هل سينجح التعليم بالتناوب في رأب الصدع بالمنظومة التربوية؟

ينتهي الأسدوس الأول من موسم دراسي استثنائي بكل المقاييس،في ظل الإجراءات الاحترازية التي واكبت تفشي الجائحة في العديد من دول العالم،وضمنها المغرب الذي بلور العديد من الخطوات الفعلية لإرساء نمط جديد من التعليم، اصطلح عليه” التعليم بالتناوب”، وهو نوع جديد من التعليم غير مسبوق يزاوج بين التعليم الحضوري والتعلم الذاتي في إطار توافقي وتكاملي ينشد التناغم والتناسق،وذلك باعتماد مقرر وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي رقم 20×029 الصادرة بتاريخ 28 غشت 2020 بشأن تنظيم الموسم الدراسي 2020/2021 في ظل جائحة كوفيد 19، وكذا المذكرة رقم(x20 041 ) الصادرة بتاريخ 01 شتنبر 2020، بشأن تنظيم حصص المراجعة والتثبيت في بداية الموسم الدراسي (2020/2021)، وغيرها من الأطر المرجعية المتعلقة بآليات التقويم وتنزيل برامج المراقبة المستمرة والتوجيهات التربوية المتعلقة بتدريس مختلف المواد الدراسية.
ينتهي هذا الفصل ومازال الغموض يكتنف سبل تنزيل المخطط الإجرائي لبلورة هذا النوع فعليا،لأن التلميذ الذي اعتاد تلقي 90 بالمئة من معارفه من ذخيرة الأستاذ المعرفية في جل المواد الدراسية حتى أن بعضهم حين يستعصي عليه استيعاب بعض المواد، يلجأ إلى أستاذ آخر لتلقي ساعات إضافية يعوض فيها ما فاته من مدارك، هذا التلميذ ما يزال حديث العهد بالتعلم الذاتي،لا يستوعب بعد أهميته في الظرفية الراهنة لبلوغ هدف التحصيل الدراسي، لذلك فالقلة القليلة هي من يعود إلى متطلبات الإعداد القبلي للدرس، أما في ما يتعلق بتثبيت بناء التعلمات بأنشطة تطبيقية للدروس المنجزة، فقد تركت الحرية للمتعلم في اكتساب المعرفة من قنوات عديدة كالدروس الرقمية المصورة والمواقع الإلكترونية المدرسية، والمراجع المحملة رقميا ،واتخذ هذا البعد الجديد في مقاربة الوسائط التعليمية ميزة الديموقراطية التي قد تساعد المتعلم على تطوير اتجاهات إيجابية نحو نفسه ونحو الخبرات ونحو زملائه في الصف،ومن ثمة قد يبرز مواهبه وينمي معارفه إن واظب على ترويض نفسه على ضرورة بحثه الذاتي عن المعرفة، وهو بحث قد يحمل إليه المتعة الممزوجة بالفائدة ،لأنه سيتعلم كيف يصطاد السمك، عوض تقديمه له جاهزا على طبق من ذهب دون أدنى عناء.
وفيما يلي نستعرض أهم إيجابيات التعليم بالتناوب التي سجلتها مختلف فئات الشغيلة التعليمية خلال النصف الأول من العام الدراسي نجملها فيما يلي:
– الفوج الدراسي بدل الفصل الدراسي، الذي أتاح للمدرس إمكانية الاشتغال في جو يطبعه الهدوء،ويخلو من الضجيج الذي يعد عائقا رئيسيا في عملية التواصل التربوي،فهو إما يعبر عن رفض للمحتوى المعرفي المقدم أو انعدام الرغبة في إعمال الجهد لاستيعابه،كما أن التخفيف من حدة ظاهرة الاكتظاظ التي وسمت الفصول الدراسية لسنوات عديدة،أتاح للمدرس إمكانية معرفة الفئة المستهدفة عن قرب، ومراقبة إنجازاتهم وتقويم تحصيلهم المعرفي، وتشخيص تعثرات الضعاف منهم(Diagnostique )،وقد مكن التباعد التلميذ من الاشتغال بتركيز أكثر لأن عناصر التشويش الخارجية انتفت،نظرا لغياب إزعاج الآخر أثناء الحوار والشرح.
– غياب ظاهرة الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية ،لأن إجراءات التباعد فرضت عددا محدودا من التلاميذ داخل كل قسم لا يتجاوز في الحد الأدنى 20 تلميذا، الأمر الذي مكن الأستاذ من التعرف على التلاميذ عن قرب ومعرفة إمكانياتهم المعرفية، والعمل على خلق حوافز تعليمية للفئة المدرسة،تتوخى تنمية القابلية للتعلم وتعزز دوافعه.
– التخفيف من حدة الإرهاق الذي كان يعانيه المدرس داخل الأقسام المكتظة،التي يتيه فيها هذا الأخير ما بين دور المنظم والمدبر لفضاء القسم،الذي يحرس على ضبط جماعة الفصل وجذب انتباههم إلى المحتوى المعرفي،فتتعدد مهامه وأدواره وتزداد أعباء عملية التدريس في ظل هذه الظروف.
– اشتغال التلميذ في فصول دراسية غير مكتظة وفر له إمكانية الاشتغال في هدوء والعمل على بناء معارفه، وتعزيز قدراته على الانصات والمواكبة دون إزعاج من الآخر، خاصة بعد عملية الجلوس الفردية داخل المقاعد الثنائية،إذ ترك المكان المجاور شاغرا، وهي عملية إعادة توزيع جديد للحيز الذي يشغله التلميذ داخل الفضاء المدرسي لم نعهدها قبل زمن كورونا.
– الفئة المستهدفة القليلة العدد قابلة للخضوع لبعض قوانين نظريات التعلم، وأبرزها التدريب عن طريق التكرار، ذلك أن تكرار الرابطة بين المثير والاستجابة يؤدي إلى تثبيت الرابطة وتقويتها ،و بالتالي يصبح التعلم أكثر رسوخا وهو ماركز عليه علم النفس التربوي مع تورندايك في قوانين وشروط التعلم الإجرائية لديه.
– تقديم تغذية راجعة داخل الحصة التعليمية للتلاميذ،عن طريق تعزيز المعارف المقدمة وتقويمها من خلال إجراءات التقويم التكويني و كذا المرحلي أثناء كل مرحلة جزئية من بناء الدرس، الشيء الذي أتاح إمكانية بناء تعلمات صائبة ودقيقة.
ولعل هذه الإيجابيات المعدودة لا تحجب رؤيتنا لبعض سلبيات تنزيل الإجراءات التطبيقية للتعليم بالتناوب، ففي الوقت الذي سارعت الوزارة الوصية إلى إصدار العديد من المذكرات الوزارية التي توضح نسبيا طريقة تفعيل هذا النوع من التعليم، غابت الندوات التربوية التي كان من المفترض الاشراف على إعدادها وتنسيق جدول أعمالها من طرف العديد من المؤطرين التربويين بحجة الظرفية الوبائية بالبلاد، مع العلم أنه كان بالإمكان والحالة هاته إطلاقها افتراضيا عبر منصات التواصل الاجتماعية، وإشراك كل الفاعلين التربويين في بلورة رؤية تطبيقية واضحة للمشروع التعليمي الحديث الولادة.
– التعليم بالتناوب يقتضي تحيين البرامج والمناهج الدراسية، والعمل على خلق توازن بين المحتوى المعرفي وزمن التحصيل الدراسي، وهو ما لم يحصل قط ،إذ تعذر على أغلب الأساتذة استكمال مجزوءات ووحدات المقرر المدرسي في ظل التفويج الذي خصم من الزمن الدراسي للتلميذ حصصا زمنية تكاد تقارب نصف الحصص المدرسة خلال فترات التدريس السابقة.
– التقويم الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالمحتوى المعرفي المقدم، بات هو الآخر لا جدوى منه إذا لم يرتبط بالتقييم الذي يهدف أساسا إلى تصحيح الثغرات ودعم التعثرات، إذ أصبح مرتبطا بنقطة عددية يطالب الأستاذ في كل حين بملء خانات برنامج مسار بها، حسب عدد الفروض المحددة إجرائيا بالنسبة لكل مادة، الأمر الذي دفع بعض أساتذة المواد (اللغة الفرنسية مثلا)، إلى إجراء فروض متتالية تشتمل على نفس الدروس المدرسة، أمر لا نرى الجدوى منه مادام غير متبوع بتصحيح يُقوِّم جوانب النقص لدى التلميذ.وهو الأمر الذي جعل بعض التلاميذ يحصلون على نفس النقطة في فروض المراقبة المستمرة، وهكذا تعذرت عملية تتبع المسار التدرجي لمستويات التلاميذ ومعرفة مدى تطوره من عدمه.
– غياب التفعيل الإجرائي للأقسام الافتراضية،التي تساهم في مراقبة وتقويم مختلف أنواع الأنشطة التعليمية التي يقوم التلاميذ بإجرائها في إطار التعلم الذاتي، ويرجع ذلك إلى صعوبة ربط مختلف الفئات التعليمية بشبكات الأنترنيت ،إما لتعذر وصل التغطية خاصة لمن يقطنون بالعالم القروي وبعض المناطق غير المزودة بشبكات الاتصال،أو لعدم قدرة الآباء المادية على توفيره بوصفه حاجة ضرورية للتعلم في العصر الحالي، إذ ما تزال نظرة معظمهم تقليدية للوسائل التعليمية التي تجاوزت الكتاب والدفتر لتصل إلى الهاتف واللوحة الإلكترونية والحاسوب المحمول.
– غياب الوعي الشامل بخصوصية المرحلة التعليمية التي يعيشها العالم وبالطفرة النوعية في مفهوم التلقين لدى آباء وأولياء التلاميذ،إذ مازالت المدرسة في نظرهم محكومة بفضاء مكاني يتوجب على التلميذ ولوجه يوميا لتلقي المعرفة، وهو ما غير معالمه التعليم الرقمي،لأن الإحداثيات الجغرافية لم تعد عائقا في التعلم مادامت المعارف متاحة للجميع في مختلف المواقع التعليمية الإلكترونية، حتى إننا أضحينا نتحدث عن تطبيقات تعليمية، وعن دروس افتراضية خاصة،وعن جامعات ذكية افتراضية يتم التسجيل فيها وحضور مختلف الحصص الدراسية بموجب رسوم مالية تختلف حسب التخصصات المطلوبة، ومن ثم اعتبرت الحوافز الذاتية للتعلم هي المحرك الرئيسي الفاعل الذي يجب العمل على تنميته وغرس بذوره الأولى في صفوف الجيل الحالي، الذي عليه استثمار كل ما هو رقمي في تنمية قدراته وصقل تجاربه، وبناء معارفه.


الكاتب : ميلودة عكرودي

  

بتاريخ : 11/02/2021

أخبار مرتبطة

وفد كبير وغير مسبوق يرافق إيمانويل ماكرون وحرمه، وأجندة حافلة نحو تعزيز شراكة استثنائية بأفق واعد     يحل اليوم

تعد الزيارة المقبلة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب محطة مهمة في تعزيز العلاقات الثنائية بين هاتين الدولتين اللتين تربطهما

عبد الرحيم شهيد: حكومتكم هي الأضعف على مستوى خلق مناصب الشغل، بل هي الأكثر إنتاجا للبطالة في السنوات الأخيرة  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *