نموذج للحكامة الجيدة في التسيير .. أرقام وإحصائيات تتحدث عن حصيلة نصف الولاية بجماعة عين تيزغة في إقليم بنسليمان

 

شهدت جماعة عين تيزغة بإقليم بنسليمان تحولا جذريا في مسار تدبير شؤونها المحلية بعد سنوات من الجمود والتوتر خلال الولاية السابقة، عانت فيها الجماعة من غياب رؤية واضحة بسبب الصراعات المحتدمة بين الرئيس السابق وأعضاء المجلس، مما أدى إلى شلل تام في المشاريع التنموية وتعطيل مصالح الساكنة، هذا الوضع أثر سلبا على استغلال الموارد المالية، حيث ظل الفائض المالي الذي يتجاوز 7 مليارات سنتيم حبيس الخزينة دون أن يترجم إلى منجزات على أرض الواقع.
غير أن انتخابات 2021 الجماعية قلبت الموازين، حيث أطاح الرئيس الحالي بالرئيس السابق في دائرته الانتخابية، ليسجل بذلك بداية فصل جديد من التغيير. وبعد فوزه الساحق، تم انتخابه بالإجماع من قبل جميع أعضاء المجلس، ما عكس التوافق الكبير بين الأعضاء وفتح الطريق أمام تحقيق الأهداف التنموية بعيدا عن الصراعات والانقسامات التي طبعت الولاية السابقة.
الرئيس الحالي، المنتمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، هو أستاذ جامعي وخبير في مجال التسيير والتدبير الإداري والشركات. فبفضل خبرته الأكاديمية والعملية، أصبح قائدا استثنائيا يحمل رؤية نموذجية لتطوير العمل الجماعي، مستفيدا من تجربته في تدبير الشركات ومنهجيته الأكاديمية، التي ساعدته على وضع خارطة طريق تهدف إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة للساكنة وتعزيز التنمية المحلية، مع التركيز على الشفافية والكفاءة. هذه الرؤية أسهمت بشكل كبير في تغيير دينامية العمل داخل المجلس وتحقيق نتائج ملموسة في فترة زمنية قصيرة.
قبل الشروع في تنفيذ المشاريع، قام الرئيس الجديد وفريقه بدراسة شاملة للوضع القائم في الجماعة، حيث تم تقييم نقاط القوة والضعف، كشفت هذه الدراسة عن ضعف في الموارد البشرية بسبب غياب رؤساء المصالح والاكتفاء بتقني واحد، بالإضافة إلى إحالة بعض الموظفين على التقاعد. ورغم هذه التحديات، تفاعل المجلس بسرعة من خلال فتح مباريات لتوظيف الكوادر اللازمة لسد هذه الثغرات وتعزيز الكفاءة الإدارية، هذه الخطوة، التي أُعدت بعناية، ضمنت اختيار أفضل العناصر لتتماشى مع احتياجات الجماعة وطموحاتها التنموية، مما ساهم في تحسين أداء المصالح وتسهيل تنفيذ المشاريع المبرمجة.
وفي هذا الصدد وضع المجلس أهدافا واضحة ومحددة تمحورت حول تحسين جودة الخدمات المحلية وتعزيز الشفافية في التسيير، وعلى رأس أولوياته كان تحسين البنية التحتية والارتقاء بالخدمات الأساسية التي طالما تأثرت بفترات الجمود السابقة. وفي خطوة جريئة، نظم الرئيس لقاء تواصليا شفافا ومفتوحا، قدم خلاله حصيلة نصف الولاية بمقر ملحقة جماعة عين تيزغة، بحضور ممثلي وسائل الإعلام والمجتمع المدني والساكنة وكل متتبعي الشأن المحلي. كانت هذه المبادرة سابقة في الإقليم، حيث قام رئيس الجماعة بتقديم تقرير شامل عن الإنجازات والمشاريع المبرمجة، وأجاب على تساؤلات الحضور بكل شفافية ووضوح. وتناول النقاش المستفيض مختلف المشاريع التي تم إنجازها أو هي في طور الإنجاز، مما يعكس التزاما جادا وواقعيا في إدارة الشأن المحلي خلال الفترة الممتدة من أكتوبر 2021 إلى نهاية دجنبر 2024 ومن بين المشاريع التي تم إنجازها :
الماء الصالح للشرب: الأولوية للتنمية البشرية
يُعد تحسين التزود بالماء الصالح للشرب أحد أبرز محاور الحصيلة، عملت الجماعة في هذا المجال على إنجاز 10 مشاريع، بتكلفة مالية تقدر ب 9.980.000،00 مليون درهم. وشملت مؤشرات النشاط بناء النافورات، حفر الآبار، وتقليص الكمية المستهلكة. وقد استفادت دواوير متعددة من هذه المشاريع، من بينها أولاد بوعزة، البرابشة، بني عيسي، القطابة، المعيدنات، أولاد يونس، البسابس، والكريمة، حيث تم بناء 105 نافورة حديثة، وإصلاح 24 نافورة قديمة، والتزويد ب94 كيلومترا بالأنابيب من مختلف الأحجام، وتشييد مولدات الضغط. وقد بلغت نسبة الإنجاز الإجمالية في هذا المجال 90%.
الكهرباء والإنارة العمومية: تعزيز الخدمات الأساسية
أولت الجماعة اهتماما كبيرا بمشاريع الكهرباء والإنارة العمومية، حيث تم إنجاز 6 مشاريع بتكلفة مالية تقديرية بلغت 2.5 مليون درهم. شملت مؤشرات النشاط لضمان عدم انقطاع الكهرباء وزيادة عدد المستفيدين في مختلف دواوير الجماعة. وتمتد هذه المشاريع لتغطي جميع المناطق، حيث بلغت نسبة الإنجاز 98%. كما أن عملية إتمام مشروع توسيع الشبكة الكهربائية، بلغت تكلفتها 3.7 مليون درهم، وحققت نسبة إنجاز تتراوح بين 90% و95%، لتحسين جودة الحياة للسكان.
تهيئة الطرق والمسالك: فك العزلة عن الدواوير
خلال هذه الفترة من الولاية الجماعية، اهتمت الجماعة بشكل خاص بتطوير البنية التحتية للطرق والمسالك، حيث تم إنجاز 3 مشاريع رئيسية بتكلفة مالية تقديرية بلغت 8.7 مليون درهم. وقد شملت مؤشرات النشاط تهيئة 5 كيلومترات سنويًا، حيث استفادت مناطق متعددة من هذه المشاريع. بكل من دوار بني عيسي، أولاد بوعزة، الحمرية، العيون، الدعيديعة، الكنادزة، القطابة، دوار اولاد احمد الساحل 1و 2. وقد وصلت نسبة الإنجاز الإجمالية إلى 100%، مما يعكس التزام الجماعة بفك العزلة عن الدواوير وتحسين حركة التنقل داخل المنطقة.
التعليم، الصحة، والبيئة: ركائز اجتماعية أساسية للتنمية
خصصت الجماعة موارد كبيرة لتحسين الخدمات الصحية وتشجيع التمدرس، حيث تم تنفيذ 12 مشروعا بقيمة مالية تقديرية بلغت 5.170.000،00 مليون درهم، حيث شملت مؤشرات النشاط تحسين البنية التحتية الصحية والتعليمية، وزيادة نسبة التمدرس في مختلف دواوير الجماعة، حيث شهد قطاع النقل المدرسي، طفرة كبيرة، من خلال إعادة هيكلة الخدمات وضمان تدبيرها بشكل محكم. بحيث توفر الجماعة النقل المدرسي مجانا لجميع المستفيدين، بفضل امتلاكها حوالي 28 حافلة تؤمن نقل التلاميذ بمختلف الدواوير، ويستفيد منها أكثر من 1662 تلميذًا وتلميذة.
وفي مجال الصحة، بادرت الجماعة إلى توفير ثلاث سيارات إسعاف جديدة مع تقديم خدمات مجانية للسكان كما قامت بتوقيع اتفاقية مع «جمعية البحيرة السليمانية» لمعالجة معضلة الخصاص في وجود طبيب مختص في التخدير بالمستشفى الإقليمي ببنسليمان، حيث تتحمل على إثرها الجماعة تأدية مصاريف هذه العملية. وبفضلها (الاتفاقية) أصبح مرضى الكلي من ساكنة الجماعة يستفيدون من تصفية الدم والعلاج بالمجان.
أما على المستوى البيئي، فقد نفدت الجماعة 4 مشاريع رئيسية بتكلفة مالية بلغت 3.62 مليون درهم، ركزت على رفع نسبة جمع النفايات في مختلف الدواوير. حققت من خلالها نسبة إنجاز مميزة بلغت 94%.
الثقافة والرياضة: تعزيز النشاط المجتمعي
في إطار دعم الأنشطة الثقافية والرياضية، تم اعتماد 11 مشروعًا بتكلفة مالية تقديرية بلغت 6.955.000،00 مليون درهم. شملت مؤشرات النشاط تحسين العرض الثقافي والرياضي والترفيهي في مختلف دواوير الجماعة. إلا أن نسبة الإنجاز في هذا الجانب بلغت 6% فقط، مما يشير إلى تحديات كبيرة تواجه استكمال هذه المشاريع، ويؤكد الحاجة إلى مزيد من الجهود لتحقيق الأهداف المنشودة، حيث تعمل الجماعة على تعزيز الروابط الاجتماعية وتشجيع الأنشطة الرياضية والثقافية. ومن أبرز هذه الأنشطة تنظيم ماراطون سنوي في غابة عين السفرجيلة، الذي يُعد حدثا رياضيا مميزا يستقطب المئات من المشاركين من مختلف مناطق المغرب. كما بادرت الجماعة ببرمجة ملاعب القرب بمختلف الدواوير، بعضها ممول من الجماعة والآخر من وزارة التربية والتعليم والرياضة، دعما للشباب. بالإضافة إلى تنظيم مواسم ثقافية التي تعتبر جزءا أساسيا من هوية الجماعة واهتمامها بالتراث المحلي، ومن أبرز هذه المواسم «موسم الطلبة»، الذي يجمع بين الفعاليات الثقافية والرياضية ويستقطب شبابًا وشيوخًا من مختلف المناطق، مما يعزز الروابط الاجتماعية ويسهم في إحياء التراث المحلي.
وفي تصريح للجريدة، أكد الرئيس «أن هذه الحصيلة ليست سوى محطة ضمن مسار طويل لتحقيق التنمية الشاملة بجماعة عين تيزغة»، وعبّر عن «التزامه بمواصلة العمل بتنسيق مع جميع الأطراف المعنية، مشددا في نفس الوقت على «أهمية إشراك السكان والمجتمع المدني في اتخاذ القرارات التي تمس مستقبل الجماعة»، مشيرا إلى «أن هذه الأخيرة تواجه تحديا كبيرا في ما يتعلق بمصادر مداخيلها المالية». وأضاف المتحدث «أن قطاع المقالع يشكل نسبة 35% من مداخل الجماعة، وتبقى هذه المداخيل لها مدة زمنية محدودة. وإدراكا لهذا التحدي، بدأ المجلس في دراسة خطة استراتيجية لتوفير موارد مالية بديلة تضمن استدامة الإيرادات في المستقبل».
ومن بين الحلول المقترحة في هذا الجانب، اعتبر رئيس الجماعة «أن استغلال الموارد الطبيعية مثل الغابات والمنتجعات السياحية من بين الأولويات، حيث تمتلك الجماعة منتجعين سياحيين مهمين هما «عين القصب» و»عين الدخلة»، اللذين يعدان متنفسا للزوار، خاصة القادمين من مدينتي الرباط والدار البيضاء. إذ تسعى الجماعة الترابية يضيف الرئيس «تطوير هذه المواقع من خلال إقامة مشاريع ترفيهية وسياحية تسهم في تعزيز دخل الجماعة وتحسين الوضع الاقتصادي، مع توفير فرص عمل للسكان المحليين».
فبفضل الحكامة في التسيير ونجاعة عمل المجلس، استطاعت الجماعة تحقيق 64% من برنامج عملها خلال نصف الولاية، مع فائض مالي متزايد سنة بعد أخرى، وتبقى السمات البارزة للتدبير الجيد والمحكم بالجماعة هو التواصل والإنصات لمطالب الساكنة وانفتاح الرئيس على مختلف فعاليات الجماعة، وعلى وسائل الإعلام، بالإضافة إلى حرصه على تمتين وتقوية العلاقات مع السلطات والمصالح الخارجية خدمة لسكان المنطقة، حيث يعد من بين القلائل في الإقليم الذين يردون على المكالمات الهاتفية ويتفاعلون مباشرة مع المواطنين. كما أن الجماعة تتبنى الشفافية في التواصل من خلال لقاءات دورية مع الإعلام والمجتمع المدني.
ويمكن القول والتأكيد أن جماعة عين تيزغة أصبحت اليوم نموذجا يحتذى به في التدبير المحلي، حيث تجاوزت أزمات الماضي وفتحت آفاقا جديدة للتنمية المستدامة، مما يؤكد أن العمل الجماعي المبني على رؤية استراتيجية واضحة وعلى الشفافية والانسجام بين مكونات المجلس الجماعي قادر على تحقيق الإنجازات والتنمية في كافة المجالات.


الكاتب : إلياس الحرفوي

  

بتاريخ : 27/01/2025