من أهم النقط
التي ركزت عليها موجة الانتقادات الموجهة لفاطمة الزهراء المنصوري بصفتها عمدة للمدينة الحمراء، قضية المساحات الخضراء
رسالة الرميلي
التي أزعجت
العمدة المنصوري، بدليل ردها عليها عبر منصات التواصل الاجتماعي، فجرت تدفقا من الانتقادات لأداء مجلس المنصوري
انتقادات لاذعة وجهت إلى فاطمة الزهراء المنصوري رئيسة المجلس الجماعي بمراكش، من قبل عدد من الفاعلين المدنيين بسبب الوضع الذي آلت إليه المدينة، والمفارقات التي تعمقت فيها، واختلالات مشاريع التنمية التي لم تسفر إلا عن تفاقم معاناة الساكنة.
الانتقادات التي عبر عنها عدد من الفاعلين المدنيين في رسائل مفتوحة، تركزت بالدرجة الأولى حول نتائج أوراش التهيئة التي صرفت فيها مبالغ مهمة دون أثر يذكر، مع فشل ذريع في مواجهة المشاكل الحقيقية التي تتخبط فيها المدينة محولة الحياة اليومية للسكان إلى مسلسل لا نهاية له من المحن.
الشرارة الأولى لهذه الانتقادات التي سددت إلى العمدة المنصورة، انطلقت بالرسالة التي وجهتها إيمان الرميلي رئيسة الفيدرالية الوطنية لأرباب المطاعم السياحية، والتي استقبلت بموجة من التأييد على شبكات التواصل الاجتماعي، واعتبرت صرخة غضب إزاء ما يجري بالمدينة. حيث لم تتردد صاحبة الرسالة في وصف مراكش بالمدينة المهملة قائلة « لا شيء يتغير على أرض الواقع. البنية التحتية متهالكة تماما. الشوارع محفَّرة وقذرة، وخطيرة أحيانا. لم يعد بالإمكان الجولان فيها دون الخوف من الوقوع في حفرة أو التعرض لحادث..»
الرميلي التي أكدت أن الكيل قد طفح، قالت أيضا « لا شيء يتم التفكير فيه من أجل الأسر المراكشية. لا توجد مناطق لعب مناسبة، ولا أي مساحات خضراء ترحب بالزوار. في السابق كان المغاربة يأتون إلى مراكش لتجديد طاقتهم، ليمنحوا أطفالهم لحظات من الترفيه وكسر الروتين. أما اليوم، فقد أصبحوا يتوجهون إلى الدار البيضاء أو الرباط أو طنجة بحثا عن بصيص من جودة الحياة المفتقدة هنا.» ولم تخف تشاؤمها من هذه الحالة التي آلت إليها المدينة بنبرة غضب حاد، حيث قالت « يستمر الوضع في التدهور. وما إن نظن أننا وصلنا إلى الحضيض، حتى نكتشف ما هو أسوأ. ما هو أكثر فراغا، ما هو أكثر ظلما”.
رسالة الرميلي التي أزعجت العمدة المنصوري، بدليل ردها عليها عبر منصات التواصل الاجتماعي، فجرت تدفقا من الانتقادات لأداء مجلس المنصوري، عبرت عن مدى تذمر الساكنة من الأوضاع التي تتفاقم بالمدينة، رغم الأوراش التي تروج لها المنصوري والأرقام التي تحتفي بها بخصوص الصفقات التي أبرمت من أجل إنجازها. حيث كان التسديد دقيقا: « ماذا عن أثر هذه الأوراش؟ لم تغير شيئا من مشاكل السكان اليومية؟ المدينة تطرح مشاكلها في مكان ، و استجابة المجلس الجماعي في مكان آخر» . يقدم المنتقدون نموذجا على ذلك، أشغال تهيئة شارع محمد الخامس، حيث أزيلت أرصفة جيدة وعوضت بأخرى، واجتثت أشجار حية، وعوضت بأخرى ميتة. ولم يحدث أي تغير في المشكل الحقيقي، وهو الاكتظاظ القاتل التي تتخبط فيه الطرق بمراكش. فقد كان المطلب الأبدي للساكنة، هو استحداث الأنفاق في النقط السوداء للتخفيف من حدة الاختناق المروري، إسوة بمدن الرباط و الدار البيضاء وغيرها. ومرت الأعوام، والمعضلة تتفاقم، ويتفاقم معها عدد الأرواح التي تزهق في حوادث السير بسبب الازدحام. ويضيف المنتقدون الحالة السوريالية لبعض المشاريع التي أنجزت بغاية حل معضلة السير والجولان بالمدينة، لكنها توقفت في منتصف الطريق، لتتحول إلى عامل أزمة يفاقم المشكل الذي جاء لحله. وأجلى مثال على ذلك حالة شارع الحسن الثاني، الذي أضحى المُتفكِّهون يصفونه بمرارة ب» شارع الورثة» بسبب التقسيم الذي طاله. حيث أنه جزئ إلى ثلاث ممرات اثنين ضيقين في اتجاهين متعاكسين، يعرفان اكتظاظا مريعا، وفي الوسط ممر متسع فارغ خصص حصرا للحافلات الكهربائية التي بالكاد تمر. ولا أحد يفهم، لماذا يستمر المجلس في تأبيد هذا التضييق على حركة المرور بهذا الشارع المقسم بهذه الطريقة السوريالية. ويزيد المتذمرون في انتقاداتهم التساؤل عن السبب الحقيقي وراء الإصرار على حرمان مراكش من خدمات الترام. غالبا ما قدمت الإجابة عن هذا السؤال، بأن الترام لا ينسجم مع روح المدينة وأصالتها، كما لو كانت أحياء المحاميد والعزوزية والمسيرة والعمارات الزجاجية التي تغزو أحياء جليز، منسجمة مع هذه الروح .
معضلة النقل العمومي واحدة من النقط التي استأثرت بموجة الانتقادات اللاذعة الموجهة للعمدة المنصوري، فالمراكشيون مجبرون على قبول التنكيل بهم في رحلات أشبه بالجحيم داخل حافلات للنقل الحضري وشبه الحضري، متهالكة وعديمة الجودة، وأقل ما يقال عنها إنها عربات قصديرية ضخمة، لا أحد يأمن على حياته فيها. فكثير منها شبت فيه النيران فجأة وهو في مهمته الروتينية، ومرارا وجد الركاب أنفسهم عالقين منتصف طريق وجهتهم بسبب الأعطاب الميكانيكية المتكررة، ناهيك عن التأخر في موعد الرحلات وغياب التكييف في مدينة يعرف الجميع عنف حرارتها. المشكل ـ كما يقول المنتقدون ـ إن العطب قديم، والتنبيه إليه قديم أيضا، لكن ما من استجابة من العمدة، إلى أن جاءت وعود الداخلية بتوفير حافلات ذكية في المستقبل.
مشاكل التنقل بمراكش، كانت مدخلا أيضا لاستنتاج أن المجلس الجماعي يفتقد لرؤية واقعية ومتكاملة لحقيقة المشاكل التي تتخبط فيها هذه المدينة. يشير المنتقدون إلى أنه رغم تحرك أزيد 200 ألف دراجة نارية وهوائية بطرق مراكش، إلا أن أغلب مخططات السير ومشاريع تهيئة الشوارع، تغيب فيها الممرات الآمنة للدراجات، لا شيء يشير إلى أن هذه المركبات لها وجود بالكثافة الهائلة التي تملأ الشوارع، في مخططات الجماعة، رغم أن أغلب ضحايا حوادث السير بالمدينة، هم من فئة مستعملي هذا الصنف من و سائل النقل.
ومن أهم النقط التي ركزت عليها موجة الانتقادات الموجهة لفاطمة الزهراء المنصوري بصفتها عمدة للمدينة الحمراء، قضية المساحات الخضراء. فقد سبق أن أثارت أشغال تهيئة طريق تاركة، تدفقا هائلا من الاستياء، لكون هذه الأشغال في أول خطوة لها، تصدت للأشجار المعمرة، مسببة خسائر غير مستساغة من قبل الغيورين على التراث الأخضر للمدينة. لكن المشكل أن هذه الحالة ليست واقعة معزولة، فقد رصد المنتقدون، أن تدخل أوراش الجماعة ( التي تصرف فيها الملايير بأرقام تتباهى بها العمدة) يبدأ بإبادة الرصيد الأخضر أولا، حيث تعوض الأشجار الواقفة بظلالها وخضرتها، بأشجار أخرى في الغالب تتحول بسرعة إلى عيدان يابسة، والغريب أن أوراش التهيئة قلما أحدثت تغييرا جوهريا في طبيعة الفضاء ووظائفه، أو حلت بعض مشاكله.
هذا الوضع دفع الناشط فؤاد المازوني إلى توجيه رسالة مفتوحة إلى العمدة المنصوري، رصد فيها واقعا قاتما للحق في المساحات الخضراء بمراكش، ولاسيما في الأحياء الشعبية. إذ لم يتردد في وصفها بكونها مدينة تضحي بتراثها الحي على مذبح السياحة. مؤكدا أن مراكش التي صارت تعاني من متلازمة الخرسانة الذهبية، أضحت واحة معدنية، حيث فقدت 27 بالمائة من فضاءاتها الخضراء في السنوات العشر الأخيرة، حسب بيانات الأقمار الاصطناعية لوكالة الفضاء الأوروبية. وذكر بأن المواطنين والسياح على حد سواء يستنكرون اختناق الأحياء الشعبية (سيدي يوسف بن علي، الداوديات..) حيث يلعب الأطفال بين الأنقاض ومكيفات الهواء.
هذه الرسالة فجرت بدورها متوالية من ردود التأييد، التي اعتبر أصحابها أن السكان في الأحياء الشعبية، ظلوا على هامش اهتمامات العمدة المنصوري، إذ تنعدم الحدائق في الكثير من التجمعات الآهلة بالقاطنين من الأسر، وإذا وُجِدت فهي تعاني وضعا مزريا، وحتى تلك التي تشكل متنفسا لديها، أضحت في وضعية أقرب إلى الخراب، كما يحدث في منتزه مولاي الحسن، الذي أخرجته الجماعة من اهتماماتها، وحالته تشهد على ذلك.
تنساب هذه الانتقادات يوميا في شبكات التواصل الاجتماعي، وعبر مجموعات في الواتساب، ومن خلال رسائل مفتوحة. الجديد، أن تعثر مشروع الحاضرة المتجددة، لم يعد لوحده يحتكر انتباه الغاضبين، بل أضحت الأصوات تتعالي عارضة الحالة المؤسفة التي تحياها مراكش في مناطق ظلها، في طرقها و أحيائها التي تحول الكثير من دروبها إلى أسواق عشوائية بفعل الإصرار على إغلاق أسواق القرب لأسباب لا يعرفها أحد، وفي نظافة فضاءاتها التي تزيد تدهورا. إذ لا شيء تغير في الأحياء الشعبية، وحتى الميزانيات الضخمة التي صرفت على بعض المناطق تحت شعار إعادة التهيئة، فلا أثر لها في تعديل مشاكلها على الأقل، إن لم يكن في حلها (جليز نموذجا، باستثناء الموقف تحت الأرضي بالحارثي).
تتكرر على ألسنة المنتقدين عبارة ذات دلالة تقول» مراكش صارت مدينة باهتة، لم يُكتب أن يكون لها حظ مدن أخرى، لكي تنتصر على بعض مشاكلها..» بعضهم يبالغ إلى حد وصفها بالمدينة التي لم تعد حمراء، والبهجة التعيسة، والمدينة التي مسخت، واحة الإسمنت والأسلاك. لكن في الحد الأدنى من درجة الاستياء تبدو مراكش اليوم مدينة فقدت السيطرة على مشاكلها، فلا السجال، ولا الإطناب في نفخ الإنجازات قادران على إلغاء الواقع أو تجاوزه.