العثور على 6 أطنان من بقايا لحوم مجهولة المصدر قرب سوق المسيرة
عادت من جديد إلى الواجهة ظاهرة “الذبيحة السرية” بالدار البيضاء، بعدما أثار اكتشاف بقايا حيوانية تقدر بحوالي ستة أطنان من اللحوم ليلة عيد الأضحى قرب سوق المسيرة بحي الفلاح بالدار البيضاء، حالة من الذعر والقلق في صفوف السكان. هذه البقايا المكونة أساسا من عظام يُرجح أنها تعود لحمير وبغال، خاصة مع غياب أي توضيح رسمي من السلطات المعنية حول طبيعة هذه البقايا ومصدرها.
مصادر محلية أكدت أن هذه الكميات الضخمة من اللحوم لم تمر عبر المجازر الرسمية للمدينة، الأمر الذي يرجح فرضية ذبحها بطريقة غير قانونية، فيما لم تستبعد مصادر أخرى أن تكون الذبائح من الخيول أو الحمير، التي عثر “بوعارة” في مكانين مختلفين قرب سوق المسيرة الشعبي على بقايا عظامها وهياكلها وسط أكياس مخصصة لتخزين القمح، وتم العثور على البقايا في النقطة الأولى بشارع إسماعيل بن خليفة، بجانب حاوية نفايات كبيرة(بركاسة)، أما المكان الثاني فتم العثور على أكياس العظام بمطرح عشوائي للنفايات الهامدة، والمكانان يقعان ضمن النفوذ الترابي لمقاطعة مولاي رشيد، غير بعيد من المجازر البلدية للدار البيضاء، وهي البقايا التي تم تداول صورها على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي زاد من مخاوف المواطنين بشأن ما إذا كانت هذه اللحوم قد وصلت بالفعل إلى الأسواق والمطاعم الشعبية في بعض الأحياء.
وحسب مهنيين في القطاع، فإن هذه الكمية الكبيرة تعادل ما بين 50 إلى 60 رأسا من الحيوانات، بالنظر إلى أن كل ذبيحة تنتج ما بين 100 و120 كيلوغراما من اللحوم. وبالرغم من حجم هذه الكمية، فإنها تبقى جزءا ضئيلا من الإنتاج السنوي لمجازر الدار البيضاء الذي يتجاوز 20 ألف طن، لكن خطورتها تكمن في طبيعتها غير المراقبة وغياب أي ضمانات صحية بشأن سلامتها ومصدرها ونوعيتها، خصوصا أن التخوف ينبع من كونها قد تكون لحوم حمير استغل البعض التهافت الذي عرفته الأسواق حول اقتناء اللحوم خلال عيد الأضحى والطلب الكبير عليها ليعمدوا إلى استغلال الفرصة وذبح الحمير والبغال وبيع لحومها للمواطنين.
الذبيحة السرية التي تعد إحدى الظواهر المزمنة التي يعاني منها قطاع اللحوم بالمغرب،حيث كشفت معطيات رسمية سابقة أن أزيد من 50% من اللحوم الحمراء التي يتم استهلاكها في الدار البيضاء لا تمر عبر المسالخ المعتمدة، مما يجعلها خارج أي مراقبة بيطرية أو صحية، يرجع السبب الأساسي وراء انتشارها إلى الفارق الكبير في الكلفة بين الذبح الرسمي الذي يخضع لرسوم تفوق أحيانا 1500 درهم للذبيحة الكبيرة، وبين الذبح السري الذي لا تتعدى كلفته 200 إلى 300 درهم، وهو ما يدفع بعض الجزارين وأصحاب محلات بيع اللحوم إلى التعامل مع هذه السوق الموازية لتحقيق أرباح أكبر على حساب صحة المستهلك.
لكن ما يثير القلق أكثر هو الخطر الذي تسببه هذه الظاهرة الذي لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية فحسب، بل يمتد إلى تهديد الصحة العامة، حيث إن هذه اللحوم قد تكون لحيوانات مريضة، أو نافقة قبل الذبح، أو غير خاضعة لفحوصات بيطرية، ما يرفع من احتمال انتشار أمراض خطيرة مثل السل، الحمى المالطية، وداء الكلب، إلى جانب مخاطر التسمم الغذائي الناتج عن سوء الحفظ والنقل.
وفي ظل غياب المراقبة الصارمة، لا تزال الذبيحة السرية أيا كان مصدر لحومها الحيواني، تجد طريقها إلى موائد المستهلكين خاصة في الأحياء الشعبية والمطاعم الصغيرة ذات الكلفة المنخفضة.
هذه الفضيحة التي اكتشفت إبان أيام عيد الأضحى المبارك مرت دون أن يصدر لحد كتابة هذه السطور أي بلاغ رسمي عن السلطات المحلية، ولا عن مصالح حفظ الصحة بالدار البيضاء، الأمر الذي زاد من حالة الغموض ومن قلق الساكنة، التي تخشى من أن تكون هذه اللحوم قد دخلت بالفعل إلى سلسلة الاستهلاك اليومي دون علمها، في خضم تصاعد الأصوات المطالبة بتوضيح حقيقة هذه الكميات المكتشفة من اللحوم.
ويرى عدد من الأطباء البيطريين وخبراء الصحة أن استفحال هذه الظاهرة واستمرارها بنفس الحجم والانتشار سيتسبب دون شك في مشاكل صحية كبيرة كما سيؤدي إلى أزمة صحية حقيقية خصوصا أن موسم الصيف على الأبواب والذي يشهد ارتفاع درجات الحرارة، مما يزيد من مخاطر فساد اللحوم وتكاثر البكتيريا والطفيليات فيها، من جهتهم عبر مهنيون عن تخوفهم من أن هذه الكميات الكبيرة من اللحوم قد تكون موجهة أصلا لقطاع إنتاج النقانق والمصبرات، وهو القطاع الذي يسهل فيه التلاعب بمصدر اللحوم دون إمكانية التحقق من نوعيتها.
وللتصدي لظاهرة الذبيحة السرية طالب الكثير من المتتبعين بخفض رسوم الذبح في المجازر الرسمية وذلك تشجيعا للجزارين على الالتزام بالمسارات القانونية مع تكثيف المراقبة الميدانية داخل الأحياء والأسواق، خاصة في الفترات الحساسة كعيد الأضحى والمواسم دون إغفال تشديد العقوبات القانونية ضد كل من يثبت تورطه في ذبح أو تسويق لحوم مجهولة المصدر مع إطلاق حملات توعوية واسعة لتحذير المواطنين من مخاطر استهلاك هذه اللحوم، وتشجيعهم على طلب فواتير وختم المراقبة البيطرية عند الشراء.
إن ما وقع بالدار البيضاء خلال الأيام الماضية والناس تحتفل بعيد أضحى ليس كباقي الأعياد السابقة، بعد الإقبال الشديد على اقتناء اللحوم الحمراء، ليس حدثا عارضا، ولا يرتبط بمناسبة العيد فقط بل هو جرس إنذار جديد ينضاف إلى باقي الإنذارات السابقة، حيث لا تعد هذه المرة الأولى التي تكتشف فيها مثل هذه الاكتشافات الخطيرة في مزابل الدار البيضاء، وهو ما يسلط الضوء على قطاع يفتقد إلى التنظيم الصارم والمراقبة الفعالة، في ظل غياب الشفافية اللازمة لحماية صحة المواطن. وإذا لم تتخذ السلطات التدابير الضرورية بشكل عاجل، فإن الخطر سيظل قائما، وقد يتسبب مستقبلا في أزمة صحية يصعب احتواؤها.