واش حنا هوما حنا.. 20- باكو يتربع على كرسي مشيخة تاكناويت ثائرا على الأعراف3 باكو الذي سحر «الهيبي» في غابة الديابات

هي مظاهر ومشاهد إما عشناها أو واكبنها كأحداث ، منها ما يدخل في إطار نوسطالجيا جمعتنا ومنها ما هو حديث مازلنا نعيشه ، في هذه السلسلة نحاول إعادة قراءة وصياغة كل ما ذكرنها من زاوية مختلفة ، غير المنظور الآني في حينه لتلك المظاهر والمشاهد والتي يطبعها في الكثير من الأحوال رد الفعل والأحكام المتسرعة ، وهي مناسبة أيضا للتذكير ببعض الجوانب من حياتنا ، وببعض الوقائع التي مرت علينا مرور الكرام بدون تمحيص قي ثناياها…

 

العائلة الثانية التي تُعد من أرقى العائلات التي يعود لها الفضل في الحفاظ على هذا الموروث، هي عائلة «كينيا»، المنتمية لقبيلة تُعد، إلى جانب قبيلة لكباني، من أوائل من أتى بهذا الفن إلى الصويرة. وعائلة كينيا غنية عن التعريف في هذا المجال، فالمعلم محمود لم يكن يحتاج إلى أحد من خارج العائلة والقبيلة لإحياء طقوس كناوة، إذ تضم العائلة الجذابة، ولمقدمة، ولقراقبية، وناقري الإيقاع، وحتى عازفي الكنبري «السنتير».
يضيف جمال الدين في سرده أن الصويرة ومحيطها الشاسع كانا يعتمدان على العائلتين المذكورتين في ممارسة طقس كناوة، فهم «معلمية» لا يُشق لهم غبار، ولهم دراية بتفاصيل الحضرة وما يحتاجه من يقصدهم لمواجهة الأرواح التي تسكنه، حسب ما يعتقدونه. لكن، في الجوار، وفي صمت، كان هناك طرف ثالث مولع بهذا العالم، وهو المعلم شباظة.
كان هذا الرجل صانع القراقب، وكانت له صلة وطيدة بالمعلمية، إذ كانوا زبائنه الأساسيين. ورغم أنه كان يعزف «السنتير» ويفهم في الطقوس الكناوية، إلا أن عائقًا كان يحول بينه وبين ولوج عالمها بشكل رسمي، وهو لون بشرته البيضاء، إذ لم يكن مستساغا في تلك الفترة أن يكون الكناوي أبيض اللون، كما أن جذوره العائلية لا تنتمي لأي قبيلة كناوية. لذلك، كرّس جهده في تعليم الشغوفين بتاكناويت من بني سحنته، وأيضا من ذوي السحنة السمراء الذين لم يجدوا مكانا بين «لمعلمية» المتجذرين. ومن بين الشباب الذين مروا على يديه: المعلم عبد الرحمان قيروش «باكو».
يرى الأستاذ الصالحي أن باكو كان محظوظا جدا، فمن جهة، عزف في سن صغيرة وصقل أداءه مع المعلم شباظة، لكن الحظ الأوفر سيأتيه من عالم الهيبي، على عكس أقرانه ممن تتلمذوا على يد شباظة وغيره. فظاهرة الهيبي، كما يعلم الجميع، أعلنت عن نفسها مباشرة بعد حرب فيتنام، وكان من زمرتها أساسا الشباب الأمريكي المفروض عليه التجنيد الإجباري في سن الثامنة عشرة، فخرج من تلك الحرب مفزوعا مصدوما، ليطرح سؤال جدوى الحروب. وانضم إليهم الشباب الأوروبي الذي أفسدت الحرب العالمية الثانية هناءه.
ويعرف المتتبعون للظاهرة أن الهيبي نوعان: النوع الأول هو «هيبي»، والنوع الثاني هو «يبي»، وكان ينشط داخل الكليات والجامعات. أما النوع الأول، فأطلق الشعر واللحية، واختار الإقامة في دول العالم الثالث، وبالطبع، اعتنق الظاهرة عدد من المشاهير، منهم جوان بايز، وبوب ديلان، والبيتلز، وغيرهم.
انتشر الهيبي في بعض دول آسيا، ووصلوا حتى النيبال، ثم جاؤوا إلى إفريقيا، وكانت من بين محطاتهم الرئيسية مدينة الصويرة، وبالضبط منطقة الديابات. كان شعارهم الأشهر في العالم: «السلام والحب»، احتجاجا على الحروب، وزرع النعرات، والفوارق، وما إلى ذلك. معظم من قدموا إلى الديابات كانوا من عائلات ميسورة، يشترون منازل صغيرة من أصحابها، لكنهم لا يُخرجونهم منها، بل يتركونهم فيها مقابل الأكل والشرب، حيث كانوا يطبخون لهم ويقدمون لهم بعض الخدمات البسيطة جدا، ويعيشون معهم أو بين ظهرانيهم. أما خلال الليل، فكانوا يقيمون الحفلات، وينشدون الأغاني، ويمثلون، أو يقرؤون الأشعار.
كان الحظ إلى جانب باكو، كما يرى الصالحي، إذ تتلمذ على يد شباظة، كما أن أبناء الصويرة في تلك الفترة كانوا يتعاطون حرفا معينة، مثل الخياطة، والدرازة، والنجارة، واختار عبد الرحمان النجارة، ما سهل عليه صناعة «السنتير» (الماعون). وهكذا، صنع آلته بيديه، وحملها ليعزف مع أقرانه، ثم أصبح مطلوبا في الديابات، بعد أن سمع عنه الضيوف القادمون من كل أقطار العالم.


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 24/03/2025