نوري… فنان يعزف على أوتار الوطن والإنسان

في إطار الاهتمام بالمشهد الموسيقي المغربي والعربي، وبحكم متابعتي الطويلة لمسيرة الفنان المغربي نور الدين العربي، المعروف بـ نوري، والذي سبق أن تناولتُ تجربته في أكثر من مقال بجريدة الاتحاد الاشتراكي، يسعدني أن ألتقيه مجددا في هذا الحوار الذي يسلط الضوء على آخر مستجداته الفنية، ومشاريعه القادمة، وإحساسه كمواطن مغربي بعد الأحداث المفرحة التي عرفتها البلاد مؤخرًا
نوري فنان متفرّد في أسلوبه، يجمع بين الحسّ المغربي الأصيل واللمسة الأوروبية الحديثة في موسيقى البوب العربي. بدأ رحلته الموسيقية في سن مبكرة جدًا، حيث تعلم العزف على القيثارة وهو في الثامنة من عمره، متأثرًا بأعمال البيتلز وإلتون جون وداير ستريت، إلى جانب عمالقة الطرب العربي كأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش
خاض تجربة احترافية طويلة في باريس امتدت لأربعة عشر عامًا، وشارك في مهرجانات بارزة كموازين وتيميتار، إلى جانب إشرافه على تكوين فنانين شباب، وإطلاقه لمسابقة “ستود لايف” سنة 2018، التي تُعنى بدعم المواهب الجامعية الشابة.

p كنتَ من أوائل الفنانين المغاربة الذين خاضوا تجربة الموسيقى التصويرية للأفلام والمسلسلات، وقد لاحظنا عودتك القوية مؤخرًا إلى هذا المجال. ما الذي يميز هذه المرحلة عن بداياتك الأولى؟

n الحمد لله، عدتُ مؤخرًا إلى الموسيقى التصويرية ووجدتُ فيها راحتي الإبداعية من جديد. ورغم أنني أشتغل في مجالات فنية أخرى، تبقى الموسيقى التصويرية قريبة جدًا إلى قلبي، لأنها تمنحني مساحة اكبر للتعبير الفني في الفترة الأخيرة اشتغلت على عمل مشترك مع المخرجين عبد الإله زيراط و جنان فاتن محمدي يحمل عنوان شذرات، وبالمناسبة فقد عرض في مهرجان طنجة السينمائي الاخير، وسيُعرض أيضًا في مهرجان الإبداع السينمائي بالرباط. كما أشتغل على مشروع جديد مع الفنان سعيد الناصري، الذي سبق لي العمل معه مرارا منذ أكثر من عشر سنوات، واليوم هناك تعاون يحمل مزيجا من الكوميديا والدراما، و للتذكير، هذا يتطلب دقة كبيرة في المزج الموسيقي لكي يكون هناك تناغم.
هذه العودة منحتني طاقة جديدة وشعورًا بالرضا الفني.

p من خلال ما تنشره على صفحاتك بالشبكات الاجتماعية، يبرز أنك تستعمل آلة تجمع بين العود والقيتارة، وأن لك عودة واضحة إلى الأغاني الطربية الأصيلة. هل هذا الاختيار مقصود؟

n بالتأكيد. هو اختيار نابع من قناعة وحب. أؤمن بأن الأغاني المتقنة والجميلة هي التي تبقى راسخة في الذاكرة عبر الأجيال. لذلك قررت القيام بنوع من “العودة” إلى هذه الأغاني الخالدة التي تغذي الروح وتحترم الذوق الرفيع.
أنا لا أقدّمها كما هي، بل أُعيد صياغتها بطريقتي الخاصة، محافظا على روحها الأصلية، ومضيفا لمستي المعاصرة في التوزيع والعزف. أشعر أن من واجبي كفنان أن أُعيد لهذه الروائع حضورها اللائق في وجدان الجمهور.

p لاحظ الجمهور أنك تعزف مؤخرا على آلة غير مألوفة تجمع بين القيثارة والعود. ما اسمها وما قصتها؟

nالآلة تُسمّى Double Manches،
أي “ذات الرقبتين”. وهي آلة تجمع فعلاً بين القيثارة والعود، بين الأصالة العربية والروح الغربية التي تشكل جزءًا من تكويني الفني.
كنت أبحث عن وسيلة تعكس هذا المزج، صممت آلة خاصة بي وتواصلتُ مع شركة Godin الكندية، وهي من أشهر الشركات العالمية في صناعة القيثارات، وقد لبّوا طلبي وصنعوها خصيصًا لي هذه الآلة فريدة من نوعها في العالم وتحمل اسمي الفني “نوري”، إلى جانب ماركة “Godin”، وهو أمر أعتز به كثيرًا، لأنها تمثّل هويتي الموسيقية التي تعزف على أوتار الشرق والغرب في آنٍ واحد.
(للاشارة، :“ Double Manches” هي آلة تجمع بين القيتار الصوتي والعود العربي، ما يمنحها نغمة مميزة ومجالًا صوتيًا واسعًا يستجيب لحساسية نوري الفنية).

p أصبحت تعتمد أكثر على المنصات الاجتماعية في تواصلك مع جمهورك. هل تراها اليوم ضرورة للفنان؟

n بالتأكيد، هي ضرورة وليست مجرد وسيلة ترويج الفنان بطبعه يحب مشاركة إبداعه مع الناس، واليوم المنصات الرقمية هي الفضاء الأنسب لذلك، حتى القنوات التلفزيونية لم تعد تتيح نفس المساحة كما في السابق، بينما الإنترنت فتح لنا أفقا واسعا للوصول إلى الجمهور في كل مكان، و بالتالي أعتبرها هدية للفنانين المغاربة، لأنها تتيح لنا نشر أعمالنا وهويتنا الفنية للعالم.

p عاش المغرب مؤخرا لحظات مفرحة، من انتصارات رياضية إلى تطورات إيجابية في قضية الصحراء المغربية. كيف تلقيت هذه الأحداث؟

nعشتُ المسيرة الخضراء وأنا طفل، ولا أنسى تلك الصور التي لا تُمحى: 350 ألف مغربي يسيرون بسلام، حاملين القرآن و سجادات الصلاة، بقيادة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، واليوم، ونحن نرى ثمار ذلك النضال الوطني في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، لا يسعني إلا أن أفتخر وأفرح كمغربي ما تحقق في ملف وحدتنا الترابية هو إنجاز تاريخي عالمي، أشعر حياله بفرحة لا توصف أما فوز المنتخب الوطني للشباب بكأس العالم، فهو لحظة فخر لا تقل جمالًا ، هؤلاء الأبطال جسدوا قيمة الاجتهاد والإصرار، وأدخلوا البهجة إلى قلوبنا جميعًا نوري ليس مجرد موسيقي، هو فنان يبحث عن الجمال في اللحن، والصدق في الإحساس، والوطنية في الفن. بين العود والقيتارة، بين الماضي والحاضر، يواصل رحلته في صنع موسيقى مغربية تنبض بالإنسانية وتنفتح على العالم.


الكاتب : سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 12/11/2025