هذه الأيادي هي التي تطوعت لتحمل القمر.. 

 

لست سيئاً بما يكفي ،
لكني أصير – كذلك – حين أفيق على شخير امرأةٍ بجانبي .
أصير سيئاً – أكثر – عندما أتبول في الأحلامِ
وتحديداً حين أغني في الكوابيس .

أنا لست غامضاً مثل الخطاطيفِ ،
والأسماكِ ،
وعمال الميناءِ .
لكني أدرك أني أميل إلى البحر
وقصائد ماياكوفسكي ،
وسعدي يوسف .

وأدرك أني لا أملك قلباً
وأن ما أملكه هو قلب من طين .
وأني حين أنقر بالسبابة على جبيني، أرى رفاقي يفتحون بابا للشعر ، يؤدي إلى الجنة .
ويقفون على الرَّصيفِ المدهون بزيت محروق ، يتكلمون لغةً أخرى لا أعرفها ، ويدخلون حرباً خاسرة ضد جحافل النمل .

الصدى هو الأثر ،
هكذا أرى الشعراءَ وهم يشربون البحارَ على اختلافها .
والمحيطاتُ نصوصٌ موازيةٌ تفيض بالرغوةِ ،
واللُّحونِ .
وحينَ تقذفُ من جوفها ، تقذفُ البراكينَ ،
والغواصاتِ ،
و الزلازلْ .

منذ أن عثرنا على الريح داخل تابوت قديم
وهذه الأرضُ تحملُ الجبالَ ،
والادغالَ ،
والكهوفَ ، تحملها كهفاً كهفاً إلى الماءِ .

أيتها الريحُ صفري في القصبات ، فما عادتْ للبحرِ رائحةُ الموت ، وما عادتْ لليابسةِ رائحةُ الرمادِ .
فقط ،
سوف يأتي يومٌ
ونشق في التراب سرداباً لأوديسيوس اللعين .

هكذا على الأقل
سوف تصبح الأَشْجارُ خُطاطاتٍ سرديةً ،
والطيورُ فوقها
بلا ريشٍ ،
وبمناقيرَ من ورقٍ .

هذا الوجه من البلاتين
هو وجه امرأة تصلي في كنيسة
وظهرها مقوس ،
وكلما تقوَّسَ صار خيمةً من قُشٍّ .
أو مقصلةً
ولايهم لا موتُ المؤلِّفِ ،
ولا لذَّةُ النَّصِّ .

و هذه الأيادي هي التي تطوعت لتحمل القمرَ ،
هي التي حينما تعذر عليها، جرته في عربة مملوءة بالحجر والموتى ،
وحينما تطوعت لتجر الغيمةَ إلى سماء أخرى سقطت العوازلُ البلاستيكيةُ المثقوبةُ على الرؤؤس .

ماذا أقرأ في عظْمَةِ الكَتفِ :
لا أنا أقول الحقيقةَ ،
ولا أنا تروبادور أغني في الشوارعِ ؟
أنا لست سيئاً
لكني أصير – كذلك – حينما أفقدُ مذاقَ الأرضِ .


الكاتب : مصطفى لفطيمي

  

بتاريخ : 12/06/2020