ندى بلقاسمي (في دور كنزة) من الممثلات الشابات اللواتي تألقن في مسلسل “دار النسا” للمخرجة سامية أقريو، إلى جانب بثينة اليعقوبي (في دور فاتن) بشكل خاص، وثلة من الممثلين والممثلات المخضرمين وغيرهم. فقد أثارت انتباهي، بعد مشاهدتي لأكثر من عشرين حلقة من هذا العمل الدرامي الاجتماعي، بأدائها المتزن وعفويتها وصدقها وحضورها القوي أمام الكاميرا.
ولعل اختيارها للمشاركة في هذا المسلسل الجديد، بعد مشاركة سابقة ومتميزة لها في مسلسل “جريت وجاريت” (2022) للمخرجة لميس خيرات، يحسب للمخرجة سامية أقريو ومن معها، وذلك لأنهم نجحوا إلى حد كبير على مستوى الكاستينغ. فجل المشاركين في هذا المسلسل كانوا مقنعين بدرجات متفاوتة في تشخيصهم لأدوارهم مع استثناءات قليلة جدا.
لقد لبست ندى بلقاسمي بتمكن دور فتاة أحبت شابا وتخلى عنها عندما علم بحملها، تاركا إياها في وضعية لا تحسد عليها، الشيء الذي جعلها تتحمل بشجاعة مسؤولية اختيارها وتقرر الاحتفاظ بجنينها رغم ضغوطات أسرتها. ولعل ما أثلج صدري هو المشاركة الشرفية في “دار النسا” للممثلة القديرة سمية أكعبون، في دور لالة سليمة أم كنزة، فأنا أحترم كثيرا هذه الفنانة الطنجوية التي نجحت في فرض إسمها خارج المغرب في أعمال دولية متنوعة، نظرا لعلو كعبها في فن التشخيص، إلى جانب مشاركتها من حين لآخر في بعض الأفلام والمسلسلات المغربية منذ فيلم “باب السما مفتوح” (1988) لفريدة بن اليازيد.
لقد أقنعتني الممثلة الجميلة ندى بلقاسمي بتقمصها الجيد لشخصية كنزة، المنحدرة من وسط عائلي ميسور، حيث نجحت عبر مشاهد عدة في إظهار لحظات قوتها وضعفها وترددها، خصوصا وأنها فضلت الهروب من الدار البيضاء إلى طنجة والاعتماد على نفسها في حل مشاكلها، الشيء الذي سيقودها إلى العيش داخل منزل الأرملة أمينة، البطلة الرئيسية للمسلسل، من أداء نورا الصقلي المساهمة في كتابة سيناريوه وحواراته إلى جانب سامية أقريو وجواد الحلو، والإندماج مع أفراد عائلتها وتقاسمها معهم ومع بهيجة (من أداء ابتسام العروسي) مختلف الهموم والمعاناة والمشاكل اليومية.
يذكر أن ندى بلقاسمي، المقيمة حاليا بباريس، عاشت طفولتها بالمغرب، حيث درست الميكانيك بعد حصولها على شهادة البكالوريا ثم سافرت إلى العاصمة الفرنسية لاستكمال دراستها الجامعية. اشتغلت بعد تخرجها ولا تزال مهندسة ميكانيكية في مجموعة من الشركات.
راودتها فكرة التشخيص منذ سنوات قليلة، وذلك كنوع من الترويح عن النفس، خصوصا وأنها كانت منذ طفولتها تعشق مشاهدة الأفلام وتميل إلى فنون المسرح والرقص والغناء… فشرعت، إلى جانب ممارستها لمهنتها الأصلية كمهندسة، في الاستفادة من تداريب وورشات تكوينية احترافية في السيناريو والإخراج والتشخيص إلى أن وجدت نفسها منخرطة في معمعة فن التشخيص الذي وجدت فيه ضالتها عبر قراءة السيناريوهات والبحث في الأبعاد النفسية والاجتماعية وغيرها للشخصيات التي تقمصتها في أفلام قصيرة وطويلة بفرنسا.
إن السر في تمكن هذه الممثلة المغربية المثقفة، المزدادة سنة 1992، من أدوات فن التشخيص الاحترافي يكمن في دراستها لهذا الفن في معاهد مرموقة، حيث تلقت تكوينا رصينا على يد ممثلين عالميين، كما يكمن أيضا في اجتهادها المستمر لكي يصبح تشخيصها لمختلف الأدوار أكثر إتقانا وإقناعا. فهي كثيرة الملاحظة ومواضبة على القراءة والمشاهدة والتمارين، وتطمح إلى الاشتغال كممثلة في أعمال أروبية وأمريكية، خصوصا وأنها تتقن الحديث جيدا بالأنجليزية، إلى جانب الفرنسية والعربية.
انطلقت تجربتها الفنية في التشخيص سنة 2018 بفيلم قصير بعنوان “سفر في الفضاء” من إخراج وليام سكوطو دابولونيا، وتلته أفلام أخرى من بينها “أنتاكت” للفرنسي لوريس هانتزي. أول عمل تلفزيوني مغربي شاركت فيه كممثلة هو مسلسل “قصر الباشا” (2019) للمخرج أنوار معتصم، وتلاه لحد الآن مسلسلان هما: “جريت وجاريت” (2022) و”دار النسا” (2023). وهي تحاول بصعوبة التوفيق بين مهنتها كمهندسة ميكانيكية وهوايتها كممثلة وكاتبة سيناريو.