هطول

(نص منفلت من كل القيود)

 

أمضي تُظللني نصفُ سماءٍ عارية، أتلحفُ نتفاً من هواءٍ ثقيلْ، أرْقَبُ نجمةً حيرى بين الفصولْ، تتوارى خلفَ سحاباتٍ حزينهْ، يملأني زمهريرُ شتاءِ مجنونْ، تارةً يطاردني اشتعالُ البروقِ في الدجى،
يناديني صوتُ المؤذنِ للفلاحْ،
يدغدغ في سَمْعي أحلامَ الأعالي القصية
فأصحو على صوتِ صبيبِ الغيومْ،عنيفاً يطرِقُ زُجاجَ نافذتي، يسائلُ شحوبَ الروحِ عن سيرةِ المطرْ،
يتسولُ خوفي قطراتَ الماءِ البلورية
تتسللُ في صمتٍ عبرَ مسام سُكوني
حين أجدني وحيدا ، يرعبني هزيمُ الرعدِ
كالمجذوبِ شريداً في السّحرِ،
يطاردُ أسرارَ الكونِ يبحث عن مفاتيحَ الرؤيا وأنا أتبع ظل خياله كالدرويش .
طليقا أطارد بقايا سراب تخاريفه،
أهرب إلى مخبأ ذكرياتي في الدفاتر القديمة،
أركض مكلوما خلف أطياف من مضوا.
أهرب .. أهرب
متدثر ا برذاذ الخوف والحذر ،
لكن كلا لا مفر

****
خفيفا تثقلني انكسارات قلبي الجريح، يسكنني أنين الجوانح
إذ تشكو ربقة الهجر الطويل،
وحيدا أتبين درب الهروب المستحيل،
أسلكه بلا بصيرة ولا دليل،
من شاهق إلى دركٍ سحيق،
من لحظة الإشراق
حتى ساعة النوى، من ساحة الدمع
إلى مرافئ الضياع والشجن.
أيها الغادي ترجل
هذي مسافات النزوح ومواسم السفر،أشتات عمرك ووعثاء الدروب قبل اندياحات الرحيل الأبدي ،
حين لحظات الوداع وأشباح الفراق المر.

****
ها هو ذا طيفك يلوح في المنام،
فيسائلني الطريق ذاك البعيد المستتر،
عن كيف أسرج وحدي حكايات الخيول الجامحة،
وكيف أدمنت خسران معارك القلوب المتحجرة، كيف تتمرد الفراشة على الحياة
حين تهوي فرحى على مسرح اللهيب
فيصطفق جناحاها في رقصة الحتف الأخيرة ،مثل برازيلية شهية تشهق من لذة التانغو المثير،
هي شهوة للعشق إذ
تتأوه كحبات بن تحترق من أجل المزاج.
خبريني أنت كيف السبيل
إلى التسكع في دياجير الرؤى،
وهل يسعف الارتجال
في مرثيات الفرح المفقود،
وهل لي أن أصلي وحيدا في الفيافي ، وكيف العبور إلى بحيرات عينيك اللازوردية ودونها غابات رمشك منتصبة كحراب مقاتل في أحراش توريت.

***
أسألني كيف لناحل مثلك
أن يقطع القفار دون زاد، وكيف لي أن أعبر هذا البياض
دون كوة سماوية من مداد الوحي،
كيف لي وقد تركت كتابي بين راحتيك يضج بالصور والقصائد التي لم تكتمل ،
فهل تغفر الكلمات لي
أن اتأخر في الوصول،
وهل تقبل الحروف اعتذار الأفكار حين تتخلف عن اللحاق بدفق الإلهام،
أترى تسامحني خيالات التذكر
حين أعبر دونها محطات النسيان المقفرة مسرعا كالشهاب نحو ضفاف
الوجع اللا ينتهي.

****
لقنيني يا هذه النفس العنيدة
كيف أرضى بي أنا،علميني كيف أحتضن
ذلك الجسد الفاني، كيف أنجو من مهاوي الألم، كيف يشجوني النحيب حين لحظات الهطول الصح.
أواه يا قدري الجميل
ماذا دهاك،
ومالك تأبى الامتثال لنزوات العمر الشقي،
أيها الغائب المتمرد استقم،
أما كفاك العمر السادر في الغوى، سارع الخطو قبل اضطرام الريح في الآفاق،
قَبِّل جبين الفجر قبلَ انبلاج الضوء في وضح النهار،
افرد جناحك قبل اشتداد النو،
إني عزمت على الإياب فمن ذا يطيق الانتظار


الكاتب : صلاح الأحمر

  

بتاريخ : 10/04/2020