«سيتعين علينا معا إيجاد طريقة جديدة للحكم والتشريع» هذا القول توجه به إيمانويل ماكرون إلى الفرنسيين بعد أن فقد الأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ووصول أكبر كتلة لليمين المتطرف في الجمهورية الخامسة الى قبة البرلمان (89 نائبا). هذا القول له دلالات كثيرة في بلد تعود فيه الرئيس على أغلبية مطلقة، تتيح له الحكم كما يشاء خاصة الرئيس الحالي الذي « تتهمه المعارضة بأنه مارس السلطة بشكل عمودي في بلد اجتاز عدة أزمات أخطرها الأزمة الاجتماعية للسترات الصفراء»، بل كان يطلق عليه اسم جيبتير وذلك للسلطات التي كان يتمتع بها مثل إله الإغريق الذي كان يحمل نفس اللقب.
في هذه الظروف وبعد استقباله لرؤساء المعارضة، جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ثقته في رئيسة الوزراء إليزابيث بورن وكلفها بالبحث عن أغلبية لحكومتها بعد أن خسر الحزب الرئاسي أغلبيته المطلقة في البرلمان إثر الانتخابات التشريعية في 19يونيو.
وتقوم رئيسة الحكومة بالتشاور وسبر آراء المجموعات السياسية في الجمعية الوطنية الأسبوع المقبل في شأن «اتفاق حكومي» وإمكان مشاركة هذه المجموعات في الحكومة، وموقفها من التصويت على منح الثقة لبورن في 5 يوليوز المقبل، وكذلك بشأن التصويت على موازنة الدولة في الخريف المقبل.
وتقوم بورن بهذه المشاورات في الوقت الذي يوجد فيه الرئيس خارج فرنسا من أجل المشاركة في عدد من اللقاءات الدولية، سواء مشاركته في المجلس الأوروبي ومجموعة السبعة، وصولا الى قمة حلف شمال الأطلسي. بعد هذه الرحلة الدولية الطويلة، يريد أن تقدم له رئيسة الوزراء مقترحات لخارطة طريق لحكومة فرنسا المقبلة وتشكيلها في الأيام الأولى من يوليوز، والتي سوف تنضم إليها القوى السياسية المستعدة للتعاون مع الأغلبية.
ويسعى الرئيس الفرنسي الى إيجاد حلفاء داخل الجمعية الوطنية من أجل الحكم، بعد أن عبر رفضه لفكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية يعتبرها «غير مبررة حتى الآن» للخروج من الأزمة التي أعقبت الانتخابات التشريعية، معلنا أن المعارضة أعربت عن استعدادها للعمل مع حكومته بشأن «مواضيع رئيسية»، وعبر عن استعداده للعمل مع كل القوى السياسية بالبرلمان، لكنه استبعد إمكانية التوصل إلى أي اتفاق مع التجمع الوطني الذي يمثل أقصى اليمين أو مع حزب «فرنسا الأبية» بزعامة جون لوك ميلانشون.
وحول هذا الوضع توجه الرئيس الى الفرنسيين بالقول «إنهم مستعدون للتعاون حول مواضيع رئيسية» مثل كلفة المعيشة والوظائف والطاقة والمناخ والصحة. ودعا الرئيس الفرنسي أحزاب المعارضة إلى «التوضيح بشفافية تامة خلال الأيام المقبلة، إلى أي مدى هي على استعداد للذهاب في دعمها لإجراءات، قال إنها لن تمول من خلال رفع الضرائب. وهي إشارة الى رغبة الرئيس في بناء تحالفات مؤقتة داخل البرلمان حسب المواضيع المطروحة أمام البرلمان.
وأضاف ماكرون أنه بعد مشاوراته مع قادة كل الأحزاب السياسية» «أعرب الجميع عن احترامهم لمؤسساتنا ورغبتهم في تجنب العرقلة داخل الجمعية الوطنية».
وحول إيجاد تحالف منأجل تشكيل حكومة وتوفير أغلبية لها داخل البرلمان، تطرح عدة تساؤلات حول هذه الإمكانية في بلد تعود الرئيس على التوفر على أغلبية بالبرلمان، وتعاقُب حكومات كانت دائما تتوفر على سند داخل البرلمان.
عدم وجود أغلبية بفرنسا لصالح الحكومة، هو وضع جديد لم يتعود عليه الفرنسيون، لأن الجمهورية الخامسة، منذ تأسيسها من طرف دوغول، كان هدفها تحقيق أغلبية مطلقة لرئيس الجمهورية الذي ينتخب بالاقتراع المباشر. وكان هدف الجنرال الفرنسي هو توفير أغلبية قادرة على الحكم بعد أن رأى كيف كان البرلمان في الجمهورية الرابعة قويا، وكان يلزم الرئيس على تشكيل تحالفات من أجل قيادة البلاد واتخاد أي قرار.
اليوم يبدو أن هذه القاعدة، أي توفير أغلبية سياسية ، لم يعد يوفرها هذا النظام الدستوري للجمهورية الخامسة. وبهذا التحول سوف تصبح فرنسا مثل إيطاليا، بلجيكا، ألمانيا وإسبانيا، حيث يتم التفاوض بالبرلمان من أجل إيجاد أغلبية.
فهل يجد الفرنسيون طريقة جديدة للحكم والتشريع، أم أن الرئيس سوف يختار حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة؟ لكن هذا الاختيار هو كذلك محفوف بالمخاطر، لأنه سيفرض عليه الاستقالة من رئاسة الجمهورية إذا لم يمنحه الفرنسيون الأغلبية.
هل ينجح ماكرون في إيجاد طريقة جديدة لحكم فرنسا؟
الكاتب : باريس يوسف لهلالي
بتاريخ : 29/06/2022