هل تحولت ليبيا إلى سجن كبير للمهاجرين؟

رغم قناعتها بأن الوضع الأمني هناك سيء، وإن البلد تحتاج إلى وقت طويل للاستقرار، إلا أن إيطاليا لا ترى أي مشكلة في إعادة اللاجئين الواصلين إليها من ليبيا.
وزير الداخلية الإيطالي، ماكرو مينيتي، اعترف بنفسه أن إيطاليا لن تنتظر «الاستقرار»، قائلا: «لست بهذه السذاجة التي لا تجعلني أدرك الوضع هناك… لكننا لا يمكن أن نبقى بلا حراك وننتظر إلى أن يستقر البلد».
وأبرمت إيطاليا وليبيا في فبراير الماضي، اتفاقا وعدت الأولى والاتحاد الأوروبي بموجبه بتمويل مخيمات المهاجرين على أراضي ليبيا، رغم أن الأمم المتحدة قالت إن ليبيا ليست آمنة للمهاجرين.
وقال رؤساء أربع وكالات تابعة للأمم المتحدة في بيان مشترك الشهر الماضي: «المهاجرون واللاجئون قيد الاحتجاز في ليبيا معتقلون خارج أي عملية قانونية وفي ظروف غير إنسانية بشكل عام. هم يتعرضون لسوء التغذية والابتزاز والتعذيب والعنف الجنسي وانتهاكات أخرى».
وتعاني إيطاليا من ازدياد في معدلات الهجرة إليها بعد إغلاق طريق الهجرة بين تركيا واليونان، فبعد اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا تم إغلاق الطريق البحري إلى اليونان إلى حد كبير وأصبح الممر الرئيسي للمهاجرين إلى أوروبا الآن عبر إيطاليا بواسطة قوارب تنطلق من ليبيا حيث يعمل المهربون.
وتشير أرقام رسمية إلى أن عدد المهاجرين الوافدين إلى إيطاليا زاد نحو 30 بالمئة منذ بداية العام الحالي إلى 24 ألفا، وتشير تقديرات إلى أن 600 شخص لاقوا حتفهم أثناء الرحلة المحفوفة بالمخاطر.
المدير التنفيذي للمنظمة العربية لدعم المجتمع المدني، وحقوق الإنسان، شريف هلالي، أشار إلى تحفظه على الاتفاق الإيطالي الليبي، لكون ليبيا تعاني من مشاكل خطيرة، وقتال مستمر، مؤكدا أن معسكرات للاجئين في بلد بهذا الحال سيعرض سلامتهم للخطر.
ولفت هلالي إلى أن مفوضية اللاجئين عليها أن تعمل بشكل أكبر مع الدول الأوروبية لاستيعاب هذا الكم الكبير من اللاجئين في ظل التعامل الذي يشاهده العالم لبعض دول أوروبا الشرقية مع اللاجئين.
وأكد أن أوروبا يجب أن تعمل بحل مشكلة اللجوء وفقا لحقوق الإنسان خصوصا أنها صادقت على الاتفاقيات الخاصة بالهجرة واللجوء.
وعن إيطاليا على وجه الخصوص، قال هلالي إن عليها إدخالهم لأراضيها لحين البت بأمرهم، وعدم إعادتهم خلافا لإرادتهم وإن نسبة الـ30 بالمائة التي تمثل الزيادة في الهجرة إلى إيطاليا بعد إغلاق طريق الهجرة بين تركيا واليونان، رقم يمكن استيعابه.
ولفت إلى أن المهاجرين مختلطون في غالب الأحيان، بين من يريد اللجوء خوفا على حياته، وبين من يبحث عن فرصة اقتصادية أفضل، وإن على إيطاليا أخذ هذه بعين الاعتبار.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود الاثنين إن الاتفاق الإيطالي الليبي سيؤدي إلى عودة المهاجرين إلى معسكرات يجري احتجازهم فيها رغم إرادتهم مما يعرضهم للابتزاز وإساءة المعاملة.
وقال مدير عام أطباء بلا حدود ورئيس بعثة المنظمة في ليبيا، أريان هيهنكامب، إن فكرة تسكين المهاجرين بطريقة إنسانية على الأراضي الليبية «مستحيلة».
وبحسب أرقام مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ومنذ بداية عام 2017، عبر حوالي 21,903 أشخاص البحر الأبيض المتوسط من ليبيا إلى إيطاليا.
وفي الفترة نفسها من عام 2016، قام حوالي 18,777 شخصا بالرحلة الخطيرة نفسها. ومنذ بداية عام 2017، توفي نحو 587 شخصا في محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا. وكان العام الماضي الأكثر دموية، حيث سُجلت أكثر من 5,096 حالة وفاة.

اتفاق مرفوض

وفي السياق نفسه، رفض مجلس النواب المنعقد في مدينة طبرق، شرق ليبيا، الاعتراف بمذكرة التفاهم التي وقعها رئيس مجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني فائز السراج، مع رئيس الوزراء الإيطالي باولو جينتلوني، بشأن مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وتأمين الحدود.
وبرر البرلمان رفضه في بيانه، بأن حكومة الوفاق برئاسة السراج غير معترف بها، وأنه لم يمنحها الثقة بعد، وفق الإجراءات المنصوص عليها في الإعلان الدستوري.
وأضاف المجلس، أن مكافحة الهجرة غير الشرعية وتأمين الحدود، من القضايا الحيوية المرتبطة بمصير الشعب الليبي، والتي يجب أن يتأخذ فيها قرارات بشأنها، نوابه المنتخبون، وليس قرارات فردية تراعي مصالح الأشخاص فقط.
واتهم مجلس النواب الحكومة الإيطالية بمحاولة إزاحة ملف الهجرة الشرعية عن كاهلها، أمنيا واقتصاديا وسياسيا، مقابل ما وصفه بـ»القليل من الدعم المادي» الملزمة به إيطاليا، حتى بدون توقيع مذكرة التفاهم.
وانتهى البرلمان الليبي في بيانه، إلى أن مذكرة التفاهم مع إيطاليا، غير ملزمة للدولة الليبية، وباطلة، ولا ترتب أية التزامات سواء في الحاضر أم المستقبل.
يذكر أن رئيس مجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني فائز السراج وقع الخميس الماضي مذكرة تفاهم مع رئيس وزراء إيطاليا باولو جينتلوني، نصت على عدم إعادة إيطاليا للمهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون لسواحلها، وأن تتكفل روما بدعم مراكز إيواء المهاجرين في ليبيا.
إلى ذلك، تقدم وزير العدل الأسبق صلاح المرغني وآخرون بطعن قضائي ضد مذكرة التفاهم. ويستند الطعن المقدم إلى أن رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج «مغتصب للسلطة»، ذلك أن الاتفاق السياسي لم يضمنه مجلس النواب إلى الإعلان الدستوري، وأن حكومته فشلت مرتين متتاليتين في الحصول على ثقة البرلمان، وبهذا فإنه لا يمكن مراقبة توقيع المذكرة أو تنفيذها، كونها باطلة.
وقال الطاعنون إن «مذكرة التفاهم الموقعة، تضر بالسيادة الليبية، إذ إنها تعطي الحق للدولة الإيطالية في مراقبة الحدود الليبية الجنوبية، استنادا إلى كونها مصدر عبور المهاجرين غير الشرعيين إلى السواحل الليبية».
وطالب وزير العدل الأسبق والستة الآخرون معه، بشكل مستعجل بإيقاف تنفيذ مذكرة التفاهم، وذلك إلى حين الفصل في موضوع الدعوى المرفوعة.
من جانبها، قالت المحامية عزة المقهور، أحد الطاعنين أمام القضاء في مذكرة التفاهم على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إنه ليست هناك حاجة أو ضرورة إلى توقيع مذكرة تفاهم جديدة مع إيطاليا، حيث إن هذه المذكرة تستند إلى معاهدة الصداقة الليبية الإيطالية المبرمة في عام 2008، وإن على إيطاليا فقط تنفيذ ما ورد فيها من التزامات عليها.
وتعد هذه هي الدعوى الأولى ضد شرعية مجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني، بعد أن سبق للقضاء الإداري أن ألغى وأبطل قرار حكومة الوفاق بتعيين لجنة تسييرية لمؤسسة الاستثمار الليبية، ولكن استنادا إلى وقوع بطلان في الإجراءات.
ووقع في مطلع فبراير الجاري رئيس مجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني مذكرة تفاهم مع رئيس الوزراء الإيطالي باولو جينتلوني، تقدم بموجبها إيطاليا إلى ليبيا، المساعدة الفنية والتقنية، وأنظمة مراقبة الحدود البحرية، والجنوبية البرية، والسيطرة عليها، ومكافحة الاتجار بالبشر وتهريب الوقود، بما يكفل الحد من تدفق الهجرة غير الشرعية.

خرق ميثاق الأمم المتحدة

وكانت لجنة أزمة الجنوب الليبي قد وجهت خطاباً مفتوحاً الى رئيس وزراء مالطا و رئيس مجلس الاتحاد الاوروبي و المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن كوبلر إستنكرت فيه تصريحات وزير الداخلية الايطالي بشأن نية اقامة مستوطات و مخيمات للمهاجرين فى الجنوب  .
و قالت اللجنة ان تصريحات «مانيتي « بشأن اعادة المهاجرين من اوروبا وتوطينهم فى الجنوب يذكر بالماضي الايطالي الاستعماري الفاشتي البغيض .
و أضافت اللجنة فى الخطاب الذي تلقت المرصد نسخة عنه « كنا نعتقد أن إعتذار إيطاليا سنة 2008 عن الحقبة الاستعمارية قد طوى حقبة تدخل إيطاليا فى ليبيا واحلامها فى الشاطىء الرابع « .
واعتبر الخطاب تصريحات وزير داخلية إيطاليا خرقاً لميثاق الامم المتحدة التى تتمتع ليبيا بعضوية بها بالرغم من المرحلة الاستثنائية التى تمر بها البلاد من الصراع الدولي على ثرواتها و الهجمة الإرهابية عليها و عدم وجود أي سلطة تنفيذية فاعلة باستثناء مجلس النواب فى طبرق بصفته ممثل تشريعي منتخب .
وختم بأن اللجنة ترفض رفضاً قاطعاً توطين المهاجرين فى ليبيا و أنها لا تضمن سلامتهم و لا سلامة الجهات الداعمة لتوطينهم واضعة الجهات الدولية التى إستهلت بها بيانها أمام مسؤولية هذا الامر .
ومعلوم أن أعدادا متزايدة من المهاجرين توافدت في المدة الأخيرة على ايطاليا خوفا من نجاح الجهود التي تبذلها السلطات الاوروبية لإغلاق طريق الهجرة انطلاقا من ليبيا، وهربا من «الجحيم» الليبي.
وفي الايام الأخيرة وصل اكثر من 2700 مهاجر تم انقاذهم الى ايطاليا، بينهم رضيع ولد على زورق إنقاذ تابع للشرطة النروجية.
وأفاد احصاء للحكومة الايطالية، يوم الاثنين الماضي، أن عدد الوافدين هذا العام تجاوز 13 ألفا و400 بزيادة تراوح بين خمسين وسبعين في المئة مقارنة بالشهرين الاولين من عامي 2015 و2016
وينطلق المهاجرون من ليبيا في موجات تجعل اي مقارنة لا تشمل سوى بضعة اسابيع غير دقيقة، لكن هذه الزيادة في الشتاء لا غرابة فيها. ففي شباط 2015 قضى أكثر من 330 مهاجرا في عاصفة، بينهم حوالى 20 بردا اثناء عملية إنقاذ معقدة، كما قتل خلال الفترة نفسها ايضا حوالى 100 شخص خلال عبورهم البحر.
فيما احصت الامم المتحدة هذا العام حوالى 350 قتيلا او مفقودا. وقبل اسبوع عثر على جثث 74 مهاجرا على شاطئ قرب طرابلس.
في هذا السياق، اوضح فلافيو دي جاكومو المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة التي يلتقي مندوبوها المهاجرين عند وصولهم الى ايطاليا ان «زيادة اعداد الوافدين تعود على الارجح الى تفاقم ظروف المعيشة في ليبيا».
وهذا الاسبوع جمع مراسل وكالة فرانس برس على متن زورق «غولفو ازورو» للانقاذ التابع لمنظمة «برواكتيفا اوبن ارمز» الاسبانية شهادات كثير من المهاجرين حول معاناتهم في ليبيا.
وقالت سيارون كمارا الغينية الاصل «يوميا كنا نتعرض للضرب والتعليق بالحبال. لم يكن الأمر سهلا، وكنا كل يوم نفقد شخصا او اكثر».
كما روى الغيني باري مامادو كيف اجبر المهربون المهاجرين على الاتصال بعائلاتهم من اجل مزيد من المال.
وقال «كانوا يعمدون الى ضربك عندما تطلب الرقم، كي يسمع اقاربك نحيبك (…) هناك خمسة اشخاص يحملون انابيب طويلة، وينهالون عليك ضربا بلا انقطاع الى ان تغيب عن الوعي».
وقال غريزيلي الذي انطلق من غينيا بيساو ان «ليبيا هي الجحيم (…). يعاملوننا كأننا سلع»، كاشفا اثار ضربات بعقب بندقية، مؤكدا انه شهد وفاة حوالى 15 شخصا جوعا او ضربا.
وعُثِر هذا الاسبوع على جثث 13 مهاجرا قضوا اختناقا في حاوية بعدما امضوا اربعة ايام محتجزين فيها بانتظار الابحار.
لكن المغادرين من ليبيا ليسوا بالضرورة جميعا من الساعين الى الهجرة، فهناك من ابحر فقط هربا من الجحيم الليبي. فقد انقذ زورق اكواريوس الذي تشغله منظمتا «اس او اس المتوسط» و»اطباء بلا حدود» هذا الاسبوع 75 مهاجرا بنغلادشيا كانوا يعملون منذ اربع سنوات في ليبيا قبل ان يقرروا الفرار نتيجة العنف المستمر بعد ست سنوات من الاطاحة بنظام معمر القذافي من جهتهم يتذرع المهربون بعمل الاوروبيين لوقف التهريب، لكي يدفعوا بالمهاجرين الى السفر باسرع وقت.
في مطلع شباط وقعت روما وطرابلس مذكرة تفاهم من أجل الحد من توافد المهاجرين بمساعدة الاتحاد الاوروبي. وستشارك إيطاليا بموجبه في تدريب قوة خفر السواحل الليبيين وتزويدها بزوارق سريعة ومعدات.
وأوضح دي جاكومو «يقول المهربون (للمهاجرين) أن الليبيين سيبدأون في غضون أشهر بتولي مهام إنقاذ المراكب وإعادة الجميع الى أراضيهم. لكن العودة الى ليبيا هي آخر ما يرغب فيه المهاجرون، لذلك يختارون الاسراع في المغادرة».
سفن أجنبية
وقالت برلمانية يمينية ايطالية إن سفنا أجنبية تقوم بجمع المهاجرين وتنقلهم جميعا الى بلادنا.
وأضافت رئيسة لجنة منطقة التأشيرة الموحدة (شنغن) بالبرلمان الايطالي، لاورا رافيتّو، أن «المياه الدولية قرب الساحل الليبي تعج بسفن تابعة لمنظمات غير حكومية صغيرة، تنتهك اتفاقية جنيف، ولا تحمل المهاجرين الذين يتم انقاذهم في عرض البحر إلى أقرب ملاذ آمن، بل تجلبهم كلهم تقريبا الى السواحل الايطالية».
وتابعت البرلمانية من حزب (فورتسا إيتاليا)، أنه «عند هذه النقطة، أتساءل عما إذا كانت معاهدة دبلن ينبغي تطبيقها من قبل بلادنا أيضا»، فـ»من الواضح أن إيطاليا لا يمكنها أن تكون ملزمة بفحص ملفات جميع المهاجرين الذين يصلون إلى شواطئنا»، إذ أن «هؤلاء المهاجرين يجب في واقع الأمر توجيههم نحو دولة أخرى، تعد بلد الوصول الأول».
واختتمت رافيتّو بالقول «أعتقد أنه ينبغي النظر في إمكانية اعتبار الدول التي ترفع أعلامها سفن المنظمات غير الحكومية، كدول الوصول الأول».


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 06/04/2017