نقاد وباحثون يقاربون في ملتقى مراكش الأول حول اللغة العربية: «التحديات المطروحة اليوم على اللغة العربية أمام رهانات الرقمنة»

اختار العلامة الباحث أحمد شحلان، عضو أكاديمية المملكة المغربية، أن يستهل مداخلته في مفتتح فعاليات «ملتقى مراكش «ضاد» العربي للغة العربية» بحوار آني مع الذكاء الاصطناعي، حوار مباشر تضمن أسئلة حول اللغة العربية وعراقتها ونسقها اللغوي. إشارة لماحة ولافتة من الباحث المرموق، في مستهل برنامج الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، والذي نظمته دار الشعر بمراكش الجمعة 12 دجنبر في فضاء مدرج الشرقاوي إقبال بكلية اللغة العربية. أكد الباحث شحلان على أن اللغة العربية هي أعرق اللغات قاطبة، وهي لها القدرة على التكيف والتعامل مع الظروف الجديدة، أليست هي اللغة التي حملت على عاتقها نشر العلوم.
وقام الباحث أحمد شحلان بحفريات تاريخية، عن علاقة اللغة العربية بالحضارات، وكيف استطاعت أن تمتد عبر الأزمنة، مدافعا عن قدرتها في نسق تدريسية العلوم بعيدا عن أي وسيط آخر، وإذا كانت اللغة العربية واحدة فالباقي لغات، مميزا بين لغة التواصل ولغة العلوم، ومعتبرا أن كل لغة عظيمة في نفسها و»فقيرة» في ما لم تنتجه. واللغة العربية غنية، في حين تحتاج العلوم الى رموز ولتوضيح هذا الأمر، عرج العلامة أحمد شحلان على حفريات تاريخية من الإغريق الى اليوم، عبر إبحار بين الحضارات وتطور اللغة العربية وقدرتها على التكيف.
وتوقف الباحث شحلان، في مختتم مداخلته عند المعجم التاريخي للغة العربية، والذي حظي بشهادة موسوعة «غينيس» كأضخم وأكبر مشروع لغوي تاريخي على مستوى العالم. هذه المبادرة الخلاقة، والتي أشرف عليها سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة، معتبرا أن هذا المشروع «فتح من الله» ويضم 127 جزءا، وهو أكبر جزء في تاريخ اللغات، كما يضم 90 مليون صفحة وسبع سنوات من العمل، وهي مدة قياسية وغير مسبوقة في تاريخ اللغات.
الباحث الدكتور أنس حسام النعيمي، الخبير في مركز الايسيسكو للغة العربية، توقف عند تجربة «التقانة» واللغة العربية من خلال مواقع ومشاريع رقمية، استطاعت أن تكون فضاء ومرجعا أساسيا للدارسين باللغة العربية. وأوضح النعيمي، مجالات الرقمنة في علاقتها بالتكنولوجيا الحديثة، وتنوع مصادرها العلمية وربطها بمجال تدريسية اللغة وأولية التحديث المستمر في المواد التعليمية. كما توقف عند هذا المنعطف التاريخي، والمتمثل في إصدار المشروع التاريخي «المعجم التاريخي للغة العربية» والذي تم إنشاؤه من طرف باحثين وخبراء ومختصين، و»الموسوعة الشعرية» الدائمة التحديث والتي تشكل فرصة للبحث، وموقع تعلم اللغة العربية، وروابط أساسية تقدم بعضا من مجهودات حضور اللغة في فضاءات الرقمنة.
فعاليات الدورة الأولى من «ملتقى مراكش العربي حول «اللغة العربية وتحديات الرقمنة»، والذي سعى الى استقصاء قضايا راهنة مركزية تهم تحديات اللغة العربية اليوم، في ظل أسئلة التحولات التي يشهدها مجال التداول اللساني والمعلوماتي، والاقتراب من رهانات الرقمنة، بما أمست تطرحه من تحديات، سهر على رئاسة جلسته العلمية الباحث الدكتور أحمد قادم، عميد كلية اللغة العربية بمراكش، والذي أكد على ضرورة أن تنخرط اللغة العربية، في دخول غمار التحديات التي تطرحها عليها الرقمنة اليوم، وللوقوف ضد هذه «الهجنات» المتوالدة من آليات التواصل.
مشاركة الشاعرة أمينة المريني، ضمن فقرة «في مديح اللغة»، كانت مسك ختام ملتقى مراكش العربي للغة العربية، حيث قرأت الشاعرة المغربية نصين من معين «يمها» الشعري الفياض.
وسعت مداخلات الباحثين الى محاولة استقراء جزء من الأسئلة التي تواجهها اليوم اللغة العربية في مجال يشهد ثورة متواصلة، ويطرح تحديات على مستويات عدة. منها ما أكدت عليه كلمة دار الشعر بمراكش في مفتتح الملتقى «ملامسة آليات قدرة اللغة العربية على ركوب تحديات الزمن الرقمي المتحول، وعيا بمرجعيات هذه اللغة، تاريخيا ولغويا. مقاربات تستشرف تشخيص التحديات، التقنية وتفريعاتها، قصد رصد أهم ملامح تناغم اللغة العربية مع الثورة التكنولوجية وفضاءات الرقمنة المتحولة، والوقوف على الجوانب التقنية والمنهجية والآليات الرقمية، والتي تجعل من اللغة العربية قادرة على الانخراط ومواجهة تحديات العصر».
الملتقى العربي حول اللغة العربية، محطة جديدة في برنامج دار الشعر بمراكش الثقافي والشعري، يتغيى تعزيز مكانة اللغة كفضاء للحوار، بمشاركة باحثين ومختصين، وأيضا تعزيز مكانتها في مجالات الرقمنة والتكنولوجيا الرقمية، وهو ما يجعل الملتقى فضاء علميا للبحث والتقصي والاستقراء في سبل تعزيز مكانة اللغة العربية وانتقالها الى حيواتها المستقبلية، ومقاربة التحديات التي تواجهها خصوصا أمام زحف أساليب «الذكاء الاصطناعي» والترجمة والبرمجيات ومجالات الرقمنة.


بتاريخ : 18/12/2025