هناك ضرورة لإحداث مديرية خاصة مركزيا لتعزيز جهود الارتقاء بالصحة النفسية

يلتقي التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات في الشقّ المتعلق بالصحة النفسية والعقلية مع تقارير سابقة، من قبيل تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان في 2012، وكذا تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وذلك في نقطة مشتركة تتمثل في التأخر الذي يعرفه هذا المجال الطبي بشكل كبير، وذلك لعدة أسباب أبرزها السبب البنيوي، وبالتالي فإن القرارات اللحظية والظرفية أو التي تكون تحت الضغط هي غير مفيدة بشكل مطلق.
هناك نقص مهول على صعيد البنية التحتية لأنه لا تتم تغطية جميع الجهات، وهناك جهات تعاني من خصاص كبير على مستوى عدد المصالح المختصة في علاج الأمراض النفسية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التوجه العالمي، وبناء على توجيهات منظمة الصحة العالمية في هذا الباب، يتم يتبنى تشييد وحدات ومصالح تضم ما بين 20 و 30 سريرا في كل مستشفى، لأن هذه الوحدات تمكّن من تفادي الوقوع في الوصم والتمييز، وبالتالي يتم التعامل مع المرضى كغيرهم من المصابين بأمراض عضوية الذين يتابعون العلاج في نفس المؤسسة الصحية على مستوى مصالح أخرى.
لقد أصبح بناء مستشفيات خاصة بالصحة النفسية والعقلية أمرا متجاوزا وغير مرغوب فيه لعدة أسباب، منها ما يتعلق بالوصم والتمييز إلى جانب كلفتها الباهظة بشريا وماديا، وعليه فنحن نحتاج اليوم إلى وحدات في جميع المستشفيات، منها المختصة في الطب النفسي عند الصغار، وأخرى خاصة بالكبار، إضافة إلى وحدات للمدمنين، مع ضرورة التفكير في وحدات خاصة بالمسنين، بالنظر لأننا في فترة انتقالية تعرف ارتفاعا في أمد الحياة، مع ما يعني ذلك من ظهور لأمراض مرتبطة بفترة الشيخوخة ومنها حالات تتعلق بالصحة النفسية، إذ بدأنا نرى حالات لمسنين تتطلب الاستشفاء، إلا أنه وبكل أسف لا نتوفر على أماكن لذلك باستثناء مستشفى الرازي في سلا الذي يتوفر على وحدة تضم 12 سريرا.
وإلى جانب ما سبق، فهذا المجال يعاني من مشكل أكبر يتمثل في الموارد البشرية، لأن المتدخلين في سلة العلاجات يطبعهم التعدد والتنوع، من أطباء النفسانيين وأخصائيين نفسانيين، وممرضين، إلى جانب معالجين بالرياضة، بالفن، بالترويض، وبعدة تخصصات أخرى تحيط بالمريض، الذي بعد الاستشفاء يحتاج في بعض الحالات إلى إعادة للتأهيل ويلزم متخصصين في هذا الباب.
إن المرحلة التي يجب الانخراط فيها اليوم يجب أن تكون على المستوى المركزي وذلك بضرورة توفر مديرية خاصة بالأمراض النفسية، نظرا لكثرة وعدد الأمراض، ولثقلها على المجتمع، من قبيل الغياب، نقص الإنتاجية، المردودية، الحياة غير الكريمة، الهدر المدرسي، فقدان الشغل، وغيرها من التبعات الأخرى المكلّفة للفرد ولأسرته وللمجتمع ككل، دون إغفال كذلك وقعها على الصناديق الاجتماعية. إن من شأن إحداث مديرية مستقلّة تشرف على هذا المجال تسهيل تسطير سياسة عمومية خاصة بالأمراض النفسية والعقلية، من أجل تحقيق دفعة ملموسة لهذا المجال وتجاوز الأعطاب التي يعرفها.

* خبير في الصحة النفسية والعقلية


الكاتب : البروفيسور عمر بطاس *

  

بتاريخ : 16/01/2025