نساء مفاوضات يتواجهن مع ممثلي طالبان بحثا عن اتفاق سلام في أفغانستان

 

أجرت وكالة فرانس برس مقابلات مع ثلاث مفاو ضات من أصل أربع مكلفات إلى جانب 38 رجلا ، انتزاع اتفاق سلام مستدام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان في محادثات السلام الجارية في قطر، بعد أربعة عقود من الحرب في البلاد.
وأكدت فوزية كوفي (44 عاما ) المدافعة البارزة عن حقوق النساء وإحدى الأعضاء الـ21 في وفد كابول الذي يواجه 21 من عناصر طالبان، جميعهم رجال، خلال المقابلة التي أجرتها معها وكالة فرانس برس قبل بدء مفاوضات الدوحة منذ حوالى أسبوع، “سينبغي علينا تدبر الأمر مع ناس لا يؤمنون بوجود النساء”.
ورغم أن النائبة السابقة فخورة بأنها جزء من هذه المحادثات إلا أن لديها كل الأسباب لتشكك فيها: فقد سجن متمردو طالبان زوجها أثناء حكمهم الذي دام خمسة أعوام. وتؤكد المفاوضة أيضا أنها مهددة بالرجم لأنها وضعت طلاء أظافر.
وسيكون “من الصعب جدا ” تناول قضية حقوق النساء مع متمردين لا يزالون غامضين تجاه المسألة. وخلال فترة حكمهم الذي أسقطه عام 2001 تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، لم يكن للأفغانيات أية حقوق.
وبحسب كوفي، سينظر إلى النساء المفاو ضات بنظرة أكثر تشددا من زملائهن الرجال. وتوضح أن “الناس ينظرون إلى ما نرتدي، سواء كان حجم حجابنا صحيحا أم لا” مشيرة إلى أنهم “لا يحكمون علينا بناء على حججنا”.
وتتجاوز هذه الحجج بشكل كبير إطار حقوق النساء التي تتحسن في المدن الكبرى في ظل الوجود الغربي، حتى لو أنه في القرى لا يزال يتم التعامل مع النساء على أنهن مواطنات من الدرجة الثانية.
منذ سقوط حكمهم، استعاد متمردو طالبان السيطرة على أجزاء شاسعة من البلاد في ظل استحالة الانتصار عليهم عسكريا .

وسيتعين إذن حماية الحقوق المستعادة أو المكتسبة منذ العام 2001. وتقول كوفي إن متمردي “طالبان يجب أن يقبلوا بمواجهة أفغانستان جديدة، عليهم أن يكونوا قادرين على التعايش فيها”.

وتستذكر حبيبة سرابي (62 عاما )، وهي مفاو ضة أخرى من فريق كابول، “أوقات عصيبة” في عهد المتمردين، قبل أن تفر إلى باكستان المجاورة. تركت الطبيبة والأيقونة السياسية انطباعا في الأذهان عندما أصبحت أول امرأة حاكمة وزيرة لشؤون المرأة أو حتى وزيرة الثقافة والتعليم.
ترى حبيبة سرابي أن الأولوية أثناء المحادثات ستكون الحفاظ على الجمهورية أي على هذا “النظام الذي أنتمي إليه كمواطنة”، وهو وضع قالت إنها كانت ست حرم منه في ظل الإمارة التي كانت تريد طالبان إقامتها.
ويبدو التوصل إلى مثل هذه النتيجة محفوفا بالمخاطر. وتقر بأن “البعض يقولون إن عملية السلام هي أصعب من الحرب حتى”.
ترى المفاوضة في الفريق الأفغاني فاطمة جيلاني (66 عاما ) أنه يجب البدء بوقف إطلاق نار. وواجهت رئيسة الهلال الأحمر الأفغاني لأكثر من 12 عاما متمردي طالبان، الذين كانوا هم أيضا يتلقون الإسعافات من المنظمة غير الحكومية.
وتقول فاطمة جيلاني “تعلمت أن أكون حيادية وأن أضع آرائي السياسية جانبا “.
وتشدد على أن هذه التجربة ستكون مفيدة لها لأنه يجب بدء المفاوضات من دون أفكار مسبقة مضيفة أن “الأهم هو إيجاد قيم مشتركة”. وبالنسبة لجيلاني “هذا هو الإسلام بالطبع”.
شغلت جيلاني منصب المتحدثة باسم المجاهدين خلال حقبة مقاومة السوفيات في الثمانينات وعادت ودرست القانون الإسلامي من أجل الدفاع بطريقة أفضل عن نساء بلادها.
تريد العضو في الفريق القانوني للوفد المحافظة على المبادئ الحالية في أفغانستان في “هيكلية إسلامية”.
وتضيف “أريد أن يتشارك الرجال (في فريقي) شروطي كامرأة”. وترى أن هذه هي الحال “حتى بالنسبة للأكثر تدينا “.
من الممكن صياغة دستور جديد في البلاد عندما يعم السلام في أفغانستان على أن يحمي النساء والأقليات.
وتأمل جيلاني أن “ترى أفغانستان دولة يشعر فيها كل مواطن أنه في بلده (…) دولة حيث نشعر بالأمان”. وتضيف “إذا لم ننجح الآن فذلك لن يحصل أبدا “.
والمفاوضة الرابعة هي شريفة زورماتي وهي سياسية كانت في الماضي صحافية.
اختتمت الحكومة الأفغانية وحركة طالبان أول يوم من محادثات سلام تاريخية استضافتها السبت العاصمة القطرية برعاية أميركية بهدف إنهاء ما يقرب من عقدين من الحروب والنزاعات التي مزقت البلد الفقير.
محادثات تاريخية

ومنذ الجلسة الافتتاحية، تقد م كبير المفاوضين الأفغان عبدالله عبدالله بالمطلب الرئيس لكابول، أي وقف إطلاق نار إنساني، وهو ما يحذر منه المتمردون إذ من شأن ذلك سحب أبرز نقطة قوة لديهم في المفاوضات.
ودعا المسؤول الحكومي المكلف المفاوضات باسم كابول في كلمته الافتتاحية إلى “أن نوقف العنف وأن نتفق على وقف إطلاق نار في أسرع وقت ممكن. نريد وقف إطلاق نار إنسانيا”، شاكرا لممثلي طالبان حضورهم.
لكن المسؤول في الحركة ملا عبد الغني برادر وأحد مؤسسيها لم يتبن موقفا مماثلا.
وشدد برادر أمام المجتمعين على أن تكون أفغانستان بلدا مستقلا بنظام اسلامي، في ما قد يكون نقطة الخلاف الرئيسية خلال المحادثات.
وفي مقابلة لاحقة مع وكالة فرانس برس، قال عبدالله إنه “من الممكن” أن توافق طالبان على وقف إطلاق النار مقابل عملية إطلاق سراح جديدة لسجناء من طالبان. وأشار إلى أن “الأمر متروك لفريق المفاوضين للعثور على العناصر التي يمكن أن تساعدنا في اغتنام الفرصة”.
وفي “بادرة حسن نية”، أعلنت طالبان الإفراج عن 22 جنديا أفغانيا لمناسبة بدء المحادثات، وفق المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد.
وبدا المبعوث الأمريكي زلماي خليل زاد متحفظا في البداية قبل أن يبدي تفاؤلا في نهاية النهار.
وقال في الدوحة “نأمل في أن ينخفض العنف فورا ، وأن يسري وقف لإطلاق نار، أو محادثات حول وقف إطلاق النار، وأن يتم التوصل في الختام إلى اتفاق حول خريطة طريق سياسية، ولكن ايضا حول وقف إطلاق نار دائم”.
وكان المتفاوضون أقروا في الجلسة الافتتاحية في الفندق الفخم بالعاصمة القطرية بأن المحادثات ستكون طويلة ومعقدة.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في كلمته “سنواجه بلا شك العديد من التحديات في المحادثات خلال الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة. تذكروا أنكم تعملون ليس فقط من أجل هذا الجيل من الأفغان بل ومن أجل الأجيال القادمة أيضا”.
وأضاف بومبيو إنه يجب أن يجد كلا الطرفين طريقة “لدفع البلاد إلى الأمام وتلبية مطالب الأفغان: بلد متصالح مع حكومة تعكس” صورة أمة “ليست في حالة حرب”.
وفي إيران، الدولة المجاورة لأفغانستان، أشادت وزارة الخارجية ببدء هذه المفاوضات. وقالت إن “الحوار والمفاوضات” هما الحلان لمشاكل أفغانستان، داعية إلى مغادرة القوات الأجنبية.
يرى مراقبون أن حركة طالبان التي رفضت الاعتراف بحكومة الرئيس أشرف غني ستسعى إلى إعادة بناء أفغانستان لتصبح “إمارة” إسلامية، بينما ستعمل إدارة غني على الحفاظ على الوضع الراهن المدعوم من الغرب لجمهورية دستورية كرست العديد من الحقوق بما في ذلك مزيد من الحريات للمرأة.
وحثت وزيرة الخارجية النروجية إين إريكسن سورييد جميع الأطراف على إدراج “النساء والضحايا والأقليات وأصحاب المصلحة الآخرين” في المسار السياسي، قائلة إن من شأن ذلك أن يكون المفتاح لاتفاق دائم.
وقالت حبيبة سرابي احدى المفاوضات لوكالة فرانس برس إن افتتاح المحادثات كان “ايجابيا جدا”.
وفي العاصمة الأفغانية، تسمر سكان أمام شاشات أجهزة التلفزيون مع بدء حفل الافتتاح.
وانطلقت المفاوضات بين الطرفين الخصمين بعد ستة أشهر من الموعد المقرر، بسبب خلافات مريرة بشأن صفقة تبادل أسرى مثيرة للجدل تم الاتفاق عليها في فبراير الماضي.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرشح لولاية ثانية في الانتخابات المقررة في نوفمبر، ضغط باتجاه إنهاء أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة بدأت قبل ما يقرب من 20 عاما عندما غزت واشنطن أفغانستان.
وحذر خليل زاد من أن واشنطن لن تضمن قيام دولة أفغانية في المستقبل لا تتماشى مع “القيم العالمية” بما في ذلك حقوق المرأة، موضحا “لا يوجد شيك على بياض”.
وبدأت المحادثات بعد يوم من الذكرى الـ19 لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي دفعت الولايات المتحدة إلى غزو أفغانستان وإطاحة نظام طالبان الذي كان يأوي زعيم تنظيم القاعدة المتطرف أسامة بن لادن قبل مقتله.
وقد يستغرق التوصل إلى اتفاق سلام شامل سنوات، وسيعتمد ذلك على استعداد كلا الجانبين لإيجاد مقاربة مشتركة لطريقة الحكم في بلدهما.
وقال عبيد الله (50 عاما) وهو من سكان كابول “كانت لحيتي سوداء عندما بدأت الحرب، الآن أصبحت بيضاء وما زلنا في حالة حرب”.
وأضاف الموظف المتقاعد “لا أعتقد أن الحرب ستنتهي قريبا، فأنا أشكك بشأن المحادثات لأن الجانبين يريدان تنفيذ أجندتهما الكاملة”.
وتعقد المحادثات في غرفة اجتماعات كبيرة في فندق ضخم تم توزيع المقاعد فيه على مسافات متباعدة اجتماعيا في مقابل لافتة كتب عليها “مفاوضات سلام أفغانستان” بأربع لغات.
وبدأ المندوبون في الوصول منذ الفجر إلى الموقع الذي استضاف توقيع اتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان في فبراير، مما مهد الطريق للمحادثات وإعلان المتمردين “انتصارهم”.
ونظمت قطر بهدوء العملية السياسية التي تعقدت بسبب العنف في أفغانستان وأزمة فيروس كورونا المستجد، حيث شدد كبير الوسطاء في الدوحة مطلق القحطاني على “قوة الدبلوماسية”.
وقال “ننصح طالبان بالحفاظ على حقوق المرأة وحمايتها”.
وكانت قطر دعت حركة طالبان لفتح مكتب سياسي في الدوحة عام 2013 وساعدت في التوسط في اتفاق فبراير لسحب القوات بين واشنطن والحركة.
ومنذ الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان، واصل المتمردون شن هجمات يومية، وقالت وزارة الدفاع الأفغانية لوكالة فرانس برس السبت إنه تم تسجيل مواجهات في أكثر من 20 منطقة في الساعات الأربع والعشرين الماضية.


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 21/09/2020