نيويورك تايمز: كيف يجب التعامل مع أطفال تنظيم الدولة

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريرا؛ سلطت من خلاله الضوء على محاولة إعادة إدماج الأطفال العائدين من جحيم تنظيم الدولة إلى أوطانهم في أوروبا.
وأحد هؤلاء الأطفال، وهو صبي لم يتجاوز التسع سنوات، قام بمهاجمة رفاقه في المدرسة، معتبرا أنهم مجرد كفار أشرار يستحقون الموت، ليتم بذلك إبعاده عن مقاعد الدراسة، وفق الصحيفة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها إن الصبي أمضى سنتين بعيدا عن موطنه في مكان تعلم فيه العدّ انطلاقا من ضربات السوط على ظهر أحد ضحايا التعذيب، ليتحول بذلك إلى طفل صغير متوحش ومتطرف ومضطرب بشكل عميق. ويجسد هذا الطفل معاناة حوالي 5 آلاف رجل وامرأة وطفل أوروبي سافروا إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة منذ سنة 2012.
وأشارت الصحيفة إلى أن معظم الحكومات تصب جل اهتمامها على المسألة الأمنية على المدى القصير، متجاهلة بذلك الاحتياجات الهائلة للأطفال المتضررين من تبعات تنظيم الدولة العائدين إلى أوطانهم. وفي هذا الصدد، أفاد دانييل كوهلر، الزميل المشارك في برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن ومستشار الأسرة المقيم في برلين، أن الصبي «كان يشعر بأنه مُحاط بأشخاص سيئين».
«ومن المثير للاهتمام أن هؤلاء العائدين من جحيم التنظيم يواجهون موقفا متشددا للغاية، ذلك أن أغلب الناس يفضلون رؤيتهم موتى أو ملاحقين من قبل القضاء ووضعهم خلف القضبان إلى الأبد، في حين أنهم ليسوا سوى مجرد أطفال لا ذنب لهم».
وأفادت الصحيفة أن الأطفال الخاضعين لسلطة التنظيم يتوجهون إلى المدرسة انطلاقا من سن الرابعة، حيث يكونون عرضة لمنهج مدرسي وحشي. وفي هذا الإطار، ذكرت نيكيتا مالك، إحدى كبار الباحثين في معهد «مجتمع هنري جاكسون» البحثي بلندن، والتي قامت بدراسة المواد التعليمية الخاصة بتنظيم الدولة، أن «كتاب الحساب المتداول في صفوف التنظيم يضم بين صفحاته برتقالا وتفاحا من جهة ودبابات وبنادق عسكرية من جهة أخرى».
وأوردت الصحيفة أن المختص في علم النفس، جان كيزيلهان، الكردي الألماني قد عاين بشكل مباشر الضرر الكامن وراء منهج التلقين الذي يتّبعه تنظيم الدولة.
ويعمل كيزيلهان على معالجة الأطفال الذين شهدوا عمليات الاغتصاب والتعذيب والقتل، أو أُجبروا في بعض الحالات على المشاركة في ارتكاب هذه الفظائع. ومن هذا المنطلق، يعتقد كيزيلهان أن الأمر يتطلب سنتين على الأقل من التدخل اليومي من قبل الأخصائيين الاجتماعيين والمعالجين النفسيين والمعلمين، حتى يحظى هؤلاء الأطفال بفرصة الحصول على حياة طبيعية.
وبيّنت الصحيفة أن أمن الأطفال العائدين من الحروب لا يسترعي اهتمام الحكومات؛ بقدر ما يقلقها أمن دولها.
وتركز السلطات جهودها على مراقبة المقاتلين السابقين، أما الأطفال الذين علقوا في خضم هذه الأحداث فلا يحتلون ببساطة مكانا على لائحة أولوياتها. ولا تبذل الحكومات أي جهد في سبيل إجلاء مواطنيها من مناطق النزاع، وهو ما دفع جيسيكا سورس، التي ترأس فريق مكافحة الإرهاب في بلدية مدينة فيلفورد البلجيكية، إلى التساؤل عن «من سيتحمل المسؤولية حين يعود الذئب متنكرا في ثياب الغنم؟».
وذكرت الصحيفة أن الراغبين في العودة إلى أوطانهم سيجدون السبيل لتحقيق ذلك، دون شك. وفي الوقت الذي تتجاهل فيه السياسات المبنية على الخوف والتحامل؛ الفوائد الكامنة وراء التدخل المبكر في حياة الأطفال الذين تم تحويلهم إلى متطرفين، تعمل على إقحامهم ببساطة في مواقف أكثر خطورة من أي وقت مضى. وفي الوقت الراهن، يخاطر الفارون من جحيم تنظيم الدولة بحياتهم، حيث قد يتعرضون للقتل أو الأسر، مع العلم بأنهم لا يحصلون على أية مساعدة إلا عند دخولهم قنصلية أو سفارة موطنهم الأصلي.
وفي هذه المرحلة، يتعين التأكد من جنسية أي طفل وُلد في سوريا أو العراق، وذلك غالبا عبر القيام باختبار الحمض النووي. وبمجرد عودته إلى موطنه، قد ينتهي المطاف بأحد والدي الطفل أو كليهما في السجن، ما يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات بشأن رعاية الطفل. وفي الأثناء، ينبغي للطفل الانخراط من جديد في صلب النظام التعليمي. ومن هذا المنطلق، تتطلب هذه التعقيدات الكثيرة اتباع نهج دقيق وإستراتيجية شاملة على النطاق الأوروبي للتعامل مع هؤلاء الأطفال.
وقالت الصحيفة إنه من الضروري تدريب المعلمين والأخصائيين الاجتماعيين، ووضع مبادئ توجيهية واضحة بشأن القضايا التي تخص هؤلاء الأطفال من قبيل العودة إلى مقاعد الدراسة. كما يجب التركيز على حماية الطفل عوضا عن شيطنة الأسرة.
وبالعودة إلى الصبي البالغ من العمر تسع سنوات الذي قام بمهاجمة زملائه في الصف، فقد كانت ذراع جده الآمنة والمحبة المحيطة به حين كانا يجلسان في ملعب المدرسة؛ كفيلة بأن تدفعه إلى رؤية الأطفال الآخرين على اعتبارهم رفاقا وليسوا أعداء. وبعد مرور سنة من الإشراف الحذر، عاد الصبي إلى المدرسة ليكمل مشواره على أنه طفل طبيعي مرة أخرى.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأطفال أمثال هذا الصبي يعتبرون بمثابة الضحايا الأبرياء للحرب، حيث يعترف بهم القانون الدولي على هذا الأساس. ولكن، حين يتعلق الأمر بالحرب ضد تنظيم الدولة، يبدو أن الكثيرين قد تناسوا بالفعل هذه الحقيقة الجوهرية.


بتاريخ : 03/08/2017