يصمم الرئيس المنتخب إيمانويل ماكرون على الحصول على أغلبية تشريعية في السنوات الخمس المقبلة، حتى في الأحياء الشعبية التي يقطنها سكان من أصل مهاجر، والتي صوتت ب50 في المائة أو أكثر لصالح جون لوك ميلونشون، الذي طالب الفرنسيين، هو الآخر، بمنحه الأغلبية في البرلمان ليصبح وزيرا أول في تعايش سياسي مع الرئيس .
وتعرض الرئيس المنتخب في أول جولة انتخابية له بعد النجاح، في سيرجي بونتواز، ضاحية غرب باريس، للرشق بالطماطم الكرزية، وهو ما خلق حالة توتر أمنية ودفع حرسه إلى فتح المظلة الأمنية، لكن أغلب هذه الجولة مر في هدوء، حسب الإعلاميين الذين رافقوا الرئيس، مؤكدين أن التوتر حصل نتيجة تدافع الحشود من أجل الاقتراب منه.
منذ تأسيس الجمهورية الخامسة سنة 1958، درجت التقاليد السياسية بفرنسا على أن يمنح الفرنسيون الأغلبية للرئيس المنتخب، مع استثناءين حين فرضوا عليه التعايش مع أغلبية من المعارضة، المرة الأولى إبان حقبة ميتران وكان جاك شيراك هو الوزير الأول، وفي المرة الثانية كان شيراك هو الرئيس وكان الوزير الأول هو الاشتراكي ليونيل جوسبان، مناسبة هذا الكلام، هي نتيجة الانتخابات الرئاسية والنسبة الكبيرة من العزوف التي وصلت الثلث، والرقم الكبير من الأصوات الذي حققته ممثلة اليمين المتطرف مارين لوبن والتي صوت عليها 13 مليون فرنسي، أي 41 في المائة من الناخبين. والتصويت على الرئيس المنتخب إيمانويل ماكرون لم يكن تصويتا على برنامجه بل هو تصويت لمنع اليمين المتطرف من دخول قصر الإليزيه، وهو واع بهذه الوضعية، فعندما توجه إلى أنصاره للاحتفال بالفوز في خطاب أمام برج إيفل في باريس ذكرهم بذلك: «أعلم أن عددا من مواطنينا صوتوا لي اليوم، ليس دعما للأفكار التي أحملها بل للوقوف في وجه اليمين المتطرف»، مضيفا «هذا التصويت يلزمني للأعوام المقبلة»، وأضاف «منذ هذه اللحظة، لم أعد رئيس فريق، إنما رئيس الجميع»، وهو ما يعني أن عمله لن يقتصر فقط على إرضاء ناخبيه وناخبي اليسار والخضر الذين صوتوا عليه، بل عليه أيضا أن يأخذ بعين الاعتبار المحتجين من الناخبين الذين صوتوا على اليمين المتطرف في المدن الصغيرة أو في المناطق التي عرفت نكبة صناعية بفرنسا سواء بالشمال أو الشمال الشرقي بالإضافة إلى جزر ما وراء البحار، التي كانت عادة تصوت على اليسار، لكنها منحت أصواتها،هذه المرة، لمرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن، حيث تقدمت على الرئيس حتى في الدور الثاني في هذه المناطق. وتوجه الرئيس المنتخب لهذه الفئة بالقول إن «الغضب والاختلاف في الرأي اللذين قادا للتصويت لليمين المتطرف، يجب أن يجدا أجوبة. هذه مسؤوليتي ومسؤولية المحيطين بي».
اليوم، يبحث الرئيس عن وزير أول لديه القدرة على التواصل مع كل هؤلاء الغاضبين عليه من اليسار والخضر واليمين المتطرف، وذلك من أجل خلق أجواء تمكنه من الحصول على الأغلبية في الانتخابات التشريعية التي سوف تتم في شهر يونيو المقبل.
في باريس بدأت الإشاعات حول الشخصية التي يمكنها أن تحمل هذه المواصفات، ويتم تداول أسماء شخصيات عدة ذات سمات مختلفة، من وزيرة العمل الحالية إليزابيت بورن إلى وزير الاقتصاد برونو لومير وكريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، أو كاترين فوتران وزيرة سابقة لجاك شيراك، أو ناتالي كوسيسكو موريزيت، وزيرة سابقة لساركوزي، وكذلك عمدة باريس السابق الاشتراكي بيرترون دولانوي، وهو المؤهل في نظري باعتباره من الاشتراكيين الاجتماعيين، ويمكنه التجاوب مع تطلعات الأحياء الشعبية والمناطق المهمشة، التي وجدت في البرنامج الاجتماعي لليمين المتطرف واليسار الراديكالي ضالتها، لكن الرئيس المنتخب، كما هو معروف عليه، يفضل أن يفاجئ، وكل ما تم تداول اسم لن تكون له حظوظ، ففي سنة 2017 عين وزيرا أول، إيدوارد فيليب، وهو شخصية سياسية لم يكن أحد يتوقعها في الأوساط الباريسية، وهو نفس الاختيار لشخصية الوزير الأول المستقيل جون كاستيكس.
هذا الاختيار سيكون مهما جدا لبناء أغلبية قوية في الانتخابات التشريعية لشهر يونيو، خصوصا أنه سيواجه خصوما مصممين على الانتقام وجعل هذا الاقتراع بمثابة «جولة ثالثة» للانتخابات الرئاسية، وحتى فرض حكومة يقودها غير حزب الرئيس، وهو مشروع الخصمين الأساسيين للرئيس مارين لوبن وزعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون، الذي حل في المركز الثالث في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية.
من جانبها اعتبرت لوبن أن ما حصدته من أصوات في الانتخابات الرئاسية يشكل «انتصارا مدويا». ووعدت بـ»مواصلة» مسيرتها السياسية، مؤكدة أنها «لن تتخلى أبدا» عن الفرنسيين. وقالت «نطلق … المعركة الانتخابية التشريعية الكبيرة»، وهو ما لقي تجاوبا وسط مناصريها، وفعلا بدأ هذا الحزب حملته للانتخابات التشريعية يوم الأربعاء من الجنوب ومن مدينة فريجيس بالتحديد، والتي حققت فيها لوبين أرقاما تجاوزت 50 في المائة من المصوتين حتى في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية.
أما جان لوك ميلانشون، الذي أصبحت حركته أقوى تنظيم لليسار بعد انهيار وتراجع الحزب الاشتراكي وحزب الخضر، فطالب الفرنسيين «بتعيينه وزيرا أول» بمعنى منحه أغلبية بالبرلمان من أجل قيادة حكومة تعايش مع إيمانييل ماكرون. ولتحقيق هذا الهدف، اقترح أن يكون قاطرة اليسار في الانتخابات التشريعية، ونجح في اللقاء مع الحزب الاشتراكي من أجل تذويب المخاوف وتقريب وجهات النظر في عدد من القضايا، تهم التقاعد، الطاقة النووية، والسياسة البيئية. وهذه الأحزاب اليسارية رغم خلافاتها الكبرى، تحاول تقديم ترشيحات مشتركة في الانتخابات التشريعية المقبلة لأن مطلب ناخبي اليسار هو الوحدة، وهذا ما عكسته مختلف الاستطلاعات.
وبالنسبة للأحزاب التقليدية مثل حزب الجمهوريين والحزب الاشتراكي اللذين تكبدا فشلا ذريعا في الانتخابات الرئاسية، فإن الطموح هو مقاومة جاذبية مشروع ماكرون الذي يقوم باستقطاب نخبها والزخم الذي يشهده اليمين واليسار الراديكاليان، وإذا اختار الحزب الاشتراكي فتح النقاش حول وحدة اليسار، فإن حزب الجمهوريين ممثل اليمين اختار التقدم لوحده في هذه الانتخابات لكن العديد من أعضائه اختاروا الالتحاق بحركة الرئيس المنتخب.
خلال الانتخابات التشريعية في 2017، والتي شهدت نسبة قياسية للامتناع عن التصويت (57,36 بالمئة) و»تصفية» الأحزاب التاريخية، حصل إيمانويل ماكرون على أغلبية مطلقة وأدخل عددا كبيرا من النواب الجدد إلى الجمعية الوطنية، فهل يتكرر نفس السيناريو في هذه الانتخابات أم أن الفرنسيين سوف يفرضون تعايشا سياسيا على الرئيس المنتخب؟
استطلاعان للرأي بعد الانتخابات الرئاسية بينا أن غالبية الفرنسيين لا يرغبون في فوز حزب ماكرون في الانتخابات التشريعية، وهو ما جعل القلق يساور فريق الرئيس الذي أصبح يسابق الزمن من أجل إيجاد وزير أول وتحالفات لنيل أغلبية تشريعية، وهو تحد سوف يقوده إلى النزول إلى الميدان والاستماع إلى الفرنسيين الغاضبين من حصيلته في السنوات الخمس الماضية.