هل كانت الحرب بأفغانستان خطأ سياسيا وعسكريا؟

الاشكال الجديدة للصراع مثل ما يحدث بافغانستان أو ببلدان الساحل ليست ناتجة عن التنافس الدولي أو موازين القوة، بل عن الضغوط القادمة من المجتمع المحلي ومن معانات المواطنين، ومن انحلال نسيجهم، والزج بهم في عولمة عنيفة ليس للفاعلين المحليين أي تأثير عليها، مما يفرض التعامل مع هذه التحديات الجديدة بطريقة مختلفة، بغاية إيجاد تدبير الازمات القائمة. فلم تعد القوة العسكرية او التنافس بين القوى الكبرى هي المحدد في حل الازمات.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تتبع القوى الكبرى اقتراحات من يفكرون في طرق تجنب الأزمات، ام ان القوة الخشنة سوف تبقى هي المحرك الأساسي للقوى العالمي؟

 

 هل كانت الحرب على أفغانستان خطأ سياسيا وعسكريا في الوقت نفسه؟

هذا السؤال أصبح مشروعا بعد الانسحاب الأمريكي في منتصف غشت الأخير من كابول بالطريقة والسرعة التي تم بها. إذ ترك البلد غير قادر على توفير أي شيء لسكانه، سواء الأمن أو الغداء رغم عقدين من تواجد التحالف الأمريكي.
فبعد الانسحاب الأمريكي لم يبق جيش أو شرطة أو دولة رغم الملايير التي صرفتها واشنطن والحلفاء على هذا البلد لوضع أسس دولة. إذ لا نرى اليوم إلا الفوضى. كما أن طالبان التي هُزمت مند عشرين سنة، جاءت لتتسلم الحكم على طبق بارد، دون باقي مكونات الشعب الافغاني. ويبقى السؤال هو: ماذا ستقدم هذه الحركة الرجعية لسكان هذا البلد عدا حرمان النساء من العمل ومطالبتهم بالبقاء في منازلهم ومنعهم من الحياة العامة؟
لن ندخل في خلفيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وقبله الانسحاب من العراق بسبب التحول في الإستراتيجية الأميركية ونقل الثقل العسكري نحو المحيطين الهادي والهندي من أجل محاصرة الصين ودعم حلفائها في المنطقة.
عن هذا الفشل في أفغانستان يقول وزير الدفاع الفرنسي السابق هنري موران (2007-2010) في منتدى السلام بمنطقة النورماندي في بداية شهر اكتوبر، والذي كانت قوات بلده تشارك في هذا الحلف:
«عندما نخطئ النموذج، وعندما نعتقد أن القوة النارية والقوة العسكرية هي التي تجعل من الممكن بناء نموذج من الاستقرار والأمن. ذلك أن الاعتقاد بأن القوة الخشنة هي التي تجعل من الممكن بناء دولة بأمان هو أمر خاطئ، ويفتقر إلى التواضع.
في النهاية، إذا نظرنا إلى الثلاثين عامًا الماضية، فقد تدخلنا في بلدان مختلفة، دائمًا، بهذا النموذج.

 فهل مكنت القوة المسلحة والقوة العسكرية من بناء هيكل دولة في سلام وأمن وفي كل مرة؟

لقد كنا مخطئين. لقد ارتكبنا خطأ في العراق، لقد ارتكبنا خطأ في أفغانستان ويمكنني بالفعل أن أكتب لك في نهاية الأمر، سنكون مخطئين في مالي بنفس الطريقة، لأننا في كل مرة لم نتمكن من بناء تاريخ و نموذج ديمقراطي، أو على الأقل سيادة القانون. حتى لو لم تكن الأسباب هي نفسها، فإن نفس المأزق سيؤدي في النهاية إلى نفس الوضع، أي الانهيار الكامل وانسحاب القوات الأوروبي ، أو هنا القوات الفرنسية في الأساس، في مالي».
هذا النقد القوي لتدخل الغرب في عدة مناطق من العالم في العقود الثلاثة الاخيرة يحمل المسؤولية للتدخل العسكري، وينعته بالنموذج الفاشل، وبأنه أدى إلى نتائج عكسية.
لقد أعطى وزير الدفاع الفرنسي الفرنسي مثالين لهذا الفشل، ذلك أن الوضع كما نراه اليوم بأفغانستان هو الذي ما زال سائدا في العراق. حيث لم ينجح التحالف الغربي في بناء دولة تحتكم إلى القانون والمؤسسات. ذلك أن نسخ النموذج الغربي الذي نشأ في ظروف جد خاصة، وتطلب وقتا طويلا ليتم استنساخه بسرعة وبقوة السلاح، أمر غير ممكن، بل إن الوزير الفرنسي يذهب أبعد من ذلك، حين لم يتردد في التنبؤ بالفشل نفسه بالنسبة للتدخل الفرنسي في مالي، وهو تدخل بدأ يتجه نحو الباب المسدود، بعد إعلان فرنسا قرب سحب جنودها، بالإضافة إلى تعاظم الخلافات مع حكام باماكو وذلك دون الوصول إلى الاهداف المسطرة لهذا التدخل وهو القضاء على الحركات المسلحة والجهادية وبناء مؤسسات لدولة تكون قادرة بنفسها على مواجهة هذه الوضعية السياسية والأمنية بعد انسحاب القوات الفرنسية والأوربية منها.
طبعا، هذا الفشل في التدخلات الغربية والأمريكية على الخصوص يطرح عددا كبيرا من المشاكل، ويتسبب في كوارث سياسية واجتماعية وأمنية في هذه المجتمعات التي تعرضت للتدخل، بل يجعلها أحيانا عاجزة عن إعادة بناء ذاتها لاعتمادها مند عقود على التدخل الأجنبي وإمدادته على جميع المستويات، مما يؤدي إلى خلق نخب مرتشية ومرتبطة بالخارج، وعاجزة عن إيجاد حلول ذاتية لمشاكلها المحلية والمجتمعية.
كان هذا التدخل الأجنبي في أفغانستان هو محور النقاش في المنتدى العالمي للسلام في منطقة النورماندي الذي نظم في بداية شهر أكتوبر، بمشاركة العديد من الفاعلين الدوليين، والجامعيين، والخبراء وممثلي بعض المنظمات الأممية والمنظمات غير الحكومية لنقاش حول قضايا السلم بالعالم، والقضايا الكبرى التي تشغله.
لقد تم هذه السنة اختيار الأزمة الأفغانية التي شغلت العالم مند الانسحاب الأمريكي بعد عقدين من التواجد العسكري لتكون موضوعا لنقاش، ما أعطى لهذا اللقاء طعما خاصا، ذلك أن هذا المنتدى يعقد في منطقة النورماندي التي شهدت شواطئها إنزال جيوش الحلفاء 6 يونيو 1944 ونهاية أكبر حرب عالمية.
هذا اللقاء الذي جعل الحديث عن الأزمة الأفغانية في صلب النقاش الذي شهده هذا المنتدى، كما عقدت أيضا أوراش و لقاءات أخرى كانت حول الأزمة الليبية، وحول الحرب باليمن، وكذلك الوضع بمالي ومنطقة الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء.

 أهمية هذا اللقاء هو مشاركة فاعلين من مختلف المشارب من أجل الحديث عن هذه الأزمات التي يعرفها العالم والنزاعات المسلحة، وطرح السؤال هل القوة المسلحة والعسكرية دائما هي الحل الوحيد لعدد من الأزمات التي يعرفها العالم؟

أحد اهم الباحثين الفرنسيين في العلوم السياسية بيرتران بادي من جامعة السوربون وأحد المساهمين الأساسيين في هذا المنتدى، دافع في هذا اللقاء عن اطروحة «ضعف القوة» حيث أن القوة العسكرية تجد نفسها أحيانا ضعيفة أمام مواجهة العديد من الأزمات، بل إن هذه القوة يهزمها الضعفاء اليوم، وذلك يعود في نظره لعدة اعتبارات أساسية ذات طابع اجتماعي ومحلي، ذلك أن مفهوم القوة اليوم أصبح مركبا.
ودافع المتحدث عن أطروحة «الأمن الشامل»، ذلك أن التهديدات أصبحت مختلفة من قبيل «انعدام الأمن الغذائي، التقلبات المناخية، والتهديد الذي تشكله الأوبئة على الصحة العامة. وان الحروب لم تعد بين الدول بل ان الحروب تتم اليوم داخل نفس الدولة.وحول أسباب فشل الحرب بافغانستان يقول بيتران بادي» إن القوة التي نظمت العالم مند قرون لم تعد هي العامل الذي يتحكم فيه، بل أصبحت العوامل الاجتماعية في تعقيداتها هي التي تأخذ الريادة بشكل متزايد على العوامل السياسية أو الإستراتيجية، كما أنها هي التي أخذت مكانة لخلق دينامية جديدة.
إن هذه الاشكال الجديدة للصراع مثل ما يحدث بافغانستان أو ببلدان الساحل ليست ناتجة عن التنافس الدولي أو موازين القوة، بل عن الضغوط القادمة من المجتمع المحلي ومن معانات المواطنين، ومن انحلال نسيجهم، والزج بهم في عولمة عنيفة ليس للفاعلين المحليين أي تأثير عليها.
لهذا يرى بيرتران بادي امام هذه التحديات الجديدة في وجه الإنسانية، يرى انه لا بد من التفكير بطريقة مختلفة. وإيجاد طرق مختلفة لتدبير الازمات حيث لم تعد القوة العسكرية او التنافس بين القوى الكبرى هي المحدد في حل الازمات.
طبعا السؤال الذي يطرح نفسه، هل تتبع القوى الكبرى اقتراحات من يفكرون في طرق تجنب الازمات، ام ان القوة الخشنة سوف تبقى هي المحرك الأساسي للقوى العالمية، ولنا في الازمة الاميركية الصينية مثال على ىالاستمرار في نهج الحلول القديمة، بعد ان اختارت الولايات المتحدة تقوية وجودها العسكري في المحيطين الهندي والهادي، وفشل سياسة القوة العسكرية سواء في العراق او أفغانستان لم تدفع هذه القوة تغيير رؤيتها في طريقة تدبير الازمات.


الكاتب : يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 13/10/2021