هل يستمر تأزم العلاقات ما بين أنقرة وبروكسيل حول الهجرة؟

 

بعد اتهام بروكسيل لتركيا باستغلال الهجرة واللجوء من أجل ابتزازها على خلفية الأزمة الإنسانية الخطيرة بأدلب وقرار أنقرة بفتح حدودها مع اليونان أمام المهاجرين، طالب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي بتقديم «دعم ملموس» في النزاع في سوريا، وذلك خلال زيارة لبروكسل الاثنين سبقتها انتقادات لتركيا على خلفية اتهامها بالتسبب بأزمة هجرة جديدة.
وأعرب إردوغان عن أمله في أن يبذل حلفاؤه الغربيون مزيدا من الجهود لمساعدة تركيا في النزاع في سوريا والتعامل مع ملايين اللاجئين الهاربين من المعارك.
وجاءت زيارة إردوغان لعاصمة الاتحاد الأوروبي بعد توقف الأزمة مع روسيا و بعد قراره فتح حدود تركيا أمام عبور المهاجرين واللاجئين الموجودين ضمن أراضيها.»ويوجد اليوم في الحدود بين البلدين آلاف المهاجرين الساعين لدخول أراضي الاتحاد الأوربي. واستعمل الرئيس التركي ملف الهجرة من أجل الضغط عى حلفائه ومطالبتهم بدعمهم في الملف السوري. وفي لقائه مع الأمين العام للحلف طالب بدعم سريع.
اما رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين فطالبا تركيا بوضع حد لتدفق اللاجئين والمهاجرين والتفاوض على اتفاق جديد تبذل بموجبه دول الاتحاد الأوروبي مزيدا من الجهود لتحسين الأوضاع الإنسانية عند الحدود السورية. ويبدو أن ما أزعج تركيا، هو الدعم الكبير الذي قدمته بلدان الاتحاد إلى اليونان الذي تلقى من بروكسل 700 مليون يورو لتعزيز الأمن عند الحدود ومواجهة موجة الهجرة المتدفقة من الحدود التركية.وتؤاخذ أنقرة على حلفائها تحميلها المسؤولية وحدها حول تحمل هذه الهجرة غير النظامية.
ومنذ إعلانها فتح الحدود قبل أسبوع، تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين نحوالحدود بين البلدين، وهو أمر يخالف الاتفاق الذي تم بين تركيا وبلدان الاتحاد في مارس 2016 الذي يفرض على تركيا الاحتفاظ بالمهاجرين مقابل مساعدات وصلت حسب الاتحاد إلى 6 ملايين يورو. ووافقت أنقرة على احتواء هذا التدفق القادم من سوريا على الخصوص.
لكن أنقرة اليوم، تعتبرأن ما حصلت عليه من المساعدات غير كاف لتغطية تكلفة 4 ملايين مهاجر ولاجئ، أغلبهم سوريون، تستقبلهم تركيا فوق أراضيها.
وقد اتفقت بلدان الاتحاد على استقبال عدد من الأطفال العالقين باليونان والذين يتجاوز عددهم أكثر من 5000 طفل، ووصل في الأيام الأخيرة إلىحوالي 1700 مهاجر إلى الجزر اليونانية التي تضم حوالي 38 ألف شخص يعيشون في مخيمات مكتظة في ظروف جد مزرية.
وتتخوف بلدان الاتحاد من نزوح جديد بعد الأزمة الانسانية الأخيرة بادلب، والتي تسببت في جلاء أكثر من مليون شخص من ديارهم، وتكرر أزمة 2015 التي أدت إلى نزوح أكثر من مليون لاجئ ومهاجر نحو أوربا، وتسببت في أزمة أوربية حول تدبير الهجرة، وكذلك في تصاعد قوة الأحزاب الشعبوية بأغلب البلدان الاوربية سواء بفرنسا أو ألمانيا أو ايطاليا حيث شارك اليمين المتطرف في حكومة ائتلاف. وبدأت حدة الضغط تخف عن اليونان بعد أن منعت تركيا ولوج بحر إيجا من طرف المهاجرين واللاجئين الذين يصلون عبره إلى الأراضي اليونانية.
في تعاملهم مع الأتراك، يحاول الأوربيون رفض الابتزاز حول ملف الهجرة، لكن في نفس الوقت يتركون الباب مفتوحا للحوار مع جارتها الصعبة والمتقلبة. تركيا من جهتها، تريد دعما سياسيا وماليا وكذلك عسكريا من الحلف الأطلسي من أجل مواجهة الضغط الروسي في سوريا، بعد أن تحول تحالفها إلى مواجهة دامية في الأيام الأخيرة، راح ضحيتها العشرات من الجنود الأتراك وعدد كبير من السوريين خاصة وسط اللاجئين بمنطقة ادلب، والتهديد برحيل مليون شخص تقريبا نحو تركيا وبعدها نحو أوربا. فهل يصل الجانبان إلى حل هذه الأزمة أم أن ما يحدث هو مجرد الهدوء الذي يسبق العاصفة. المستشارة الالمانية التي كانت مهندسة الاتفاق مع طيب اردوغان ستزور أنقرة في اقرب وقت، وهو نفس الموقف الذي اتخذه الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون من أجل إيجاد حل للقضايا العالقة وإيجاد خارطة طريق، وحسب التسريبات القادمة من بروكسيل، يمكن أن نفرج عن مساعدات بقيمة 500 ملين يورو التي لم تتلاقها تركيا بعد، كما أنها ترغب في مشاركة أوربا في إعادة بناء منطقة ادلب، وهو طلب تعتبره بروكسيل لم يحن وقته بعد، وهو إيجاد حل للأزمة السورية وإيجاد مخرج سياسي لها. وهو الهدف الذي يعتبر بعيد المدى.


الكاتب : باريس يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 12/03/2020