفهما وتجاوبا ضد «البروباكوند» الذي من خلاله يُنظر إلينا، وذلك بسبب تأثير الأفلام الروسية التي تسوق أن الروسي لا يبتسم ومكشر و»مافيوزي» وأنه لا يعرف إلا القتل والجريمة، وهذا الفكر لم يستقر فقط بالمغرب بل في جميع الدول، ف»البراباكوند» كان هدفه تقديم روسيا على أنها الدب الذي يأكل الناس، مع العلم أن روسيا شعب طيب، ونحن نتشارك معهم ونتقاسم معهم عدة أعراف وتقاليد وهذا ما لا يعرفه العامة.

p المغرب اليوم محتاج إلى علاقات استراتيجية ممتدة وجذرية بين المغرب وروسيا، محتاج إلى أن يجدد العلاقة بأسئلة جديدة مع الصين ومع اليابان وألمانيا، فهذه المحيطات الواعدة للمستقبل تدعونا إلى الاشتغال من كافة الواجهات، دون الخروج عن نمط العلاقة التي تجمعنا مع أوروبا جارتنا وستظل كذلك. فالمغرب يعي علاقاته الاستراتيجية مع الجميع بما يخدم تصورنا للمحيط الإقليمي والجهوي ويخدم علاقتنا مع العالم بعنوان السلم والسلام والتنمية للجميع، وهو المنحى الذي نحقق فيه تحركات جنوب جنوب نحو إفريقيا من أجل الحفاظ على الإنسانية والإنسان .
وفي إطار تساؤلنا عن الديبلوماسية، ماذا حققت الجمعية في الديبلوماسية الموازية؟ هل استطاعت أن تنسق مع الديبلوماسية الرسمية عبر الخارجية التي توجد بها مديرية لهذا التنسيق؟
n فقيري: نعتبر أنفسنا من موقعنا في جمعية خريجي المعاهد والجامعات الروسية والاتحاد السوفياتي سابقا ، الأقرب إلى ممارسة الديبلوماسية الموازية في شقها المدني. ولقد سبق أن تناولنا الموضوع في لقاءاتنا على كافة المستويات ، وحصلت لنا قناعة أن الدبلوماسية الموازية تمس كافة الجوانب التي تعتبر تكميلية للديبلوماسية الرسمية . وأهم هذه الجوانب القضية الوطنية، دون إغفال جوانب أخرى تتعلق بالسياحة والاقتصاد والثقافة والفكر . فنحن نشتغل على هذا المنحى، ومنذ كنا طلبة كنا نقوم بالدور الديبلوماسي، لكن هناك نواقص انعكست سلبا علينا، وأشير هنا بالضبط إلى مهرجان الويفدي المقام بسوتشي ، الذي وصل فيه الأمر إلى مقارنة شخص عبد العزيز المراكشي بشخصية تاريخية. وفي هذا الجانب و منذ ثلاث سنوات مع بداية تنظيم المهرجان، وأنا أقولها، بكل أسف، حيث استشعرنا ببرنامج مهرجان سوتشي أن في قلبه تعتيما على قضيتنا الوطنية. وفور توصلنا بالخبر قمنا بمراسلة رئاسة الحكومة والنواب ومجلس المستشارين، و مع الأسف الشديد لم يتم التجاوب مع رسائلنا، فكان التنظيم الرسمي فعلا ، بكركاس والآخر تمهيدي بروسيا عقدته المنظمة للحسم في برنامج سوتشي، وبعد ذلك راسلنا من جديد وزارة الداخلية ووزارة الخارجية ورئاسة الحكومة من أجل دعم الجمعية وتوقيف النزيف قبل أن نصل إلى النتيجة السيئة اليوم ، فنحن كنا نعلم أن الأمر إذا وصل سوتشي قُضي، ولكن في نهاية المطاف وفي آخر اللحظات بدأ التواصل معنا، وقيل لنا أنقذوا ما يمكن إنقاذه ولكن المهمة كانت مستحيلة، وبالتالي حتى ركوب الطائرة من أجل الالتحاق كان صعبا، لذلك فهذا الفهم المتأخر يؤشر على عدم تصور النتائج، والمترتب عن عدم إيصال المعلومات إلى أصحاب القرار، لكن في هذه الشهور الأخيرة هناك تنسيق وثيق مابين الجمعية ووزارة الخارجية.
n بن خديجة مضيفا: ماقاله بلفقيري يبين لنا أن هناك ارتجالية في اتخاذ القرارات وليس هناك تنسيق، وهذا ما قلته في إحدى المؤسسات الإدارية ببلادنا، فكيف يعقل أن الجمعية تتوفر على أزيد من أربعين ألف خريج ولا نستفيد من ذلك، وقلنا لهم بالحرف يجب أن تأخذوا الأمر بمحمل الجد ، وأن تتعاملوا مع الجمعية كشريك فعال في الدبلوماسية الموازية .

p أزيد من أربعة عقود خلت ، ومازلنا نقول إن الديبلوماسية الموازية تحتاج إلى التأطير والتكوين، و من المفروض أننا قطعنا خطوات كبيرة في هذا الاتجاه . وكما هو معروف أن العلاقة بين المغرب وروسيا ، تتسم بالجودة كما هو معهود وكما تفضلتم وقلتم أنها تتسم أيضا بنوع خاص من الدفء ، وسؤالي، ماهو تقييمكم الحالي لهذه العلاقة بعد تبادل الزيارات بين البلدين، خصوصا بعد قرار إلغاء التأشيرة للمغاربة، هل ترون أن هذا القرار سيساعد على الاستثمار وعلاقات اقتصادية وثقافية بين البلدين؟
n فقيري : لا أعتقد أنه قد تم إلغاء التأشيرة، هو خبر زائف، وبالتالي فالمغاربة تلزمهم التأشيرة لدخول روسيا، ولكن هناك منطقة واحدة فقط، وهي المنطقة الشرقية لميناء ستراديفاسكو هي التي رفعت التأشيرة، فالعلاقة المغربية الروسية أعتقد أنها كما أشار السيد سعيد، علاقة قائمة منذ قرنين أو أكثر. و قد بدأت الآن تتمدد بشكل أكبر بحيث وصلت إلى الشراكة الاستراتيجية في تتفاعل مع جميع القطاعات . وأنتم تعلمون أن الأعراف الديبلوماسية تلزم برفع التأشيرة من الجانبين، لكن كل ما يمكن قوله أن رفع التأشيرة عن الروس أتى أكله ،فقد ساعد ذلك على جلب السياح والاستثمار وظهور بعض الاستثمارات أكثر مما مضى.

p بن خديجة: نحن لا نتحدث عن فرنسا أو الجزائر أو تونس، تحن نتحدث عن رقعة جغرافية شاسعة بملايين الكيلومترات والأميال ، الآن المنطقة التي قال عنها الأستاذ بلفقيري، و اسمها سان ديفاسكو هي على الحدود مع كوريا الشمالية، وهذه المدينة أرادت لها روسيا أن تزدهر سياحيا، و ليس المغرب وحده من رفع التأشيرة ، فقد قامت كذلك بعض الدول مثل لبنان بفعل الشيء نفسه ، فالوصول إلى ستراديفاسكو مكلف جدا و بالتالي يصعب على المغربي أن يفكر في الذهاب إلى تلك المنطقة أو أن يقطع أميالا من أجل قضاء عطلة في منطقة محددة المعالم، إذن هذا شيء مستحيل، والمغربي يفضل أن يذهب إلى ستارسبو أو موسكو أو سوتشيلل ، وهي الأماكن التي لديها شهرة عالمية ..هذا للتوضيح فقط.

p شكرا على التوضيح … كيف ترون مشاركة الشبيبة الاشتراكية في مهرجان الشباب الدولي الذي أقيم بسوتشي، خصوصا بعد تسريب البيان الختامي الذي جعل من الصحراء المغربية «غربية» وأيضا آخر «مستعمرة إفريقية «ماهو تقييمكم لهذا البيان وهذه المشاركة ؟
n بنخديجة: استدل بمثال مغربي «قال باك طاح قالو من الخيمة خرج مايل « فعيب وعار أن تقارن شخصية وهمية مع الزعيم التاريخي تشي كيفارا، إن الأمر يعتبر بالنسبة لي إهانة لشخصية تشي كيفارا الذي ينتمي إلى عائلة أرستقراطية وضحى بالغالي والنفيس من أجل التحرير وهو صاحب قضية، وفضل الرجل أن يقود الحركة التحررية التي كان ينتمي إليها المثقفون، حيث كان الزمن غير الزمن ، فيكفي أن تكون منخرطا في الحزب الشيوعي أو الاشتراكي ، لتواجه الإعدام، سواء في أمريكا الشمالية أو أوروبا الغربية. وأنا عندما أحضر مثل هذه المهرجانات لا أحضرها بصفتي اشتراكيا أو شيوعيا أو اتحاديا أو باميا أو تجمعيا لكنني أحضر كمغربي أمثل شبيبة المغرب، وعندما أحضر في الجلسة الافتتاحية وأحمل راية المغرب وأحضر الاحتفاء بالزعيم الوهمي فهذا أمر خطير، ونحن شاهدنا الرد الفلسطيني واللبناني والأردني ،حيث تكتلت 3دول وانسحبت من القاعة التي ألقى فيها بوتين الكلمة إلى حين إزالة العلم الإسرائيلي من القاعة .
إن المشكل يكمن في عدم التنسيق بتحديد المواقف، فنحن طلبنا تأطير هذه المجموعة التي ستذهب إلى سوتشي، ولكن يبدو أن هناك عدم تنسيق. لهذا فنحن نوجه خطابنا،عبركم ، أن التشارك في القضية والدفاع عنها ينبغي أن تختار له آلية تنسيق محكمة وفاعلة وموضوعية بعيدة عن الصراعات والمزايدات السياسية، لأن الأمر يتعلق بوطن يجمعنا جميعا وبقضية هي قضية المغاربة ككل.
n فقيري: يجب أولا أن نعرف كيف بدأت الأمور لنعرف كيف انتهت، فما كتبناه نحن منذ فترة ليست بالهينة هو ما يهمنا، منذ سنة كان هناك اللقاء العربي التاسع في عمان وضمنه كانت لجنة خاصة للتهييء للمهرجان التاسع عشر بسوتشي، والمغرب دخل هذه اللجنة وجئنا لكي نؤطر ونكون الوفد المغربي الذي سيكون حاضرا بسوتشي .وقد قرر المسؤولون المغاربة في موسكو أن المؤطرين سيكونون من الخريجين ، ولما جئنا نحن للمغرب قلنا إننا نحن من سوف يؤطر، ولما توصلنا بالبرنامج اتصلنا بالسفارة الروسية في المغرب، و سألناهم عن مدى صحة تكريم الزعيم الوهمي فأجابوا أنه لا يمكن أن يحصل ذلك في بلد له علاقة استراتيجية مع المغرب، ثم سألني المسؤول الروسي: هل أنت وزير الخارجية؟ قلت له أنا من المجتمع المدني ولدي الحق أن أعبر عن حقي في الحفاظ على تراب بلدي. بعد ذلك اقترحت الخارجية علينا بشكل رسمي أن ننسق مع الوفد المغربي فاشترطنا أن يكون التنسيق بناء على وثيقة رسمية نتوصل بها لهذه المهمة، إثر ذلك اتصلت بي رئيسة التنظيم وقالت في رسالة خاصة: هل تجيد الحديث بالروسية، فأجبتها بنعم، ثم قالت إن التسجيل هو قبلي في بوابة الكترونية ثم في سوتشي، لذلك قمنا بالتهييء القبلي مع المراسلات وكتبنا لجل الشبيبات والجمعيات الحقوقية بغية أن يفهموا أنه لايمكن مقارنة تشي كيفارا بالشخصية الوهمية عبد العزيز المراكشي ، وهي شخصية غير معروفة، اللهم في المغرب والجزائر. وكان هدفنا مع المؤطرين هو إقناع الذين يشرفوا على المنظمة، بإلغاء هاته الفقرة لأن الأمر لا يقارن، فقانون المنظمة يدعم وحدة الشعوب .
غير أننا لم نستطع الالتحاق بالوفد لكننا تتبعنا جميع مجريات المهرجان عن طريق إخوان لنا رؤساء الوفود المشاركة….
n بنخديجة : أعتقد أن هناك أبعادا سياسة لملتقى سوتشي للأسف الشديد، و بصراحة فالمسؤولون لا يقيمون الأحداث في أذهانهم، هم يعتقدون أن الأمر يتعلق بمنظمة شبابية، في حين هي منظمة قوية تجمع شبابا قياديين في منظمات حقوقية وسياسية داخل بلدانهم ، وعندما تختار الاحتفاء بشخصية وهمية فإنها تمرر بذلك رسالة لجميع شباب العالم، ومن لم يكن يعرف عبد العزيز المراكشي، فسوف يعرفه من خلال هذا الاحتفاء الذي قرروه إلى جانب شخصية تاريخية كشخصية تشي غيفارا، وهذا هو الخطير في الأمر ، لذلك يجب أن نلتقط الإشارات أو كما نقول بالروسية :»استروجرا، استروجرا ، استروجرا» أي «إياك إياك إياك» فهؤلاء الشباب سيكونون غدا رؤساء دول وحكومات ومسؤولين كبار داخل بلدانهم وستبقى لديهم خلفية في أذهانهم .

p تحضر معنا الأستاذة لطيفة مفيد، كاتبة وعضو رابطة كاتبات المغرب فاعلة ومؤسسة جمعية خريجي طلبة الجامعات ومعاهد الاتحاد السوفياتي سابقا، روسيا، مشهود لها بمعرفتها بالساحة الثقافية الروسية وأيضا المغربية، ونود أن نكشف من خلال أجوبتها عن العلاقات الثقافية المشتركة بين البلدين . فماهو تصور الأستاذة مفيد للديبلوماسية الثقافية في أفق مشاريع مستقبلية واعدة في الساحتين؟
n لطيفة مفيد: أولا أريد أن أشير إلى وجود كتاب وشعراء مغاربة بروسيا معروفين جدا بالساحة الثقافية الروسية ، لكنهم وللأسف غير معروفين في المغرب، ومعروف على الشعب الروسي انفتاحه على الثقافات والحضارات الأخرى، وقد انفتحت الساحة الثقافية الروسية على الساحة الثقافية المغربية، وعملت على إحداث دار نشر روسية، توجهت إلى مترجمين مغاربة، كي تتجاور ترجمة الأعمال المغربية من طرف جنسيات أخرى كلبنان ومصر، التي تعمل على ترجمة المتون من اللغتين الفرنسية والإنجليزية، مما يفقد الترجمة الكثير من دلالات النصوص عندما تستعمل وسائط ممثلة في لغات أخرى غير اللغة الأم. وأنا كعارفة باللغة الروسية ساهمت في ترجمة النصوص المغربية إلى الروسية في العديد من الكتب رفقة الدكتور ادريس المرياني، فاللغة الروسية إذا لم تدرسها وتفهمها لن تستطيع ترجمتها كما هي، وهناك بعض مؤلفات دستوفسكي فقدت نوعا من الحياة والجمال من خلال المرور من لغة لأخرى، كما نعرف أن اللغة الفرنسية مقارنة مع الروسية هي فقيرة في المفردات.

p ونحن نشخص العلاقة الثقافية ، نعرف أن هناك فقرا في فهم الديبلوماسية الموازية الثقافية، والسؤال كيف نمارس ديبلوماسية ثقافية للنهوض بالبلدين وألا نجعل الثقافة وظيفة بل وظيفية، ألا ترين أن هناك خللا كبيرا في هذا الاتجاه وفقرا معرفيا في هذه الديبلوماسية؟
n لطيفة مفيد: إن الأمر يعود أولا إلى اللغة، فجل المنظمات المغربية الموجودة تفتقر إليها، أو أن هناك تخوفا للعزم في اتجاه روسيا، فأول جمعية ثقافية استطاعت أن تتجاوز هذا الخوف هي رابطة كاتبات المغرب التي تربطها علاقة مع اتحاد كتاب روسيا، التي حضرت السنة الماضية في اليوم العالمي للكاتبة المغربية، وكان الاحتفاء بالأدب الروسي باستضافة عضو من اتحاد كتاب روسيا للمغرب، والتي شاركت معنا باسم اتحاد كتاب روسيا، وخلصنا من خلال المفاوضات بيننا إلى أن نكثف اللقاءات الأدبية والثقافية بين البلدين…

p- شكرا لك الأخت لطيفة وبهذا ننهي ندوتنا «طلب كلمة أخيرة لكل من الأستاذين المحترمين بالفقيري وبن خديجة «
n- فقيري : في عمق السؤال الذي طرحتموه في هذه الندوة ، جمعيتنا عند احتفائها بالسنة الأربعين كانت هناك ورشة لتلاقح الثقافات والحاضرات.. أعطيك مثالا بسيطا بالجوق السمفوني المغربي الذي كان جل أفراده من الروس. ناهيك عن حضور الثقافة الروسية في تلاقح مع الثقافة المغربية في فن الرقص وفن الباليه، وبالمقابل أصبحت الثقافة المغربية حاضرة في الثقافة الروسية، فروسيا اليوم، في ظل هذا التمازج، تنتج قفطانا مغربيا بلمسات روسية، وكذلك الأمر بالنسبة للفن التشكيلي فكلما حضر فنان روسي إلا وحرص على إبداع لوحات لمدن مثل شفشاون وفاس، تباع بمبالغ هامة في روسيا وهذا يعني أن هناك نوعا من التقارب، ولكن في السنتين الأخيرتين نلاحظ ركودا، فهل يعود ذلك لغياب الاستراتيجيات في هذا المجال . هذا هو السؤال؟
n بن خديجة: نحن نعلم أنه في عهد الاتحاد السوفياتي كان البلد منغلقا على ذاته و لا يتحدث إلا الروسية والأوكرانية، اللهم بعض المثقفين الذين يتحدثون اللغات الأجنبية. والروس اليوم، يتقنون جميع اللغات، وهم عارفون بالثقافة المغربية.
س- شكرا الأستاذ محمد فقيري و الأستاذ السعيد بنخديجة و أيضا الأستاذة لطيفة مفيد ، أنا فقط أريد أن أضيف أن العائق الموجود ثقافيا في تفعيل الديبلوماسية الثقافية، وهو سؤال نتوجه به للمستقبل من أجل النهوض بعلاقات مغربية روسية في كافة المجالات.


الكاتب : بديعة الراضي- ليلى بديلي

  

بتاريخ : 25/11/2017