هل تحيي حرب غزة ولبنان أوهام الإسلام السياسي؟

إجماع على الاستثناء المغربي في إدماج
«الإسلاميين» داخل الفضاء السياسي

 

لقد سعت حركات الإسلام السياسي، منذ إنشاء أنويتها الأولى داخل حركة الإخوان المسلمين، إلى استخدام الدين لإعادة تشكيل السياسة عبر تسييس الدين وتديين السياسة، بحثا عن «دولة الخلافة» أو الدولة الدينية التي تُسقط من أدبياتها مفاهيم الدولة المدنية وآلياتها المؤسساتية والتدبيرية ، وأولها مفهوم الديمقراطية.
وإذا كان الربيع العربي قد ساهم بشكل أو بآخر في تعطيل ممكنات التحول الديمقراطي في عدد من الدول العربية، باستثمار هذه التيارات لمكتسباته التي أوصلتها الى إدارة الشأن العام والذي أثبتت فشلها فيه، فإن التخوف اليوم من عودتها إلى الواجهة، تنعشه التحولات الجارية اليوم بالشرق الأوسط، خاصة بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي التي قادتها حركة حماس أمام انسداد أفق الحل السياسي العادل.
تلكم بعض المحاور التي ناقشتها الندوة، وتوقفت عندها بالتحليل والنقد.

لفت محمد بنعيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، وهو يفتتح الندوة الثالثة من ندوات موسم اصيلة الثقافي في دورته 45 أول أمس الاثنين، والتي اختارت محورا لها «الحركات الدينية والحقل السياسي: أي مصير؟» الى أن هذه الحركات استطاعت، ككل التيارات الدينية المؤدلجة، الاستفادة من حركية التغيير الجارف التي عرفها العالم العربي في العقد الماضي». وأضاف بنعيسى أن» الدين الذي يشكل محورا للشرعية في المجتمعات العربية ويبرز دوره في دينامية العنف الراديكالي والتطرف»، لا يزال يواصل توسيع رقعة حضوره اليوم رغم ما يبدو ظاهريا من انحسار لخطابه، خاصة بعد فشل عدد من تنظيماته في الممارسة الميدانية وتدبير السلطة بعد الربيع العربي. ولعل هذه العودة المستترة اليوم تتم من بوابة الصراع الدائر اليوم على أشده في النقطة الملتهبة، عربيا، أي الشرق الأوسط خاصة بعد طوفان الأقصى وتمدد رقعة الحرب الى لبنان وخلفها إيران.
بنعيسى وهو يطرح مداخل عامة لمقاربة هذه الإشكالية، اقترح النظر في أسباب صعود وانحسار تيارات الإسلام السياسي وتحديد موقعها داخل الخارطة السياسية، وكذا الاختلافات بين هذه التيارات من داخل المرجعية الواحدة، وهل من أفق لاستيعابها داخل العملية السياسية مع الاحتكام لضوابط العمل السياسي المؤسساتي الذي تنْظُمُه مرجعيات متعددة ينصهر فيها الديني بالمدني ثم بالكوني الإنساني.
من جهته، توقف نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية عند تجربة الإسلام السياسي في المغرب خاصة بعد الربيع العربي، لافتا الى أن هذه التيارات في المغرب تميزت بصعود تدريجي ابتداء من نهاية الستينات، وهو صعود وصل مداه بعد 2011 بوصول حزب العدالة والتنمية الى تدبير الشأن العام عبر صناديق الاقتراع. وأشار بنعبد الله الذي خبر العمل الى جانب هذا التيار بدخول حزبه الى حكومة بنكيران، الى أنه عكس انخراط «العدالة « في العملية السياسية ، لا يزال تيار «العدل والإحسان» رافضا لهذا الانصهار داخل النسيج السياسي، مخلصا لأصوليته و»رافضا لكل تجليات الدولة الديمقراطية وأجهزتها، رغم ما يبدو في الآونة الأخيرة من رغبة في إحداث مراجعات فكرية قد تغير من مواقفه بخصوص هذا الانخراط».
إن احتضان النظام المغربي لتيار إسلامي لم يكن ليحدث، يؤكد بنعبد الله ، لو لم يكن المغرب يمتلك مقومات الدولة الحديثة وأولها الايمان بالتعددية وبالديمقراطية كآلية حداثية لتدبير الشأن العام ، واختياره المسار المؤسساتي الديمقراطي ، خاصة بعد دستور2011 ،لافتا الى أن هذه الديمقراطية التي سمحت بوصول العدالة إلى كراسي التدبير هي الديمقراطية نفسها التي أخرجته منها، خروجا سلسا عاد بعده إلى مكانه داخل الحياة السياسية من موقع المعارضة بعد أن «خبر محن التدبير المباشر»، ودون أن يضر ذلك بالحياة السياسية وسيرورتها الطبيعية.
قدرة التجربة المغربية على استيعاب التيارات الإسلامية واحتضانها داخل اللعبة السياسية، كانت محط تقدير أيضا من سمير فهيم الحباشنة، الأمين العام لمجموعة السلام العربي ووزير الثقافة الأردني سابقا، حيث أوضح أن التجربة الأردنية أيضا تعاطت مع الظاهرة بقبولها كجزء من النسيج السياسي الوطني لكن في إطار الدولة، مشيرا الى خصوصية التجربة الأردنية المحكومة بالمناخ الإقليمي والجوار الصعب المتوتر، كدولة حدودية مع إسرائيل، ما فرض الخروج من «حالة المد والجزر إلى حالة الاعتدال والاحتواء». هذا الجوار هو ما لفت إليه مواطنه ووزير الاتصال الأردني مهند مبيضين، حين أثار مشكلة الانقسامات داخل هذه التيارات والمؤسسة على الموقف من فلسطين وأولويتها، خصوصا وأن الأردن يشكل أكبر بلد للاجئين الفلسطينيين في البلدان العربية. هذه الانقسامات هي ما جعل حضور هذه التيارات يتأرجح بين المقاطعة والمشاركة، بين الصعود والأفول وإن كانت أحداث غزة قد أعادت لها بعض الوهج داخل الساحة الأردنية.
وإذا كانت بعض حركات الإسلام السياسي بالأردن قد استثمرت القضية الفلسطينية لصالحها في انتزاع مكاسب معينة، فإن المفكر اللبناني رضوان السيد يرى أن الخيط الناظم لجميع هذه التيارات والذي على أساسه تستمد قوتها هو مسألة الهوية التي اعتبرها «سر جاذبية هذه التيارات»، انطلاقا من إيمانها بأن قيم الحداثة المفروضة على المجتمعات العربية، تمثل تحديا لهويتها، مثيرا في نفس الوقت الثقافة الانقسامية والفصامية والتي هي «جزء من ثقافتنا العامة مفارقة عميقة لا نستطيع التخلص منها». وأشار السيد الى أن الحركات السياسية ذات المرجعية الإسلامية التي شاركت في التدبير الحكومي، لم تستوعب أبدا العمل داخل آليات الدولة الوطنية ومؤسساتها وإن قبلت به ظاهريا، ولهذا لا يمكن التنبؤ بمآلات هذه التجارب التي تتسم في الغالب بتجاذبية صراعية وعنيفة، تكشر عن أنيابها زمن الأزمات، باستثناء الحالة المغربية، إذ اعتبر السيد أن «أحسن فرصة للدول العربية هي الدخول في سياق هذه التجربة المتفردة»، ليخلص إلى أن «الإسلام السياسي سيظل مكمنا للأزمات ولا يمكن ضبطه أو ضمان انضباطه» ما دامت الدولة الوطنية عاجزة عن تحقيق انتقالاتها الديمقراطية وعن تحقيق الاستقرار الداخلي، وحل أزمة الشرق الأوسط.
لا يؤمن الأكاديمي والروائي المغربي سعيد بنسعيد العلوي بإمكانية قيام «دولة الوهم» كما يسميها عبر أحزاب لا تمتلك تصورا ومشروعا مجتمعيا متكاملا، بل تدعو في أدبياتها السياسية الى «إسقاط الدولة الحديثة» ولا تعترف بالمواطن والمواطنة وبآليات التدبير الديمقراطي. وأثار العلوي بهذا الخصوص علاقة التنافي بين فكرة الدولة والإسلام مادامت هذه التيارات تؤمن بفكرة «الحاكمية لله».
ويرى بنسعيد العلوي أن طرح سؤال المرجعية مهم وأساسي داخل هذه الأحزاب قائلا: «هل كل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية تنتمي الى الإسلام السياسي؟» ليخلص الى القول بأن جميع أنماط الوعي «السياسي والاجتماعي» تمر عبر الوعي الديني. وقد بدا واضحا وهو يجزم باستحالة إقامة دولة حديثة إلا «بالفصل بين الدين والسياسة على مستوى الممارسة السياسية»، معتبرا أن «أهم درس خرجت به التجربة المغربية يتمثل في كون الحزب الذي قاد التجربة لولايتين خرج وهو يعي ذاته وإمكانياته «، وعي يبتعد عن «الفائض النظري» الذي أثبتت التجربة عقمه وخواءه.


الكاتب : أصيلة: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 23/10/2024