ندوة بمدينة فاس حول «السلام و حوار الثقافات»
نظمت منظمة الشباب الدولية للسلام IPYG، بشراكة مع جمعية الصحة والبيئة للجميع، ندوة تحت عنوان «السلام وحوار الثقافات : المملكة المغربية نموذجا « وذلك يوم 25 ماي 2017 بقاعة الندوات الكبرى بدار الشباب عين عمير بمدينة فاس ، والتي شهدت إلقاء عدة مداخلات لعدد من الدكاترة والباحثين في مجال الوسطية والاعتدال وتكريس السلام على المستوى الوطني والقاري والدولي.
في البداية تناول الكلمة كل من محمد كروم رئيس جمعية الصحة والبيئة للجميع بفاس و ممثل IPYG بالمغرب زكرياء ابن الشيخ ، حول مضمون الندوة وآفاق السلام الوطني والدولي ومدى انتشار ثقافة السلام. ثم ألقى عدد من رؤساء جمعيات ومنظمات المجتمع المدني كلمات وجيهة حول السلام وقصيدة، بعد ذلك استهل الدكاترة والباحثون تدخلاتهم القيمة.
الباحث من الكوت ديفوار تراوري شأكا، قدم مداخلة حول السلام بالمملكة المغربية والقارة السمراء ومن أهم ما جاء في الورقة: السلام بالمغرب لا يعتبر وليد اليوم ، بل هو ناتج عن استعدادات سابقة دينية تعتمد على المذهب المالكي و الحنفية السمحة برئاسة أمير المؤمنين الملك محمد السادس، ومن هنا نجد أن المغرب حاول ولا يزال يحاول نشر السلام على المستوى الوطني، واختار أيضا التوجه نحوالقارة السمراء بحيث ساهم في بناء أفريقيا ومواجهة الاستعمار منذ عهد الملوك الأوائل للمملكة. وساند حركات التحرر الوطنية الافريقية من أجل طرد المستعمر وعلى هذا الأساس استمر المغرب في الاهتمام بأفريقيا على جميع المستويات: على مستوى إعادة هيكلة الحفل الديني ونشر الوسطية والاعتدال والمذهب المالكي والصوفي بالقارة السمراء عن طريق إحداث مركز لتدريب الأئمة ومؤسسة محمد السادس للعلماء بالمغرب، وعلى المستوى التنموي ساهم المغرب في ربط السلام بمحاربة الإقصاء والتهميش والبطالة والفقر، حيث قرر إحداث وبناء مشاريع تنموية بأغلب الدول الإفريقية منها الكوت ديفوار ، نيجيريا، السنغال وتنزانيا…».
أما المداخلة الثانية فقدمها الباحث محمد الصادقي العماري وأكد فيها على أن الابحاث الاجتماعية والتاريخية، والمقارنة خلصت إلى أهمية التدين بالنسبة للإنسان، إذ قد يعيش الانسان بدون ثقافة ولا فكر وقد يستغني عن الكثير من متطلبات الحياة، ومستلزمات العيش، لكنه لا يستغني عن الدين، الذي يؤطر معتقداته الفكرية، وممارساته الاجتماعية.ورغم هذه الضرورة، وهذه الحاجة للتدين، إلا أن سوء الفهم للاختلاف الديني، جعل الدين نفسه من أسباب الاختلاف والنزاع بين الخلق، وأثر ذلك في السلم المجتمعي، حيث تمسك كل دي دين بالمختلف فيه، معرضا على المشترك المتفق عليه بين الاديان، وخصوصا الاديان السماوية. إن الاختلاف الديني وإن كان إرادة تكوينية، حكم بها الحق سبحانه على الخلق، إلا أن إرادته التشريعية اقتضت أن يجتمع الخلق على المشترك الديني، وتدبير الاختلاف على أساسه، وهذه المشتركات هي التي جاءت في كل كتاب سماوي، وأرشد إليها كل نبي، ووجه الخلق إليها، باعتبارها أصول رسالة السماء، التي اكتملت مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم».
و«المشتركات المقصودة في هذه الورقة هي: المشتركات العقدية، والمشتركات الاخلاقية، وقد أكدها غير واحد من علماء ومفكري الاسلام، ومنهم الامام الباقلاني والجويني والغزالي والشاطبي ..، وغيرهم من علماء التفسير، فإن لهذه المشتركات دورا كبيرا في تدبير الاختلاف الديني، وإشاعة السلم المجتمعي، وهذا ما نحاول إبرازه وتوضيحية، معتمدين في ذلك على المرجعية الاسلامية: الاصول التأسيسية (الوحي)، ومصادر الفكر الاسلامي، ومصادر مقارنة الاديان، متوسلين في ذلك كله بالمنهج الاستقرائي والتاريخي والوصفي..».
المداخلة الثالثة كانت للأستاذ عبد العالي بلامين باحث أكاديمي بالرابطة المحمدية للعلماء تحت عنوان «الاستراتيجية الدينية لصناعة السلام بالمملكة المغربية وتصديره إلى بلدان إفريقيا جنوب الصحراء»، حيث قال «اعتمدت المملكة المغربية بقيادة أمير المؤمنين محمد السادس استراتيجية محكمة في تدبير الشأن الديني، قائمة على مرجعية البلاد الدينية المتمثلة في اختيار المغاربة مذهب الإمام الأشعري في العقيدة، ومذهب الإمام مالك في الفقه، وطريقة الإمام الجنيد في السلوك.وتتجلى وسطية هذه المذاهب بالجملة في احترامها للنص الديني، والعقل الإنساني ورغبات النفس ومتطلبات الإنس، ولذلك عُرف الإنسان المغربي بسلمتيه وانفتاحه وتعايشه». «ثم إن هذه الاستراتيجية المحكمة التي اعتمدها المغرب وعمل على تطويرها تدريجيا بحسب مستجدات الواقع، حصّنت خصوصيات المغاربة وثوابتهم الدينية، وصدّت عنهم مختلف محاولات الاختراقات الفكرية المتطرفة التي نالت أو كادت تنال من بعض بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الشقيقة التي تربطها بالمغرب روابط روحية أصيلة مشتركة ضاربة في عمق التاريخ».
الباحث في مركز الدراسات الصحراوية وممثل منظمة السلام الدولي IPYG أناس ابن الشيخ قدم مداخلة حول علاقة السلام بالثقافات المحلية، مشيرا إلى ضرورة الحفاظ على الخصوصيات الثقافية التي تمثل منطلقا أساسيا لنشر السلام، وتطرق أيضا إلى الثقافة المغربية كنموذج للثقافات المغاربية المساهمة في نشر السلام.
وفي الختام تناول الدكتور ادريس بوسباطة موضوع «أهمية القانون الانساني الدولي في تكريس السلام»، حيث أعطى تعريفا للسلام لغة وقانونا، وتحدث عن السلام على مر التاريخ، وأكد على ان السلام العالمي في القرن العشرين و الواحد و العشرين تعرض لعدة ضربات وعراقيل كانت ومازالت تهدد استقرار وأمن الانسانية جمعاء، ومع تفاقم كارثة المس بالسلام العالمي وتزايد المآسي الانسانية اهتدى الفكر الانساني الى حيل وطرق لحفظ السلام منها القانون الانساني في تكامل مع القانون الدولي لحقوق الانسان وكلاهما يسعى الى حماية الكرامة الانسانية حيث تم اعتماد عدة قوانين من بينها: – عدم استخدام العنف – من الواجب على أطراف النزاع المسلح اتخاذ الاحتياطيات الواجبة عند الهجوم. ضرب الأهداف المدنية والسكان المدنيين محظور. – ضرورة مراعاة حظر مهاجمة الوحدات الطبية، الأماكن منزوعة السلاح أو الآمنة أو الملكية الثقافية».
وتحدث العرض عن عدة اتفاقيات دولية كانت عبارة عن مصادر للقانون الدولي الانساني الكوني، أولها اتفاقية جنيف 1949، البروتوكولات الملحقة لها واتفاقيات أخرى ختمت ببروتوكول بشأن منع المتفجرات في مختلف الحروب يوم 28 نونبر 2003. وتوجت الندوة بإطلاق «حمامة السلام من مملكة السلام».