على مقربة أيام من صدور قرار مجلس الأمن الدولي حول نزاع «الصحراء الغربية»، وهو القرار الذي يتأسس، عادة، على أرضية المعطيات والتوجهات التي يتضمنها التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة حول النزاع، يتسارع إيقاع المواقف العدائية التي باتت تطبع سلوك أعداء الوحدة الترابية للمغرب، بشقيهم الأصيل (الجزائر) والوكيل (البوليساريو).
واعتبارا لتداعيات هذه المواقف، والتصرفات على مسار الوساطة الأممية في النزاع، فإننا نثير انتباه المجتمع الدولي إلى ضرورة تأمل الوقائع الجديدة أو المستجدة التي تكشف المزيد من تورط أعداء وحدتنا الترابية في تأزيم الوضع، وتصعيد التوتر، ضدا على مساعي وتوصيات الأمم المتحدة بالتزام (أطراف النزاع) شروط السلام والانخراط الجدي في مسار الحل السياسي.
أولا: وقائع ومؤشرات لافتة :
أولى هذه الوقائع الجديدة والمستجدة: تصريح السيد وزير خارجية الجزائر، عبد القادر مساهل، لقناة إعلامية فرنسية حول موقف بلده من نزاع الصحراء المغربية، حاول فيه «تنظير» التدخل السافر لحكومات بلاده في الشأن الداخلي للمملكة المغربية.
وإذا كان البعض يرى عدم الاعتداد بما يفوه به الوزير الجزائري من قول أو تصريح، لكونه شخصية معروفة بجموح خطابها السياسي، مشهورة بخصومتها للأعراف الدبلوماسية، فإن تصريحه الذي ينعي فيه منطق وخيار الحل السياسي للنزاع، إنما يترجم منسوب التصعيد الذي تمارسه حكومة بلاده، في سياق المتغير الاستراتيجي الذي حللنا مدلوله في مقال سابق (الجزائر: وهم النموذج البسماركي، الاتحاد الاشتراكي 14 أبريل 2018).
ثانية الوقائع: انكشاف جانب من تورط سلطات الجزائر في الإعداد لخطة استئناف العدوان العسكري على أقاليمنا الجنوبية، إثر حادثة سقوط الطائرة العسكرية الجزائرية المتجهة إلى الجنوب الغربي للجزائر وعلى متنها 257 عسكريا، ضمنهم العشرات من أطر البوليساريو المدربين في الثكنات الجزائرية.
فقد شاءت إرادة لله أن تكشف هذه النكبة العسكرية التي تسببت في مأساة إنسانية مؤلمة – ندعو لضحاياها بالرحمة والغفران، ولأهاليهم بالصبر والسلوان- أن تكشف المستور من نوايا ومؤامرات أعداء الوحدة الترابية للمغرب.
ثالثة الوقائع: انخراط الثنائي الجزائري/ البوليساريو في خطة مرتبة لتحجيم دور المينورسو، وذلك باستعمال القوة العسكرية لتضييق الخناق على مهمتها في الرصد والمراقبة، حفاظا على سريان مفعول اتفاق وقف إطلاق النار. وقد وثق تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الأخير (23 مارس 2018 )الفقرات 33؛45؛56، هذه الواقعة المؤسفة التي تتقاطع مع ما سبق من الوقائع والمؤشرات العدوانية.
رابعة الوقائع: انفضاح انخراط البوليساريو في أنشطة إرهابية بمنطقة الساحل والصحراء إلى جانب حركات إرهابية في غرب إفريقيا (حركة أنصار الدين) (حركة التوحيد والجهاد..) منذ سنة 2010.
فقد تضمن تقرير أوروبي جديد، تم إعداده من طرف »المعهد الفلامانكي للسلام» بتمويل من المفوضية الأوربية أن البوليساريو أضحت تتوفر علي ترسانة كبيرة من الأسلحة، غداة سقوط نظام الراحل معمر القذافي، أخذت تتاجر بها في المنطقة، عبر شبكات التهريب والاتجار بدعم مدمر من الراعية لها الجزائر.
ثانيا: خلفيات ودلالات
الموقف الجزائري:
تعكس هذه الوقائع السياسية والميدانية اللافتة، كما تنطوي أخواتها الكامنة او الزاحفة، على دلالات كاشفة للمستور: سعي سلطات الجزائر إلى الالتفاف على المأزق السياسي الذي وضعت نفسها فيه، بسبب انخراطها وتماديها في تدبير «مخطط الانفصال».
ومعلوم أن الخلفية السياسية، غير المعلنة ، الكامنة، وراء المنازعة الدؤوبة لحق المغرب في استكمال وحدته الترابية، قامت وتقوم على محاولة »شرعنة « الإجراء الاستعماري الذي ألحق أراضي مغربية ¬ – الساورة – القنادسة- تديكلت – بشار – «الجزائر الفرنسية» وتبرير ابتلاع سلطات الجزائر المستقلة لهذه الاراضي المغربية الملحقة، ضدا على تعهدات الحكومة الجزائرية المؤقتة بمراجعة هذا الإجراء الاستعماري الالحاقي) annexionniste (بمجرد استقلال الجزائر.
ولم يكن الترويج الجزائري لمقولة: «عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار»، على الصعيدين المغاربي والإفريقي، سوى مطية لتكريس وضع ترابي، استعماري مغاربي، موروث من جانب، ومقدمة، لإرساء وضع جيوسياسي مغاربي يحاكي النموذج البسماركي في أوروبا القرن التاسع عشر من جانب آخر.
ولئن شكلت المعطيات التاريخية السالفة الذكر عاملا سلبيا، وفي أحيان كثيرة، عنصرا محبطا لمشروع الاندماج المغاربي، في ظل استمرار وهم سلطات الجزائر بالأخذ بناصية الهيمنة الإقليمية على الصعيد المغاربي، فإن التاريخ القريب يشهد بكل تأكيد على الجهود والتضحيات التي بذلها المغرب في سبيل تجاوز عقدة الإرث الترابي الاستعماري الجاثم، فوقع اتفاقا لترسيم حدوده الشرقية مع الجارة الجزائر في يونيو 1972، وانخرط بحسن نية في سلسلة من المبادرات لتحقيق الإندماج المغاربي، أفضت سنة 1989 إلى عقد مؤتمر قمة مغاربية بمراكش، وإرساء أسس اتحاد المغرب العربي.
لكن واقع الازدواجية المريبة في السياسة المغاربية لسلطات الجزائر، لم ينفك يلقي بظلاله الكئيبة على العلاقات المغربية – الجزائرية، كما على العلاقات المغاربية، متسببا في قطائع مؤسفة في مسار العلاقات الضرورية، التضامنية بين بلدان المغرب العربي.
وقد كانت مناهضة الراحل هواري بومدين لعملية تحرير المغرب لأقاليمه الجنوبية (1974 / 1975)¬ وتبنيه المريب ل»مخطط الانفصال» الذي ابتكر فكرته الجنرال فرانسيسكو فرانكو سنة 1973 في سياق محاولاته الرامية إلى الالتفاف على قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بمطالبة المغرب باسترجاع أقاليمه الصحراوية المحتلة من جهة، وإلى إحباط نضال القبائل الصحراوية المغربية من أجل التحرير والوحدة من جهة أخرى.
وقد توهمت الدوائر العسكرية والدبلوماسية الجزائرية التي كلفت بتفعيل «مخطط الانفصال» المقتبس، أن إضفاء مسحة من «التجميل الحقوقي» على المخطط من قبيل:« تقرير مصير الشعب الصحراوي» و«دعم حركة تحريرية» مرتهنة، وإعلان قيام «جمهورية صحراوية» وهمية في تندوف إلخ.. كفيل بإقناع الرأي العام الإقليمي والدولي والأممي بـ «مشروعية» الرعاية الجزائرية لـ «مخطط الانفصال»، قمين بـ «شرعنة» فصل الأقاليم الجنوبية المغربية عن وطنها الأم.
بيد أن «عناد الحقيقة»، وانكشاف زيف دعاوي «الانفصال» بفضل صمود المغرب في ظل وحدته الوطنية ويقظة المجتمع الدولي إزاء تهافت ومرامى السياسة المغاربية لسلطات الجزائر، قد أماط اللثام عن المستور من هذه السياسة، وزج بمزاعم وأراجيف الدعاية الجزائرية في مأزق سياسي وجيوسياسي غير مسبوق.
ثالثا: مسؤولية الأمم المتحدة في «دينمة» مسار الحل السياسي للنزاع:
وفي غمرة هذه الشروط المعقدة، التي باتت تحيط بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية،أضحت جهود الوساطة الأممية معرضة إلى تحديات متعاظمة، تستوجب رفع منسوب الفعالية السياسية، والإجرائية الميدانية في مصاحبة ومعالجة النزاع. وفي هذا المضمار، نطرح خمس مساءلات- إجراءات أمست تفرض نفسها في مجال تنشيط وتطوير الدور الأممي لإنهاء هذا النزاع الذي طال أمده:
أولها: مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بإعادة صياغة عنوان ولاية المينورسو: من آلية أممية لـ «تنظيم استفتاء في الصحراء الغربية»، كما تحددت هذه المهمة في ظل «مخطط التسوية» الأممي السابق (2000-1991) إلى عنوان يطابق مهمتها الجديدة، التي أصبحت مدار قرارات مجلس الأمن الدولي منذ سنة 2006 وهي مهمة تفعيل «حل سياسي توافقي للنزاع».
ثانيها:
تعزيز الوسائل اللوجستيكية والعسكرية، التي تمكن بعثة المينورسو من أداء دورها في عملية الرصد والمراقبة والسهر على احترام الالتزام بمقتضيات اتفاق وقف إطلاق النار، وذلك اعتبارا لما تعرفه المنطقة العازلة من تحرشات جزائرية بوليسارية ترمى إلى تغيير وضعها القائم المتفاهم بشأنه سنة 1991 إلى منطقة تهديد عسكري لمنظومة الدفاع المغربية.
ثالثها:
إزاء المسلسل اللامتناهي من المراوغات والمناورات التي يمارسها الطرف الجزائري- البوليساري للالتفاف على قرارات الشرعية الدولية ، يتعين على الأمم المتحدة أن تتحرر من عرف «التوازن الدبلوماسي» في التعبير عن مجرى النزاع، واتخاذ موقف صريح حازم إزاء المناورات الرامية إلى حرف مهمة المينورسو عن إطارها القانوني وعن حدود ولايتها المحددة.
رابعها:
ضرورة إلزام الطرف الأصيل في النزاع الجزائر، بتحمل مسؤوليته في تسوية هذا النزاع الذي تسبب في نشأته ويقبع من أزيد من أربعة عقود خلف تفاقمه، وذلك بالتجاوب بحسن نية مع قرارات مجلس الأمن، الذي ما انفك يدعو «أطراف النزاع إلى التوافق عبر الحوار والتفاوض حول حل سياسي «واقعي» «دائم وعادل» للنزاع.»
خامسها:
إزاء تفاقم معاناة آلاف المواطنين المغاربة المحتجزين في مخيمات تندوف بالجزائر منذ أزيد من أربعة عقود في شروط أمنية واجتماعية وحقوقية وسياسية بالغة الشدة والمأساوية، فإن مجلس الأمن مطالب بتفعيل مقتضيات قراراته فيما يخص تسجيل وإحصاء هؤلاء المحتجزين، وذلك بتوفير دعم أكثر فعالية وإنتاجية لمساعي «المندوبية السامية لشؤون اللاجئين» في هذا المجال.
وينبغي التنويه في هذا الصدد، بمقتضيات ودلالات قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المصادق عليه بالإجماع سنة 2005، والقاضي بتحمل المجتمع الدولي لمسؤولية «حماية» الساكنة التي تتعرض لجرائم موصوفة كـ «جرائم حرب» أو «جرائم ضد الإنسانية» أو «جرائم إبادة جماعية» من طرف السلطات التي تحكمها. إنها مسؤولية سياسية وأخلاقية تناط بالمجتمع الدولي في حالة تنكر سلطات الولاية «القانونية» لمسؤولياتها الاساسية في» حماية الساكنة المنكوبة في ذات وجودها أوأمنها أو كرامتها الإنسانية».
خاتمة:
إن انصرام أزيد من أربعة عقود من عمر النزاع المصطنع حول الأقاليم الجنوبية المغربية المسترجعة، بات يشكل عبئا ثقيلا على جهود التنمية الوطنية الاقتصادية والاجتماعية، كما يستنزف دور الوساطة الأممية في النزاع، ويعرقل جهود الاندماج الإقليمي المغاربي، ويمارس تهديدا متزايدا للأمن والسلام والاستقرار في الحوض الغربي للمتوسط.
وبالرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها ويبذلها المغرب في سياق تعاونه مع الأمم المتحدة لإرساء تسوية سياسية للنزاع، فإن تنصل سلطات الجزائر من مسؤوليتها الأصلية الأساسية، في نشوب النزاع وتغذيته، ومواصلتها لعبة التخفى خلف دور «المهتم» في الوقت الذي تحتل فيه موقع «المعني» بالنزاع قد أفشل تباعا جهود وخطط الأمم المتحدة للتسوية، كما أحبط جولات المفاوضات المعقودة.
وأمام هذه الدوامة من المواربات والمناورات الجزائرية لإطالة أمد النزاع المفتعل، فإن مجلس الأمن الدولي مطالب اليوم، بوضع الجزائر بوصفها الطرف الأصيل والأساسي في النزاع أمام مسؤوليتها السياسية والقانونية والأخلاقية التي تفرض عليها الانصياع بجدية وحسن نية لإرادة المجتمع الدولي في وضع حد للنزاع على قاعدة الحل السياسي عبر آلية الحوار والتفاوض، وفي إطار احترام السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمملكة المغربية.
الرباط في 22 أبريل 2018