نعيمة الحرار تحكي عن «يوم آخر في حياة الآنسة نجوى»

بسبب حُلتها الأنيقة..لن نقول صدرت بل أوْرقت في فِناء المشهد السردي المغربي، على يد الزميلة الصحافية والكاتبة نعيمة الحرار، أضمومة قصصية تعتبر الأولى في تجربتها الإبداعية ولن تكون الأخيرة، لأنها تكتنف من بذور اللقاح ما يشي باستنبات الكثير من القصص والروايات في المستقبل، وقد اختارت أن تعمد هذه القصص القصيرة التي رأت النور عن دار مرسم بالرباط وبدعم من وزارة الثقافة، بعنوان لا يخلو من تشْويق وإغْراء هو «يوم آخر في حياة الآنسة نجوى»، هل يحق لنا القول إن ما نقرأه الآن من صفحات مجرد قصص. أبدا. لأن خمس قصص فقط تشغل مساحة 103 صفحة هي بذور روائية قُطِفت ثمارها قبل الأوان، وهذا يؤكد أن الكاتبة تتمتَّع بِنَفَسٍ طويل لتكون مشروع روائية في الغد المنظور، أما عناوين هذه القصص الخمس فهي:
ديمقراطية الحب – يوم آخر.. في حياة الآنسة نجوى – رصيف حديقة حسان – المهووس – الصعود إلى آدم.
ربما لذلك قالت الكاتبة في تقديمها المضيء: «بين الرواية والقصة يتدفق الحكي …نصوص تريد شخوصها أن تكشف عن ذواتها أكثر ..عن أسمائها ..عن عوالمها التي تحمل كل التناقضات ليكون الخروج المؤلم من النفق ومعانقة الحياة والورد وريح قادمة من بحر يحيط مدنا بلا هوامش.. «يوم آخر في حياة الآنسة نجوى» يشبه أياما  في حياة بنات أخريات يكافحن داخل عوالمهن في صمت.. لينفلتن من العتم والارتياب ..نجوى مهندسة إعلاميات بطلة قصة أو رواية من حجم صغير هي بطلة أمام المرآة وأمام نفسها والعالم الذي تراه ولا يراها …مثلها مثل بطلات أخريات…استطعن تحقيق معجزة بتخطي بشر عنيد ..يتوق لرؤية انهيار الآخر وتشريده….
لم تسقط «نجوى» ولم تسقط البطلة الأخرى «سماء» في «ديمقراطية الحب» .. تلتقيان معا في خريطة التمرد الداخلي على الذات وعلى شخوص ملاعين..
في كل النصوص يلتقي الواقع والخيال…كل واحدة تمسكت بقوتها الداخلية و بالطريق الموصل للضوء ..للمرايا.. لنظرات التحدي في عيون نساء عرفن بغريزتهن أن الأنوثة قوة مثلها مثل الإيمان والتعليم والتشبث بالعقيدة.. ليكون الانتصار على الارتياب الداخلي وعلى الجنون ..وعلى جيوش من كاسري الخاطر والطموح.. في حياة «نجوى» كانت جدة من زمن «السيبة» أو التسيب والحيدوس والوشم البربري الجامح .. وانتصارات القبائل والرجال المحاربين.. قاسية ورافضة  لجنسها..
لكن الأم كانت النقيض …هادئة راقية تحارب في سكون رغم شراسة العدو والهدف إيصال نجوى إلى منطقة الأمان.. والحفاظ على الأب الذي طاله اضطهاد «الجدة» أو الشبح كما تراها نجوى.. الأم رغم هدوئها المزيف أحيانا هي الأخرى منبوذ ة من عائلة لا تعرف عنها شيئا..هو صوت أب مخيف وأدها في زواج إن لم تخضع فيه وتصمد لن تجد لها عنوانا.. في حياة «سماء» كان السقوط الكبير والضياع الجماعي لكنها لم تكن امرأة  عادية ..من وسط الغبار والعواصف تفتقت كزهرة أنبتها فجر شتوي دافئ.. تربت هي الأخرى في كنف جدة حكت لها حكاية وصدقتها…
أنت أميرة..
ووسط الدمار.. وتيه يحمل أنفاس القيامة..  صرخت أنا أميرة .. ليكون الحب هو السند.. هو اليد التي امتدت من سماوات بعيدة لتخلق حياة أخرى…
المهندسة أمام حاسوبها غيرت نظام عالمها.. احتفلت والأم بميلاد جديد ..بنجاحات كبيرة في اختراق عالم المال، ووجدت الرجل الذي جعلها تبتسم وتعانق الورد الأحمر دون حقد أو شك..
وانتصرت «سماء» التي آمنت بالعدالة وطبقتها.. ولم يكن ليتحقق لها ذلك لو لم يأت رجلها الخرافي بعتاده وجيشه وكلماته..   هي من كبرت صامتة متوحشة تتبع ظلها واعدة إياه أنها ستكون يوما كما أراد ها الله حرة وقوية.. تجلس على عرش مكين.. فكانت السلطة والحب..
وفي ثلاث قصص قصيرة «المهووس «و»الرصيف» و «الصعود إلى آدم « يلتقي تمرد الإنسان و صوت النار.. والرياح وارتطام القوارب وطعم العنب والحشيش.. وألوان قوس قزح وتعويذات من الإنس والجن.. والبؤس والهوامش والبحث عن إنسان ضل الطريق وضل نفسه.. في زمن مغربي صاخب…»
هنيئا للزميلة القاصة نعيمة الحرار مرتين، أولا بمناسبة انبثاق هذا الإصدار، وثانيا لانتصارها على ضغط مهنة المتاعب وإصرارها على المشي في درب الإبداع.


بتاريخ : 17/05/2023