هوية‭ ‬منكسرة : في‭ ‬ردهات‭ ‬محاكم‭ ‬الرباط

في‭ ‬18‭ ‬أغسطس‭ ‬2018‭ ‬ميلادية،‭ ‬بلغت‭ ‬‮”‬عابدة‭ ‬الله‮”‬‭ ‬سن‭ ‬الثامنة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمرها‮.‬‭ ‬أعطت‭ ‬لعيد‭ ‬ميلادها،‭ ‬الذي‭ ‬اكتمل‭ ‬فيه‭ ‬رشدها،‭ ‬قيمة‭ ‬سامية‭ ‬لم‭ ‬تمنحها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬لأي‭ ‬شيء‭ ‬ولا‭ ‬لأي‭ ‬شخص‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬نفسها‮.‬‭ ‬اعتبرته‭ ‬يوم‭ ‬الحرية‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوقها‮.‬‭ ‬أمها،‭ ‬المتشبعة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬فولتير،‭ ‬ناضلت‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬طاقة،‭ ‬وانتزعت‭ ‬من‭ ‬اللجنة‭ ‬العليا‭ ‬للحالة‭ ‬المدنية‭ ‬المغربية‭ ‬شرعية‭ ‬تسمية‭ ‬ابنتها‭ ‬بهذا‭ ‬الاسم‭ ‬الشخصي‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬لها‭ ‬الكثير‮.‬‭ ‬بتوطئة‭ ‬طلبها‭ ‬بالمواد‭ ‬الدستورية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالمساواة‭ ‬وتساوي‭ ‬الفرص،‭ ‬أبرزت‭ ‬لغويا‭ ‬واصطلاحيا‭ ‬حسب‭ ‬مستواها‭ ‬المعرفي‭ ‬أن‭ ‬الصيغة‭ ‬التأنيثية‭ ‬لاسم‭ ‬‮”‬عبد‭ ‬الله‮”‬‭ ‬هي‭ ‬‮”‬عابدة‭ ‬الله‮”.‬
في‭ ‬منزل‭ ‬صغير‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬نيس‭ ‬الشاطئية‭ ‬بفرنسا،‭ ‬قضت‭ ‬به،‭ ‬هي‭ ‬وأمها‭ ‬حادة‭ ‬الأطلسية،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬سنة‮.‬‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تخييم‭ ‬السؤال‭ ‬الوحيد‭ ‬على‭ ‬فضاء‭ ‬حياتهما‭ ‬البهي‭ ‬‮”‬من‭ ‬هو‭ ‬أبي؟‮”‬،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يسبب‭ ‬لأمها‭ ‬حرقة‭ ‬نفسية‭ ‬وحرج‭ ‬يخنق‭ ‬تنفسها،‭ ‬عاشتا‭ ‬سويا‭ ‬على‭ ‬العموم‭ ‬حياة‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬السعادة‮.‬‭ ‬سعيا‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬إتقان‭ ‬قواعد‭ ‬التربية‭ ‬العلمية،‭ ‬كانت‭ ‬للاحادة‭ ‬تداوم‭ ‬بانتظام‭ ‬زيارة‭ ‬طبيبها‭ ‬النفسي‭ ‬والمساعدة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بالمدينة،‭ ‬وتسجل‭ ‬وتطبق‭ ‬معرفيا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬استجد‭ ‬علميا‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬ما‭ ‬استجد‭ ‬في‭ ‬سلوكيات‭ ‬ابنتها‭ ‬الوحيدة‭.‬
حصلت‭ ‬‮”‬عابدة‭ ‬الله‮”‬‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الباكالوريا‭ ‬علوم‭ ‬رياضية‭ ‬بميزة‭ ‬‮”‬ممتاز‭ ‬جدا‮”.‬‭ ‬وهي‭ ‬منشغلة‭ ‬بالاستعداد‭ ‬المتقون‭ ‬لإحياء‭ ‬حفلة‭ ‬تتويج‭ ‬عائلية‭ ‬يحضرها‭ ‬أقرب‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والصديقات‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والعجم‭ ‬بمناسبة‭ ‬هذا‭ ‬التفوق،‭ ‬لم‭ ‬يخالج‭ ‬أفق‭ ‬مخيلتها،‭ ‬إلا‭ ‬أمران‭ ‬لا‭ ‬ثالث‭ ‬لهما‮:‬‭ ‬أن‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬أبيها‭ ‬البيولوجي‭ ‬وتطالبه‭ ‬بحقها‭ ‬في‭ ‬الانتساب‭ ‬إليه،‭ ‬وأن‭ ‬تلج‭ ‬لأرقى‭ ‬مؤسسة‭ ‬علمية‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭. ‬
انطلق‭ ‬الرقص‭ ‬على‭ ‬موسيقى‭ ‬صاخبة،‭ ‬وموائد‭ ‬الطعام‭ ‬والمشروبات‭ ‬تزخر‭ ‬بما‭ ‬لذ‭ ‬وطاب‮.‬‭ ‬طلبت‭ ‬الكلمة‭ ‬ولم‭ ‬تردد‭ ‬على‭ ‬آذان‭ ‬صديقاتها‭ ‬وأصدقائها‭ ‬بترنم‭ ‬تقشعر‭ ‬له‭ ‬الأبدان‭ ‬والنفوس‭ ‬إلا‭ ‬عبارة‭ ‬واحدة‮:‬‭ ‬‮”‬ادعوا‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬أبي‭ ‬بسرعة،‭ ‬وأن‭ ‬يقبل‭ ‬منحي‭ ‬نسبه،‭ ‬وأن‭ ‬أنجح‭ ‬في‭ ‬امتحان‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬معهد‭ ‬البوليتكنيك‭ ‬الباريسي‮”‬،‭ ‬لترتفع‭ ‬سمفونية‭ ‬كوكتيل‭ ‬أصوات‭ ‬أنوثية/ذكورية‭ ‬مرددة‭ ‬بدوها‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬عبارة‮:‬‭ ‬‮”‬كل‭ ‬التضامن‭ ‬والأماني‮”‬‭.‬
بالرغم‭ ‬من‭ ‬حرمانها‭ ‬من‭ ‬حنان‭ ‬ووجود‭ ‬الزوج،‭ ‬نجحت‭ ‬للاحادة‭ ‬بامتياز‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬فتاة‭ ‬كاملة‭ ‬الأوصاف‭ ‬والأخلاق‭ ‬والطموح‭ ‬والتحدي‮.‬‭ ‬شبيهة‭ ‬بأمها‭ ‬الأطلسية،‭ ‬زادت‭ ‬فتانتها‭ ‬بهاء‭ ‬ووسامة‭ ‬ورثتهما‭ ‬عن‭ ‬أب‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬ريفية‮.‬‭ ‬جمال‭ ‬‮”‬عابدة‭ ‬الله‮”‬‭ ‬يروق‭ ‬العيون،‭ ‬ورقتها‭ ‬تسحر‭ ‬الروح،‭ ‬ووجنتاها‭ ‬دائمتا‭ ‬الاحمرار،‭ ‬وعيناها‭ ‬شديدتا‭ ‬اللمعان‮.‬‭ ‬الهدوء‭ ‬الناعم‭ ‬والجذاب‭ ‬لا‭ ‬يفارقها‭ ‬أبدا‮.‬‭ ‬طهارة‭ ‬قلبها‭ ‬ونقاء‭ ‬ضميرها‭ ‬وعفة‭ ‬نظرها‭ ‬أمتعوها‭ ‬بديمومة‭ ‬وجود‭ ‬فعال‭ ‬وقوي‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬السكنى‭ ‬والتعليمي‮.‬‭ ‬لقد‭ ‬اجتمع‭ ‬فيها‭ ‬الحسن‭ ‬والحصن‭ ‬والجمال‭ ‬المطلق‭ ‬المؤنس‭ ‬لوحشة‭ ‬الروح‭.‬
في‭ ‬ساعة‭ ‬متأخرة‭ ‬من‭ ‬ليلة‭ ‬الحفل،‭ ‬حكت‭ ‬لها‭ ‬أمها‭ ‬قصتها‭ ‬العاطفية‭ ‬كاملة‮.‬‭ ‬ولدتها‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ربيعي،‭ ‬وتشبثت‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬أصولها‭ ‬المغربية‭ ‬التاريخية،‭ ‬وصرحت‭ ‬بولادتها‭ ‬لدى‭ ‬أقرب‭ ‬قنصلية‭ ‬للمملكة‭ ‬المغربية‭ ‬كأم‭ ‬عازبة،‭ ‬ومنحتها،‭ ‬حسب‭ ‬القوانين‭ ‬الجاري‭ ‬بها‭ ‬العمل،‭ ‬اسما‭ ‬عائليا‭ ‬مختارا‭ ‬من‭ ‬كشاف‭ ‬الأسماء‭ ‬العائلية‭ ‬المغربية،‭ ‬واسم‭ ‬أب‭ ‬من‭ ‬أسماء‭ ‬العبودية‮.‬‭ ‬أبوها‭ ‬كان‭ ‬فتانا‭ ‬وجذابا‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬ريفية‮.‬‭ ‬هاجر‭ ‬قبلها‭ ‬إلى‭ ‬الديار‭ ‬الفرنسية‭ ‬كعامل‭ ‬مهاجر،‭ ‬وترك‭ ‬زوجته‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬أصوله‭ ‬وطفلين‭ ‬تحت‭ ‬رعاية‭ ‬والديه‭ ‬بالمغرب‮.‬‭ ‬لمحها‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الأسبوعي‭ ‬بمدينة‭ ‬بوردو‮.‬‭ ‬تبادلا‭ ‬النظرات،‭ ‬وتقاربا‭ ‬إلى‭ ‬بعضهما‭ ‬بخطوات،‭ ‬ليقفا‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬أمام‭ ‬بائع‭ ‬الثوب‮.‬‭ ‬عاشا‭ ‬علاقة‭ ‬حب‭ ‬جنونية‭ ‬دامت‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‮.‬‭ ‬كانت‭ ‬تراه‭ ‬في‭ ‬مخيلتها‭ ‬أينما‭ ‬حلت‭ ‬وارتحلت‮.‬‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬صارحته‭ ‬يوما‭ ‬بحملها،‭ ‬حتى‭ ‬ثار‭ ‬في‭ ‬وجهها‭ ‬والغضب‭ ‬يتطاير‭ ‬من‭ ‬عينيه،‭ ‬ليغادر‭ ‬المدينة‭ ‬في‭ ‬فجر‭ ‬اليوم‭ ‬الموالي‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬شيوع‭ ‬الخبر‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬أسرته‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة‭ ‬بمنطقة‭ ‬الريف‭ ‬المغربية‮.‬‭ ‬رحلت‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬ضجرا‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬نيس،‭ ‬واستقرت‭ ‬بها‮.‬‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬منصب‭ ‬شغل‭ ‬بسرعة،‭ ‬وانشغلت‭ ‬بتنشئة‭ ‬ابنتها‭ ‬مراهنة‭ ‬على‭ ‬سد‭ ‬فراغ‭ ‬مكانة‭ ‬الأب‭ ‬في‭ ‬الأسرة‮.‬‭ ‬دلها‭ ‬معارفها‭ ‬بعد‭ ‬مدة‭ ‬على‭ ‬عنوان‭ ‬سكناه‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬هامشي‭ ‬بمدينة‭ ‬باريس‭.‬
لم‭ ‬تنم‭ ‬‮”‬عابدة‭ ‬الله‮”‬‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‮.‬‭ ‬استعانت‭ ‬بالمنشطات،‭ ‬وسهرت‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬مشروع‭ ‬تواصلي‭ ‬محكم‭ ‬لإنجاح‭ ‬لقائها‭ ‬مع‭ ‬أبيها‮.‬‭ ‬استقلت‭ ‬القطار‭ ‬فجرا‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬باريس‮.‬‭ ‬استأجرت‭ ‬سيارة‭ ‬طاكسي،‭ ‬والتحقت‭ ‬بباب‭ ‬معهد‭ ‬البوليتكنيك‮.‬‭ ‬اجتازت‭ ‬المباراة،‭ ‬ونجحت‭ ‬بتفوق‭ ‬كتابيا‭ ‬وشفويا‮.‬‭ ‬بسرعة‭ ‬البرق،‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬باب‭ ‬منزل‭ ‬الأب‭ ‬الذي‭ ‬أنكر‭ ‬أبوته‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬ولادتها‭ ‬الميمونة‮.‬‭ ‬طرقت‭ ‬الباب‭ ‬بعذوبة‭ ‬وحنان‭ ‬اخترقا‭ ‬جوارحه‭ ‬رغما‭ ‬عنه‮.‬‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬مبهورا‭ ‬بمخلوقة‭ ‬لم‭ ‬ير‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مثيلا‭ ‬لها‭ ‬بهاء‭ ‬وجمالا‮.‬‭ ‬إنها‭ ‬سلالة‭ ‬فتيات‭ ‬نادرة،‭ ‬اندمجت‭ ‬فيها‭ ‬الجينات‭ ‬الوراثية‭ ‬لأنوثة‭ ‬أطلسية‭ ‬وذكورية‭ ‬ريفية‮.‬‭ ‬أنجحت‭ ‬التواصل‭ ‬معه‭ ‬بإتقان‮.‬‭ ‬أوحى‭ ‬لها‭ ‬أنه‭ ‬يعيش‭ ‬أعظم‭ ‬فرحة‭ ‬في‭ ‬حياته‮.‬‭ ‬اهتز‭ ‬من‭ ‬أعماقه‭ ‬بهذه‭ ‬الوردة‭ ‬التي‭ ‬نبتت‭ ‬فجأة‭ ‬داخل‭ ‬بيته‮.‬‭ ‬حبس‭ ‬دموعه‭ ‬مرارا‭ ‬ليعوضها‭ ‬بابتسامة‭ ‬سعادة‭ ‬حقيقية‮.‬‭ ‬أخبرته‭ ‬بمسيرتها‭ ‬الأسرية‭ ‬والتعليمية‭ ‬وتفوقها‭ ‬الذي‭ ‬توج‭ ‬لساعات‭ ‬بتحقيق‭ ‬حلم‭ ‬حياتها‭ ‬الذي‭ ‬لن‭ ‬يكتمل‭ ‬إلا‭ ‬برضاه‭ ‬عنها‭ ‬والاعتراف‭ ‬بنسبها‭ ‬لصلبه‭.‬
بمجرد‭ ‬أن‭ ‬سمع‭ ‬كلماتها‭ ‬الأخيرة‭ ‬حتى‭ ‬قصفه‭ ‬الحزن‭ ‬وسرح‭ ‬به‭ ‬مسار‭ ‬حياة‭ ‬ناقصة‭ ‬المعاني‮.‬‭ ‬فهمت‭ ‬ما‭ ‬ينبعث‭ ‬من‭ ‬نظراته‭ ‬من‭ ‬حسرة،‭ ‬فأردفت‭ ‬قائلة‮:‬‭ ‬‮”‬أبي،‭ ‬أنت‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬كم‭ ‬اشتقت‭ ‬إليك‭ ‬وإلى‭ ‬حضنك‮.‬‭ ‬هذه‭ ‬فرصتنا‭ ‬نحن‭ ‬الاثنان‭ ‬لترميم‭ ‬نواقص‭ ‬الماضي‮.‬‭ ‬الحياة‭ ‬قصيرة‭ ‬لدرجة‭ ‬تحثنا‭ ‬على‭ ‬سرقة‭ ‬لحظات‭ ‬الفرح‭ ‬وديمومتها‭ ‬مستقبلا‮.‬‭ ‬أنا‭ ‬متيقنة‭ ‬أنك‭ ‬لن‭ ‬ترضى‭ ‬أن‭ ‬تنزلق‭ ‬منا‭ ‬الحياة‭ ‬مجددا‮”.‬‭ ‬تأسف‭ ‬بحزن‭ ‬شديد،‭ ‬وعيونهما‭ ‬مغرورقة‭ ‬بالدموع،‭ ‬معترفا‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬وضعه‭ ‬الأسري‭ ‬بالمغرب‭ ‬يكبله،‭ ‬وضغوطاته‭ ‬تخنقه‮.‬‭ ‬عقبت‭ ‬للتو‭ ‬‮:‬‭ ‬‮”‬تفهمت‭ ‬وضعك‭ ‬يا‭ ‬أبتي،‭ ‬لكن‭ ‬سأتعسف‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬لأصنع‭ ‬لنا‭ ‬جميعا‭ ‬سعادة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬جديد‮”.‬
لجأت‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬سكناه،‭ ‬ورفعت‭ ‬دعوى‭ ‬قضائية‭ ‬استعجالية‮.‬‭ ‬أجبر‭ ‬على‭ ‬الخضوع‭ ‬لاختبار‭ ‬الحمض‭ ‬النووي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬السلطات‭ ‬الفرنسية‮.‬‭ ‬تأكدت‭ ‬مائة‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬أبوته‭ ‬لبنيته‮.‬‭ ‬تم‭ ‬تغيير‭ ‬نسبها‭ ‬من‭ ‬أب‭ ‬مجهول‭ ‬وعوض‭ ‬بأب‭ ‬معلوم،‭ ‬وظفرت‭ ‬بالاسم‭ ‬العائلي‭ ‬لأبيها‭ ‬الريفي‮.‬‭ ‬وبدأت‭ ‬معركة‭ ‬امتداد‭ ‬توحيد‭ ‬هذا‭ ‬النسب‭ ‬ليضمن‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬رسم‭ ‬ولادتها‭ ‬بسجلات‭ ‬الحالة‭ ‬المدنية‭ ‬المغربية‭. ‬
استقلت‭ ‬‮”‬عابدة‭ ‬الله‮”‬‭ ‬الطائرة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬صدور‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬المغرب‮.‬‭ ‬رفعت‭ ‬في‭ ‬صبيحة‭ ‬اليوم‭ ‬الموالي‭ ‬دعوى‭ ‬قضائية‭ ‬لتذييل‭ ‬الحكم‭ ‬الفرنسي‭ ‬بالرباط‭ ‬لكونها‭ ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬سكن‭ ‬اعتيادي‭ ‬ببلادها‮.‬‭ ‬تابعت‭ ‬كيف‭ ‬تجول‭ ‬الملف‭ ‬لساعات‭ ‬في‭ ‬ردهات‭ ‬المحكمة‭ ‬المختصة،‭ ‬وقوبل‭ ‬بالرفض‭ ‬بعد‭ ‬مداولات‭ ‬طال‭ ‬أمدها‮.‬‭ ‬يا‭ ‬لسوء‭ ‬وقسوة‭ ‬القدر‭ ‬الوضعي،‭ ‬استكمال‭ ‬فرحتها‭ ‬عرقلته‭ ‬عبارة‭ ‬‮”‬الحمض‭ ‬النووي‮”‬،‭ ‬لتشتد‭ ‬الحيرة‭ ‬والحزن‭ ‬على‭ ‬حياتها‭ ‬مجددا‭ ‬غير‭ ‬راضية‭ ‬على‭ ‬توفرها‭ ‬على‭ ‬نسبين‭ ‬مختلفين‭ ‬ومتناقضين،‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬أب‭ ‬مجهول‭ ‬بالمغرب‭ ‬باسم‭ ‬عائلي‭ ‬عشوائي،‭ ‬والثاني‭ ‬لأب‭ ‬معلوم‭ ‬بسجلات‭ ‬الديار‭ ‬الفرنسية‮.‬‭ ‬تشبثها‭ ‬بوطن‭ ‬جذور‭ ‬الوالدين،‭ ‬وتعلقها‭ ‬بوعد‭ ‬الزواج‭ ‬الذي‭ ‬أبرمته‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬مع‭ ‬ابن‭ ‬خالتها‭ ‬هيثم‭ ‬الذي‭ ‬يتابع‭ ‬دراسته‭ ‬الهندسية‭ ‬بالرباط،‭ ‬أشحناها‭ ‬بالشجاعة‭ ‬والعزم‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬ملف‭ ‬حقوقي‭ ‬نضالي‭ ‬طامحة‭ ‬توحيد‭ ‬نسبها‭ ‬والتمتع‭ ‬بحق‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬أخيها‭ ‬وأختها‭ ‬وأعمامها‭ ‬وعماتها‭ ‬وزوجة‭ ‬أبيها‭.‬
لقد‭ ‬فتحت‭ ‬لها‭ ‬أبواب‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ووزارة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والحريات،‭ ‬ومقرات‭ ‬الجمعيات‭ ‬الحقوقية‮.‬‭ ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬تبني‭ ‬ملفها‭ ‬وتحول‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬تشريع‭ ‬وشرعية‭ ‬انتساب‭ ‬لتراب‭ ‬الوطن‭ ‬الأم،‭ ‬وإلى‭ ‬إشكالية‭ ‬لإعادة‭ ‬التفكير‭ ‬الحداثي‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬اللغة‭ ‬والهوية‭ ‬والذات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والتاريخ‮.‬‭ ‬علمت‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬قضتها‭ ‬بالمغرب‭ ‬أن‭ ‬أخاها‭ ‬سلام‭ ‬يشتغل‭ ‬لحاما‭ ‬لدى‭ ‬مقاولة‭ ‬صغيرة،‭ ‬وأختها‭ ‬السالمية‭ ‬نال‭ ‬منها‭ ‬الهدر‭ ‬التعليمي‭ ‬والتكويني‭ ‬وتنتظر‭ ‬أن‭ ‬يرتقي‭ ‬مصيرها‭ ‬الوظيفي‭ ‬إلى‭ ‬ربة‭ ‬بيت‭ ‬عبر‭ ‬مؤسسة‭ ‬الزواج‭ ‬المأمولة


الكاتب : الحسين بوخرطة

  

بتاريخ : 04/08/2021