في ذكرى الشاعر محمد العلوي المدغري
والشاعرة الطاهرة حجازي
1
سقطت من «سنديانة الشعراء» بالدار البيضاء ورقتان باسقتان كم كانتا مزهرتين ومثمرتين ومبشرتين بربيع الشعر الخصيب العطاء، الصبيب الغناء، الرحيب العناء، وحبيب الجميع.
وقد ترك غيابهما عن شِثْرِيات وسمَرِيات «الدار البيداء» شجى وأسى لا تزال تغصّ بهما حناجر «حلقة الشعراء والشاعرات» وعقائر الإنشاد والإلقاء، وتضفي مسحة حزينة على واحتها الظليلة الخضراء وساحتها الحمراء _ الجميلة بالروسية_ مما يجعلها « حصيدا كأن لم تَغْنَ بالأمس» ولا كانت لها نشيدا، ولا ازيّنت عيدا سعيدا بأغاني الحياةولا مجدا طريفا وتليدا، يتصادى قصيدا مترعا بجمال النضال ونضال الجمال وجامعا بين تجارب أجيال متصالحة وأشكال متلاقحة وآمال متفتحة ومواهب منفتحة على كل كائن وممكن ومحال وخيال. ولا ميز فيها إلا باختلاف التنوع : التفعيلي إلى جانب الإيقاعي، والعمودي التقليدي و «الحر العمودي» _الخالي من القافية والوزن_ وقصيدة النثر الشعري الحر ونثر القصيدة التفعيلي_الحاضرة فيه التفعيلة بالقوة والفعل_
2
وقد «تتساقط الأوراق من آن لآنْ، لكنّ جذع السنديانْ !» تماما كما قال شاعر المقاومة العظيم سميح القاسم إنه جذع راسخ الجذور وشامخ الأعالي وباذخ الجمال.
وقد تبدو»سنديانة الشعراء» من حين لحين رمادية اللون والحزن ولكن شجرة الحياة والشعر دائما خضراء.
ولم تكد مدينة «الدار البيداء» تخلع ثوب الحداد على رحيل شاعر ديوان « عندما يسقط الشمعدان» العزيز محمد العلوي المدغري، حتى ارتدته من جديد حدادا على رحيل شاعرة ديوان « عندما يتحدث الشلال» العزيزة الطاهرة حجازي.
وبفقدانهما الفجائي والفجائعي «يسقط الشمعدان» و «يتحدث الشلال» بالتصادي منذ العتبات النصية الأولى وبتهادي التحاب إلى الأحباب والأصحاب.
ومن أبرز التصاديات الصوتية بين العنوانين : «عندما يسقط الشمعدان» و « عندما يتحدث الشلال» وبين الديوانين أنهما معا تجربتان راكبتان موجة البحر الإيقاعي أو كما يحلو لي القول:»عينُك ميزانُك» هي معجم «العين» الخليلي وأذن سماع وإيقاع «لسان العرب» الجميل.
3
في سيرة الشاعر محمد العلوي المدغري أنه عضو فاعل في نقابة لمبدعي الأغنية، ورابطة الشعر الغنائي. وقد عرفت بعض أشعاره طريقها إلى التلحين والطرب والأداء، مثل قصيدة « حلم طفولة» منها:
أحلم منذ طفولتي بامرأة شقراء
لها عينان كعيني زرقاء اليمامة
وشعر كجدائل عشتار..
تمشط ضفائرها تحت ضوء القمر
تنسج لي جلبابا يقيني برد الصقيع
وهطول المطر..
وتغني إذا حل الربيع
كالعصافير فوق أغصان الشجر.
ومن الواضح للعين والأذن الموسيقية الخليلية والأخفشية أن نثيرة الشاعر محمد العلوي المدغري العضو الفاعل في جمعيات فن الطرب والسماع والغناء، شثيرة، شعرية ونثرية، إيقاعية لكنها لا تخلو منها تفاعيل حتى لتكاد أن تغدو «قصيدة نثر تفعيلية» كالمقطع التالي المقفى والموزون السطرين الأولين من قصيدة عنوان الديوان :»عندما يسقط الشمعدان» ذات تفعيلات «رَمَلية»_ فاعلاتن_ :
رغم صمتي /وانطوائي
رغم حزني /واكتوائي
ولكن، سرعان ما يتحول الوزن واللحن إلى إيقاع آخر كان قابيْ قوسٍ من الرجز أو مزيج منهما :
تحملني،أجنحة، الطيور
في رحلة،/مع يأسي /وضياعي.
4
ثمة نوع شعري آخر، غير إيقاعي ولا تفعيلي، ولا عمودي ولا أعرف تسمية لهذا «الجنس» من القصيدة، العمودية، ذات شطرين، وغير جارية على أي بحر خليلي أو أخفشي، ولكنها ذات قافية. وقد اقترحت لهذا النوع من القصيدة العمودية المقفاة وغير الموزونة اسم : القصيدة العمودية الحرة، أو اسم الشعر العمودي الحر، المقفى والخالي من الوزن الخليلي. وبالتالي فهو نوع رابع من الشعر «العمودي الحر» ليس قصيدة نثر ولا عمودية ولا تفعيلية.
من ذلك النوع الشعري الرابع «المختلف المنزع» حسب وصف الشاعرة الطاهرة حجازي في كتاب « بيداغوجيا الإبداع في شعر الطفل» وقصيدة « استسقاء» همزية ذات ستة عشر بيتا وقافية مقيدة مطلعها:
أمطري بربك يا سماءْ
واغمرينا سلسبيلك ماءْ.
وخاتمتها:
وهذي الأيام كلها تغفو
وتصحو حالمة بالأنواءْ.
وفي هامشها تقول الشاعرة الطاهرة حجازي: «هذه قصيدة أخرى من منزع مختلف» ولعلها تعنى «بالمنزع المختلف»بيت قصيد هذا النوع الشعري الرابع الجديد _العمودي الحر_ كما أن هناك قصائد نثر ذات إيقاع وأسجاع أو تقفية موحدة_ مثل قصيدة»نبيذا تكفيني يدك»للشاعر الصديق صالح لبريني_ وذات تفاعيل، يمكن أن تعدّ قصيدة نثر عمودية وقصيدة نثر تفعيلية.
5
مثل ذلك أيضا قول الشاعر محمد العلوي المدغري في مطلع أو مقطع من قصيدة مهداة :»إلى المبدع الألمعي الأديب الشاعر والروائي مولاي حسن مزهار» :
من أقاصي القصيد وروض النهى جئتك حاملا
مجد الأباة وشوق العاشقين وكبرياء الشعراءْ
صولجان الشعر بيميني ويراع البيان أشهرُهُ
مادحا من ترعاه عين في السماء حوراءْ
وهذه همزية أيضا مقيدة القوافي كقصيدة الشاعرة الطاهرة حجازي، كلتاهما «قصيدة» مقفاة، ذات شطرين، ولكنها «عمودية» خالية تماما من أي وزن عروضي، لذلك اقترحت لهذا النوع الشعري الرابع «المختلف المنزع» اسم «الشعر العمودي الحر».
هذا النوع الشعري الرابع شائع كثيرا، وذائع في «محفوظات» الكتب المدرسية، وعلى ألسنة الشباب من الشعراء والشاعرات، وفي رحاب كليات الآداب، ومطبوع في دواوين ومنشور على مختلف المنابر، تصدية ومكاء، صادحة به حناجر الغناء، وعقائر الإنشاد والإلقاء. وله على أية حال حقّ الوجودِ والبقاءِ على قيدِ الحياة.
6
يزدان ديوان الشاعرة الطاهرة حجازي خاصة بقلادة تحلي جيد «قصيدة تربوية» أو بيداغوجية على حد تعبير الكاتب والمربي الروسي ماكّارينكو،في كتابة تجربة العمل الإصلاحي للجانحين القاصرين، كذلك تقريبا في تجربة الكتابة التربوية للشاعرة الأستاذة الطاهر حجازي، تحت عنوان:»بيداغوجيا الإبداع في شعر الطفل» و»ديوان التلاميذ» المحتوي على مجموعة شعرية أبدعتها أخيلة الطفولة الجميلة اللعبِ الجدّيّ بالحروف وقد جمعتها وطبعتها وقدمت لها بدراسة حول «منابع التجربة الإبداعية» استخلصت منها وخلصت إلى القولعلى سبيل التمثيل :»إن الطفولة ودنيا الشعر عبارة عن أرضية خصبة للانفعال، يبحث من خلالها الطفل والشاعر عن بديل لبث هذا القلق عبر صياغة وضعيات حالمة وملائمة» وبالتالي «فالطفل شاعر بالفطرة والشاعر طفل لا زال ينبض بخزان الطفولة» مثل خاتمة هذه المقدمة «من شعر المؤلفة»:
زارني الطفل بداخلي
يسألني عن حلم الطفولة»
هذه الطفولة الحالمة المتصادية فيها الشاعرة الطاهرة حجازي مع قصيدة «حلم الطفولة» المغناة للشاعر محمد العلوي المدغري.
7
لقد كنت شاهدا على تجارب من هذا القبيل الجميل، المسمى»بإبداعات الشباب» و «ديوان التلاميذ الشعراء».
_التجربة الأولى : كانت باسم « الملتقى الأول لإبداعات شباب إقليم مديونة» ( 21 مارس 2007) صدرت أعماله الإبداعية بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشعر، بإشراف الصديق نصر الدين الحافي مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الدار البيضاء الكبرى. وقد شاركت في دورتيها بمداخلتين : «دع زهر الشعر والحب والشباب تتفتح في كل المواسم والعقول» و «قسوة الحب».
_ التجربة الثانية: كانت تحت عنوان : ديوان التلاميذ الشعراء»(2007) صادرة أعمالها الإبداعية بعدة لغات. كانت مسابقة شعرية كبرى، أطلقتها أكاديمية فاس بولمان الجهوية للتربية والتكوين بإشراف مديرها الأستاذ حسن أمزيل. وكانت شاعرية الاسم الجميل التالي : «كالندى فوق أقاحي الصباح» وهو، لا غرو، ولاشك، من اقتراح الشاعرين الكبيرين الصديقين العزيزين عبد السلام المساوي و محمد بودويك عضو لجنة التحكيم شاعر التقديم بكلمته «المتلألئة كالندى على أقاحي الصباح». وقد شاركت في دورتها الرابعة واحتفالها التكريمي بمداخلة حول «سؤال الشعر» الفواح «كالندى على أقاحي الصباح» بمناسبة الاحتفال بجمال يومه العالمي.
_ التجربة الثالثة: في مركز تربوي للمعلمين والمعلمات والطلبة الأساتذة والطالبات الأستاذات، كانت بمثابة «ورشة» لكتابة شعرية جماعية ولعبة جدية إبداعية خفية الأسئلة التي لا تعلن منها إلا أدوات الاستفهام وتحذف عندما تتكشف الأجوبة أو تتمخض عن أسطر شعرية وصور موحية على شكل نَثِيرَة أو شَثِيرَة.وقد نُشرتْ مقاطع منها في مجلة المركز التربوية باسم «المربية».
وعلى حد القول الوارد في فاتحة «قسوة الحب» من كتاب «سراج العين» إن «إبداعات الشباب» مصطلح ملتبس يطرح عدة أسئلة . على سبيل المثال : هل يراد به شعر التلاميذ أو الطلاب أو عموم الكتاب حتى ولو كادوا أن يتخطوا عتبة الشباب؟» ( ص 117) ومع ذلك:»دع زهرة الشعر والحب والشباب تتفتح في كل المواسم والعقول!»(ص111).