هل تواطأت جماعة البيضاء بالتزام الصمت ؟ شركة الرضا ” تهرف” على أكثر من مليار و800 مليون من المحطة الطرقية أولاد زيان

المطالبة بالمتابعة القانونية

دعا المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره الخاص بافتحاص المحطة الطرقية أولاد زيان، جماعة الدارالبيضاء إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتسوية الجوانب المالية العالقة مابين مجلس المدينة وشركة رضا للعقار، وهي الشركة التي كانت تدير المحطة منذ إحداثها في سنة 1999 إلى غاية مرحلة كوفيد، قبل أن ترحل وفي ذمتها ما قيمته 18.700.000.00 درهم لم تقدم منها للجماعة أي ريال، وقد حدد التقرير الباقي استخلاصه منها إلى غاية دجنبر 2016 ما قيمته 12.650.000.00 درهم فيما بلغ عند حدود سنة 2017 ما قدره 6.050.000.00 درهم، ليشير إلى أن الحسابات المذكورة أعلاه لا تتضمن فترة الاستغلال في المدة الفاصلة مابين فاتح يناير 2013 وشتنبر 2013 ، حيث دبرت المحطة دون عقد استغلال .
المجلس الأعلى للحسابات أيضا طالب جماعة الدارالبيضاء، بالعمل على تشكيل ملف دائم، يخص المحطة الطرقية أولاد زيان يتضمن الوثائق التعاقدية والإدارية والمالية والمحاسباتية، لأنه اكتشف بأن الجماعة لا تتوفر على ملف متكامل بكل التفاصيل حول هذا المرفق الحيوي رغم أنه كان يكتريه للمستغل بما قيمته 600 مليون سنتيم في السنة، كما طالبها باتخاذ الإجراءات اللازمة، من أجل تسوية متأخرات كراء المحلات التجارية وتجديد عقود كرائها بما يخدم مصلحة الجماعة، كما دعاها إلى تحيين القرار الجبائي، وتضمينه جميع المرافق والمحلات المتواجدة في المحطة، بعد اكتشافه بأن بعض المحلات ومنها محطة الوقود التابعة لصاحب الشركة المدبرة، غير متضمنة فيه، وفي الحقيقة وهذا مالم يشر إليه التقرير وبحسب التجار وأصحاب المحلات داخل هذه المحطة، فإن جماعة الدارالبيضاء كانت تعتمد القرار الجبائي 2008/01 الذي ظل يعتمد إلى غاية 2018، والمعضلة الكبرى أن هذا القرار لا يتضمن البتة المحطة الطرقية برمتها، وقد حاولت تدارك هذا المشكل من خلال تعديل أقدمت عليه في 2018 ، لكن اتضح بأن القرار التعديلي يهم المركب الرياضي محمد الخامس، وهو ما يعني أن أي استخلاص من طرفها لم يكن قانونيا وتلك مصيبة عظمى .
تقرير المجلس الأعلى للحسابات كذلك دعا الجماعة، إلى عقلنة وترشيد استهلاك الماء والكهرباء داخل مرافق المحطة ، عندما اكتشف بأن شركة الرضا هي من كانت تقوم بتزويد المحلات التجارية وباقي مرافق المحطة بالماء والكهرباء من العداد الرئيسي للمحطة، وكان التجار يرفضون التأدية لأن الفواتير بحسبهم كان مبالغا فيها، وبالتالي لا يدري أحد إن كانت الشركة هي من تؤدي لشركة “ليدك” مستحقات الاستهلاك أم الجماعة، وهنا وجب على الجماعة توضيح هذا الأمر .

أنماط التدبير التي عرفتها المحطة الطرقية

ثلاثة أنماط تدبيرية تم اللجوء إليها لتسيير هذا المرفق، بغية الرفع من المداخيل المالية الجماعية وتوفير خدمة تليق بحجم العاصمة الاقتصادية، هنا يرسم تقرير المجلس الأعلى للحسابات خريطة المشاكل التي اعترت الأنماط الثلاثة :
التدبير بواسطة عقود الإيجار
من الفترة الممتدة من 1999 إلى غاية 2018 ، اعتمدت الجماعة هذا النمط، حين وقعت عقد استغلال مع شركة الرضا العقارية، التوقيع الأول كان في 1999 والثاني في سنة 2013 ، يمتد لفترة خمس سنوات قابلة للتجديد لمدة ثلاث سنوات مرة واحدة، وحددت الجماعة مبلغ 600 مليون سنتيم كسومة كرائية سنوية ثابتة يؤديها المستغل في صندوق الخازن الإقليمي، خلال العشرة أيام الأخيرة من شهر دجنبر ، وسجل التقرير بأن الرضا باشرت عملية الاستقلال في غشت من سنة 1999 وتم تمديد الاتفاقية أو العقدة، حسب البندين الثاني والثالث من الفصل الثالث منها إلى غاية 2011 ، وتبعا للتأخر الذي طال انعقاد دورات مجلس مدينة الدارالبيضاء، الذي كان عليه المصادقة على نمط تدبير المحطة الطرقية للمسافرين، لم يكن بوسع الجماعة إطلاق طلب عروض لهذا الغرض، وبالتالي ولأجل ضمان استمرارية المرفق تم اللجوء إلى عقد ملحق، لكن الجماعة لم تقدم للمجلس الأعلى للحسابات خلال الافتحاص، الاتفاقيات السابقة عن سنة 2013 ولا العقد الملحق، حيث فقط قدمت له الاتفاقية الأخيرة المتعلقة ب 2013 دون غيرها، وهو أمر يطرح موضوع الحكامة من جديد على طاولة النقاش .

خلل فادح في التدبير

تبين للمجلس الأعلى بأن الفترة المحددة ما بين فاتح يناير و12 شتنبر من سنة 2013 لم تكن موضوع أي عقد بين الرضا والجماعة، وذلك يبدو جليا من خلال خطاب الشركة حول عقد التدبير إذ طالبت المصالح الجماعية، بموافاتها بعقدة التدبير المفوض للمحطة الطرقية برسم الفترة الممتدة من فاتح يناير 2010 إلى غاية 30 أكتوبر 2013 ، موضحة بأن جماعة الدارالبيضاء سبق أن طلبت منها الاستمرار في تدبير المرفق، إلى حين إبرام عقد جديد خاص بها، مع الإشارة إلى كون الشركة لم تتوصل بالأمر في الشروع في العمل، المتعلق باتفاقية 2013 إلا بتاريخ 30 اكتوبر 2013 والتي سبقت المصادقة عليها بتاريخ 13 شتنبر 2013 ، وبالتالي، تبقى فترة الاستغلال الممتدة مابين فاتح يناير 2013 و12 شتنبر منها، لا تستند إلى أي أساس قانوني، في غياب توفر عقد خاص بهذه الفترة الممتدة على 10 أشهر حيث تم هذا الأمر، بناء على مراسلة رئيس الجماعة للشركة في 10 يناير 2013 .. حصيلة ذلك أن الجماعة لم تستفد من أية عائدات تتعلق باستغلال شركة الرضا للمحطة الطرقية، علما أن الأخيرة استمرت في استخلاص الواجبات المفروضة على الحافلات وواجبات ولوج المحطة بالعربات الحاملة للأمتعة للمصاحبين وغيرها من الواجبات، طيلة تلك الفترة، في هذه المدة وفي غياب عقد تدبير مرفق المحطة ، رفض المكترون للمحلات التجارية أداء واجبات الكراء وحتى واجبات الماء والكهرباء

غياب مراقبة الجماعة للشركة

أما بخصوص فصول الاتفاقية، التي تهدف إلى تحديد الشروط العامة المتعلقة بتدبير واستغلال المحطة ومرافقها، دون التدخل في تنظيم قطاع النقل بالحافلات وإعطاء الرخص والتصاريح بالتغييرات والإصلاحات، وكذا استغلال الوسائط التجارية واستغلال الأصل التجاري، فقد تم تسجيل بأن الفصل 14 من الاتفاقية يلزم المستغل بمسك سجلات المحطة وفق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، مع تقديم الوثائق المتعلقة بالمحاسبة إلى الجماعة مباشرة بعد حصر الحساب السنوي، مع حق الجماعة في مراقبة المعطيات المقدمة واتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة لضمان هذا الحق، ويتعين على المستغل توجيه تقرير كل ستة أشهر إلى الجماعة يتضمن المداخيل والنفقات، لكن كما تم تسجيل ذلك ، فإن الجماعة لم تعمل على تفعيل مقتضيات هذا الفصل، بل إنها لا تتوفر على تلك التقارير ولا علم لها بالمداخيل المحققة من طرف الشركة المستغلة، ولا علم لها أيضا بنفقات المحطة، بالرغم من المتأخرات المالية المتعلقة باتفاقية التدبير المسجلة على الشركة المسيرة، واستشهد تقرير المجلس الأعلى برسالة رد من رئيس الجماعة موجهة إلى مدير الشركة في شتنبر 2017، يتعلق بأداء مستحقات وواجبات استغلال المحطة الطرقية، وهو الرد الذي يفند فيه مزاعم الشركة بتكبدها للخسائر نتيجة منافسة المحطات العشوائية، إذ طالب الرئيس من خلال مراسلته بالإدلاء بالبيانات المفصلة للمداخيل في كل ستة أشهر حتى يتبين للجماعة معرفة وإثبات هذه الخسائر.

الشركة تستفرد بإبرام العقود

حددت الاتفاقية مابين الجماعة والشركة المستغلة، في فصلها 16 التزامات المستغل مع الغير والعقود التي يمكنه توقيعها معهم، وقد شكلت هذه النقطة ولا تزال أهم مشاكل المحطة الطرقية للمسافرين، فلقد خول هذا الفصل للمستغلة إبرام مختلف العقود والالتزامات مع الغير، وهو ما يفهم من منطوقه الذي أكد ” تنتهي جميع الالتزامات والعقود التي يبرمها المستغل مع الغير في ما يخص المرافق والمحلات التجارية والتجهيزات والوحدات والخدمات التابعة للمحطة أو أحد مرافقها بانتهاء عقد الاستغلال ” ، وبذلك يكون على المستغلة السهر على عدم تجاوز العقود والالتزامات التي تقوم بها في المدة الأصلية لعقد الاستغلال، لكن رغم ذلك انتهت مدة الاتفاقية دون فسخ العقود بقوة القانون ولم تتمكن الجماعة إلى حدود الآن من توقيع عقود جديدة .

المشاكل التي خلفها هذا النوع من التدبير

إن من بين المشاكل التي خلفها تدبير المحطة الطرقية عن طريق اتفاقية التدبير والاستغلال، تتمثل في عدم استخلاص الجماعة لواجبات استغلال المحطة الطرقية من طرف الشركة المستغلة، إذ يتضح من خلال المعطيات والمراسلات ما بين جماعة الدارالبيضاء وشركة الرضا، أن الأخيرة لم تقم بتسديد وتسوية ما تبقى في ذمتها من واجبات مالية، منذ سنة 2014 متعلقة بتدبير واستغلال المحطة الطرقية للمسافرين والمحددة في 600 مليون سنويا، وقد سبق للجماعة أن راسلت الشركة المستغلة منذ سنة 2015، بشأن متأخرات استغلالها للمحطة واستمرت المراسلات إلى غاية سنتي 2017 و2018، وبخصوص حلول انتهاء عقد استغلال المحطة، ذكرت الجماعة الشركة المستغلة بقرب نهاية العقد في أكتوبر 2018 ، وأبلغتها أنها لم تعد ترغب في تمديد هذا العقد، مطالبة إياها بالعمل على تسوية وضعيتها المالية ، خاصة وان المبالغ الباقي استخلاصها المترتبة عن هذا الاستغلال بلغت أزيد من مليار و800 مليون سنتيم، لكن الجماعة لم تذكر المبالغ المسجلة في المدة الفاصلة بين فاتح يناير و12 شتنبر من سنة 2013 .ليس فقط ان الجماعة سقطت في الهفوات المذكورة سابقا، بالرغم من ارتفاع الباقي استخلاصه الذي لم تتوصل به خزينتها، لم تلجأ للقضاء لتجاوز هذه الوضعية بل انحصر كل مجهودها في توجيه إشعارات للشركة المستغلة .

التدبير بواسطة شركة للتنمية المحلية

بعد انتهاء العقد ستلجأ الجماعة إلى شركة التنمية المحلية ” الدارالبيضاء للنقل ” لكي تدبر هذا المرفق، هذه الشركة لم تعمر سوى لستة أشهر لأن الجماعة أرادت فقط أن تملأ الفراغ الذي سيحصل عندما ستغادر الرضا، وكان على الشركة الجديدة من ضمن ما تكلفت به، إنجاز دراسات تقنية لإعادة تأهيل المحطة وإعداد دفتر التحملات المرتبط بطلب العروض لأشغال التأهيل، والإعلان عن طلب العروض وانتقاء المقاولات لإنجاز الأشغال والإشراف على تتبع الأشغال، وقد اتضح للمجلس الأعلى للحسابات من خلال فصول الاتفاقية، أنها حددت مجموعة من الالتزامات تهم جماعة الدارالبيضاء، لكن الأخيرة لم تنفذ بعضها، ومنها على سبيل المثال تغطية مصاريف الاتفاقية بحيث كان عليها تحويل ما قيمته 5 ملايين درهم دون احتساب الرسوم لفائدة الشركة الجديدة لكن الجماعة لم تف بذلك، كما أن الجماعة أحجمت عن إحداث لجنة للتتبع كما انها لم تقم بأي افتحاص سنوي لميزانية المحطة، الأنكى أنه تبين بأن الجماعة لم يسبق أن تتبعت كيفيات تدبير شركة الرضا للمحطة، وهذا ما تثبته المراسلات بين شركة التنمية المحلية الدارالبيضاء للنقل والجماعة، حيث كانت الشركة قد طالبت بمعطيات حول التدبير السابق، فراسلتها الجماعة برد بئيس تضمن لائحة أسماء المستخدمين وقائمة المحلات التجارية، مع لائحة تخص بعض المأذونيات ولم تمدها بأي وثيقة مالية أو تدبيرية .

التدبير المباشر

بدوره سيفشل مع هذه الجماعة، ففي البدء واجه معضلة كوفيد حيث تم إغلاق المحطة من سنة 2020 إلى سنة 2021 ، ومازالت المحطة تتخبط في المشاكل فالمحلات التجارية لا تؤدي أكريتها بسبب غياب مقرر جماعي، كما أن الجماعة اعتمدت قرارات رعناء، ففي سنة 2014 لم تدرج السومة الكرائية للمحلات داخل المحطة ضمن قرارها الجبائي وفي ما بعد رفعت من سومة الكراء، بنسب غير مقبولة بتاتا، تراوحت بين 700 في المئة و600 في المئة وأدنى نسبة كانت هي 62 في المئة، وكانت شركة التنمية المحلية قبل المرور إلى التدبير المباشر قد عجزت عن استخلاص الأكرية لأنها لا تتوفر على الصفة القانونية.

الخلاصة : عشوائية في عشوائية

كانت الجماعة قد اتفقت مع شركة التنمية المحلية ” الدارالبيضاء للنقل “، أن تمنحها الأخيرة في كل سنة ما قيمته 700.000.00 درهم وكانت هذه الشركة قد أدلت بالمبلغ الصافي الذي تحصلت عليه خلال فترة انتدابها، والذي بلغ3.829.497.00 إلا أن الجماعة وإلى حدود الآن لم تتحصل على ريال واحد .
اما بخصوص استغلال الماء والكهرباء داخل المحطة، والذي كانت مكلفة بتوزيعه شركة الرضا، فقد تجاوزت المبالغ غير المؤداة 1.112.453.00 على الجماعة تأديتها.


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 12/06/2024