نور الدين الصايل المعلم الكبير

 

لم أعرف الرجل عن قرب ولا تواصلت معه في حياته غير أني كم كنت معجبا بما يتحدث عنه وما يقول، أجد نفسي متورطا في لدة الاستمتاع وأنا أتابع مذاخلاته خلال تقديمه لحصيلة السينما المغربية بالمهرجان الوطني للسينما المغربية بطنجة أو من خلال حواراته عبر مجموعة من المنابرالإعلامية يتحاور يناقش يتكلم وما ينطق إلا بالحكمة وهو حكيم السينما وعرابها بل المهندس المخطط لرقيها.
لا يختلف أحد في هذا حيث أن الرجل قدم من الفلسفة وتشبع بأفكار عقلانية حداثية يتنفس هواء حال أفكاره من السينما وإلى السينما باعتبارها هي الحياة، لا يمكن لمن عرف الفقيد نور الدين الصايل عن قرب أو عن بعد إلا الإقرار بحبه القوي لمتعة الحياة الحياة الأكثر منه حبا لها بالمعنى الذي نرمي إليه بكل جماليتها الإنسانية والفنية متذوقا الوجود بفلسفته العميقة بمختلف تجلياته الكونية.
رحل المعلم الكبير فقيهنا في السينما ونعيه كان بمثابة الصدمة الكبرى لكل المقربين منه حتى البعيدين عنه، جاءت الخسارة الأولى في فقدان عطاء الرجل حين عزلته أجهزة الظلام وعمي بصيرة الفن والحياة من منصبه كمدير للمركز السينمائي المغربي وهو في عز الإجتهاد والتخطيط لمشروع مجتمعي إنساني عبر السينما بمنظومة فلسفية يقودها العقل الواعي المفكر الدارك لما يجب أن يعمل لعلها أكبر خسارة هاته للسينما المغربية والإفريقية إذ كان راعيها من المغرب بحكم أنه بلد افريقي ، لكن الرجل لم ينهزم لما وقع وظل يحاضر هنا وهناك يلقن الدرس يوجه الحكمة بحرقة المعلم والفقيه الرزين يريد التفوق والتألق لكل السينمائيين مدافعا عن السينما محبا للجمال يحيا الحياة ناشدا الحرية والتحرر هي السينما، كيف كان الفقيد يحتفي بها في جل مداخلاته.
أذكر في إحدى لقاءات طنجة سئل عن كثرة الكم بدون كيف يعني أفلام ضعيفة المستوى فكان جوابه درسا نحن الان نخلق الكم ومن بعد يأتي الكيف من رحم الكم أضاف قائلا أنا لست مسؤولا على عقول وتفكير المبدعين السينمائيين .
وفي لقاء سريع لأخد صورة معه قدمت نفسي كمدير فني لمهرجان مشرع بلقصيري السينمائي عبرت له عن إعجابي به كرجل وبتواضع الكبار أجابني هل أنتم مستمرون قلت نعم ثم أجاب استمروا ولا تتراجعوا نحن بجانبكم، لقد كان الرجل مشجعا بكل ما للكلمة من معنى فهو الباحث الدائم عن تحقيق الهدف المنشود والوصول للحلم الكبير بأن تكون صناعة سينمائية مغربية مكتملة الأركان تضاهي السينمات العالمية ويحسب له أنه فعلا راعي النهضة السينمائية بالمغرب على كل المستويات في انتعاشها القوية خلال سنوات تسييره للمركز السينمائي حيث كان يعمل بطريقة المفكرين وليس بطريقة الموظفين.
يأتي النعي الأكبر الموجع حين فارق الحياة ودع الدنيا بشكل نهائي يأتيه الموت الخاطف، بفقدان هذا المهندس السينمائي سفينة الفن السابع تفقد ربانها وتضيع البوصلة ولم تعد هناك خريطة طريق.
سلام لك وألف سلام تركت صالة العرض مشرعة ترن موسيقاها بسمفونية حزينة على فراقك، سلام لك مكتوب بعطر كل السينمات ، سلام لك معلما كبيرا لقنت الدرس بالوعي والمعرفة، سلام لك بقيت على عهدك رجلا صامدا محاربا للظلام، سلام لك بأطياف الحب كلها أحببثنا بذوقك الرفيع فيما أحببت أنت، سلام لك نحن هنا وأنت هناك لا بعد بيننا السينما نقرب المسافات والفيلم لا زالا طويل نود نهاية سعيدة تجمع شمل العشاق يعم النور ونحيا الحياة.


الكاتب : مصطفى ضريف

  

بتاريخ : 11/12/2021