وثيقة إسرائيلية سرية تكشف خطة تهجير أهالي غزة إلى سيناء على 3 مراحل

مدعي عام سابق في المحكمة الجنائية الدولية: التهجير القسري جريمة ضد الإنسانية

مصر رفضت مُخطط التهجير الذي عرض عليها مرتين، وإسرائيل تحاول تنفيذه الآن بالقوة والأدوات العسكرية

 

تتضمن الخطة بحسب الصحيفة ثلاث مراحل، وهي إنشاء مدن خيام في سيناء جنوب غربي قطاع غزة، وإنشاء ممر إنساني لمساعدة السكان، وأخيرا بناء مدن في شمال سيناء. وفي الوقت نفسه، سيتم إنشاء منطقة معقمة بعرض عدة كيلومترات داخل مصر جنوبي الحدود مع دولة الاحتلال، حتى لا يتمكن الفلسطينيون الذين تم إجلاؤهم من العودة

إسرائيل لديها منذ زمن طويل مُخطط حقيقي وخطير للغاية يقضي بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وربما إلى الأردن ولبنان أيضا؛ وهذا المُخطط سبق وأن تم عرضه على الرئيس مبارك، وكان يرتكز على أن تُقدّم مصر 600 كيلو متر مربع من مدينة رفح المصرية إلى أهل عزة، وفي المقابل تمنحنا إسرائيل 600 كيلو متر مربع مُماثلة في صحراء النقب

 

نشرت صحيفة «إلبايس» الإسبانية تقريرا سلطت فيه الضوء على دور المحكمة الجنائية الدولية والدول الكبرى وصلاحيتها في دعم العدالة القضائية في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وضرورة دمج أدوات تنفيذية للقرارات القضائية في سياسة الدول لمنع حدوث إبادة جماعية.
ونقلت الصحيفة، عن المدعي العام الأول للمحكمة الجنائية الدولية (2003- 2013)، لويس مورينو أوكامبو، قوله إن «عمر الحرب 5000 عام، وعمر الدبلوماسية أربعة قرون، وعمر العدالة الدولية عقدان من الزمن»، مشيرا إلى أنه بالمقارنة بالتقدم الرهيب في المجال التقني اليوم، فإن الابتكار الوحيد في عالم السياسة كان هو إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وأن تريليونات الدولارات تُستثمر في الحروب، دون أي استثمار في العدالة والسلام، موضحا أن «إسرائيل» وغزة مثالان على مدى ضرورة هذا التحدي، بحسب تعبيره.
وأشارت الصحيفة إلى أن مورينو أوكامبو عاد للتو من جامعة ساو باولو، حيث حصل على درجة الأستاذية في ابتكار النظام العالمي، ويدرس فصولا حول روايات الحرب لطلاب السينما في جامعة كاليفورنيا؛ وقد أشار إلى فيلم الأرجنتين الذي شاهده عشرون مليون شخص، ويروي أول محاكمة للديكتاتورية الأرجنتينية قائلا: «عندما تتعامل مع هذا النوع من القضايا، فإنك لن تفوز أبدًا، ولكن إذا واصلت القتال، فإنك لن تخسر أبدا».
وتساءلت الصحيفة عن المرادف في القانون الدولي لما يعرف في اللغة المشتركة بـ»الرعب» ، و»المذبحة»، و»الحرب» بين «إسرلئيل» وغزة، وأجاب أوكامبو بأن الأمر يعتمد على النوايا، لكن من العناصر الموضوعية للإبادة الجماعية خلق الظروف التي تؤدي إلى تدمير مجموعة ما، وعدم السماح بمرور الماء والغذاء والبنزين ما يحول غزة كلها إلى معسكر إبادة، والتهجير القسري جريمة ضد الإنسانية، تماماً مثل قصف السكان المدنيين.
وطرحت الصحيفة تساؤلا حول الإجراء الذي يمكن لمحكمة الجنايات الدولية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فعله غير إبداء الرأي، فرد أوكامبو بأن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يتمتع بأهلية اتخاذ القرار والاختصاص، وأن نتنياهو ليس الزعيم الذي يثق بالعدالة لأنه هارب من العدالة، ولكن حان الوقت للمجتمع الدولي أن يقف بحزم، لا يتعلق الأمر بالمطالبة بتطويق إنساني، ولا يمكن لـ»إسرائيل» أن ترتكب إبادة جماعية للدفاع عن نفسها.
وأضاف أن الولايات المتحدة تعتقد أن السبيل للدفاع عن نفسها هو أن يكون لديها أفضل جيش في العالم، أما الاتحاد الأوروبي فلديه رؤية مختلفة موجهة نحو المعاهدة، وعليه أن يجعل هذه الرؤية مسموعة، لكن أوروبا أصبحت مرتبطة جدا بسياسة الولايات المتحدة، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بالتفوق العسكري، وقد أصبحت الحرب اليوم آلية عفا عليها الزمن، إنها ليست قضية يسار أو يمين، بل مسألة بقاء، فقد حُطم الرقم القياسي للاجئين بعد الحرب العالمية الثانية في عام 2009، وهو مستمر في الارتفاع.
وتابع: «نحن نوشك على الوصول إلى 100 مليون لاجئ ونازح في العالم، وعلينا أن نمنع الجريمة وندعم العدالة، إن ما سيدمر ’إسرائيل’ هو الحرب، لأنها ستولد رد فعل العالم العربي ضد ’إسرائيل’ وسيعود الإرهاب في جميع أنحاء العالم، لقد كانت إحدى أهم آليات تجنيد الأشخاص لصالح تنظيم داعش هو التعذيب في سجن أبو غريب، الحرب على الإرهاب لا تجدي نفعا، وأنا لا أقول ذلك، بل يقول ذلك الجنرال ماكريستال، الذي كان القائد العسكري في أفغانستان».
واستفسرت الصحيفة عن عدم اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بشأن توقيع الاحتلال على اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها وكذلك اتفاقية جنيف، وما الذي يمكن فعله في هذه الحالة، وقال أوكامبو مجيبا إن هذا ما حدث مع بوتين في أوكرانيا؛ حيث أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحقه، ولكن هناك انفصال بين السياسة والاستراتيجية العسكرية والقضائية، وليس هناك تنسيق بين هذه الأشياء الثلاثة، فالمشكلة اليوم ليست المحكمة، بل هي ما إذا كانت الدول تحترم الحدود القانونية وتأخذ على محمل الجد واجباتها لمنع الإبادة الجماعية، وتفعيل الآليات السلمية مثل العدالة لمنع الصراعات.
وتساءلت الصحيفة حول التحقيق الذي فتحته المحكمة الجنائية الدولية في عام 2021 في الأحداث التي وقعت في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، فأجاب أوكامبو بأنه بعد أن حصلت فلسطين على اعتراف الأمم المتحدة عام 2012، وانضموا عام 2015 إلى نظام روما الأساسي، تقرر أن غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية هي أراض فلسطين، وبالتالي فإن المحكمة لها اختصاص هناك وتم فتح تحقيق، أي أن الحصار الحالي لغزة هو منطقة خاضعة للمحكمة، ولكن لم يُعرف بعد ما حدث لهذا التحقيق.
وبسؤاله عن إمكانية توسيع نطاق هذا التحقيق الآن، أم إنه في هذه الحالة يجب أن تقوم دولة أخرى بتقديم «إسرائيل» للمحكمة، قال أوكامبو إن المدعي العام مستقل، والإجراء الطبيعي هو أن يُفتح التحقيق، وليس أن تطلبه دولة، وفي هذه الحالة، يوجد بالفعل تحقيق مفتوح.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالتساؤل حول ما إذا كان من الممكن تجنب أو منع ما يحدث الآن سابقا، فأجاب أوكامبو بأن هذه مشكلة هيكلية، فقد كانت سياسة نتنياهو هي خنق سكان الضفة الغربية، لقد كانت هذه استراتيجيتهم لسنوات؛ احتلال وتجاهل أي جهود لحفظ السلام، وبالتالي تدمير الاعتدال الفلسطيني وتشجيع «حماس»، لأن «حماس» تسمح له بأن يكون صارما، إنه يأمل في تدمير الشعب الفلسطيني بأكمله، لكن ذلك لن يحدث، لأن طريق الإبادة لا يؤدي إلى أي مكان، ولكن لمنع وقوع إبادة جماعية، فإن الإدانة القضائية ليست كافية، بل يتعين على الدول دمج العدالة في سياساتها، يجب تنسيق المصالح واحترام القواعد.

وثيقة إسرائيلية سرية

من جانبها، كشفت صحيفة «كالكاليست» عن وثيقة إسرائيلية تضمنت توصية وزيرة مخابرات الاحتلال جيلا غمالائيل عن تهجير الفلسطينيين في غزة إلى سيناء في مصر عقب انتهاء جيش الاحتلال في حرب الإبادة التي يشنها على القطاع.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن الوثيقة التي حصلت عليها تحمل شعار وزارة الاستخبارات وتستخدم في المناقشات الداخلية بين الوزارات الحكومية، مشيرة إلى أنه رغم سرية الوثيقة إلا أنها وصلت إلى مجموعة تقوم حاليا بتأسيس حركة تسمى «مقر الاستيطان – قطاع غزة» تسعى إلى إعادة الاستيطان إلى قطاع غزة.
وأضافت «كالكاليست» أن الوثيقة التي كتبت بهدف دعم حركة الاستيطان وأهدافها، تؤكد استمرار السياسة المتطرفة التي تروج لها حكومة الاحتلال منذ تأسيسها.
وتتناول وثيقة غمالائيل ظاهريا ثلاثة بدائل لفترة ما بعد العدوان على القطاع، ولكن البديل «الذي سوف يؤدي إلى نتائج استراتيجية إيجابية وطويلة الأمد» هو نقل الفلسطينيين في غزة إلى سيناء بمصر.
وتتضمن الخطوة بحسب الصحيفة ثلاث مراحل، وهي إنشاء مدن خيام في سيناء جنوب غربي قطاع غزة، وإنشاء ممر إنساني لمساعدة السكان، وأخيرا بناء مدن في شمال سيناء. وفي الوقت نفسه، سيتم إنشاء منطقة معقمة بعرض عدة كيلومترات داخل مصر جنوبي الحدود مع دولة الاحتلال، حتى لا يتمكن الفلسطينيون الذين تم إجلاؤهم من العودة.
بالإضافة إلى ذلك، تدعو الوثيقة إلى خلق تعاون مع أكبر عدد ممكن من الدول حتى تتمكن من استقبال الفلسطينيين المهجرين من غزة وتزويدهم بسلال الاستيعاب، حيث تم ذكر كندا والدول الأوروبية مثل اليونان وإسبانيا ودول شمال أفريقيا من بين دول أخرى، وفقا لـ»كالكاليست».
وبحسب الصحيفة العبرية، فإن التحليل الوارد في الوثيقة يستند إلى افتراضات دفعت الاحتلال منذ البداية إلى التصالح مع نموذج تقسيم القيادة الفلسطينية بين «حماس» في غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، والاستمرار في سياسة نزع الشرعية عن السلطة الفلسطينية باعتبارها سلطة شرعية.
يأتي ذلك مع تواصل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على أهالي القطاع لليوم الثامن عشر على التوالي، ما أدى إلى نزوح مئات الآلاف داخليا من شمال القطاع إلى جنوبه، وسط رفض إقليمي لأي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني إلى مصر أو الأردن.

هذا ما عرضته «إسرائيل»

في السياق نفسه، كشف عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية ومساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «مُخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء عُرض مرتين على الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالإضافة إلى أنه عُرض قبل نحو 16 عاما على الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، وهو ما رفضه الجانب المصري جملة وتفصيلا، رغم أنه جاء مصحوبا بإغراءات مالية كبيرة، مع منح الدولة المصرية أراضي بنفس المساحة التي تتنازل مصر عنها في صحراء النقب (أقصى جنوب إسرائيل)».
وقال: «إسرائيل لديها منذ زمن طويل مُخطط حقيقي وخطير للغاية يقضي بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وربما إلى الأردن ولبنان أيضا؛ وهذا المُخطط سبق وأن تم عرضه على الرئيس مبارك، وكان يرتكز على أن تُقدّم مصر 600 كيلو متر مربع من مدينة رفح المصرية إلى أهل عزة، وفي المقابل تمنحنا إسرائيل 600 كيلو متر مربع مُماثلة في منطقة العوجا بصحراء النقب التي تقع على الحدود بين البلدين، بالإضافة إلى 12 مليار دولار».
وأضاف السفير رخا: «وبالتالي كنّا إزاء مُخطط خبيث لتبادل الأراضي، على أن يتم الدفع لنا مقابل تأهيل السكن والمعيشة لسكان غزة، والرئيس مبارك أعلن رفضه بشكل كامل وقاطع لهذا الأمر، وأكد حينها أنه لا يمكن مناقشته من الأساس أو من حيث المبدأ بعيدا عن أي تفاصيل أخرى يمكن طرحها».
وتابع: «لاحقا، أُعيد عرض هذا المُخطط مرتين في عهد الرئيس السيسي، المرة الأولى كانت حينما تحدث الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في كانون الثاني/ يناير 2020، عن خطته المزعومة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي عُرفت آنذاك بـ (صفقة القرن)».
وأردف: «هذا العرض الذي طُرح على الرئيس السيسي قمنا بمناقشته آنذاك بشكل مُعمّق في الجمعية المصرية للأمم المتحدة، كما ناقشه مجلس الأمن القومي المصري، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ورفضه السيسي وكل مؤسسات وأجهزة الدولة هذا المُخطط».
وزاد: «في الوقع، كان سيُدفع لمصر –بموجب صفقة القرن المزعومة- 12 مليار دولار، والأردن سيأخذ 9 مليار دولار، ولبنان 6 مليار دولار، وأسقطوا سوريا من حساباتهم لأن فيها لاجئين فلسطينيين بالفعل، وكل هذه التفاصيل طرحها بشكل غير مُعلن جاريد كوشنر، صهر ومستشار ترامب، في ورشة المنامة الاقتصادية التي عُقدت في البحرين خلال شهر يونيو 2019، وحملت عنوان (السلام من أجل الازدهار)».
وأشار عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إلى أن «المرة الثانية التي عُرض فيها على الرئيس السيسي هذا المُخطط كانت قبل نحو عام، وكانت على مستوى ثنائي بين السيسي ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وهو ما لاقى حينها نفس المصير، الرفض الكامل والحاسم».
وواصل رخا حديثه بالقول: «الآن هناك مُخطط للتحايل على مُخطط التهجير السابق من خلال محاولة تنفيذه بالقوة والأدوات العسكرية من أجل التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء، وبضغوط أمريكية وأوروبية متصاعدة، لكننا على ثقة مطلقة بأنهم لن ينجحوا أيضا في هذه المحاولة، وكما فشلوا في مساعيهم السابقة ستفشل مساعيهم ومحاولاتهم الجارية، مهما فعلوا ومهما قدّموا من اغراءات».
واستطرد رخا قائلا: «الدولة المصرية على كل المستويات بدءا من الرئيس السيسي، ومجلس الأمن القومي المصري، والقوات المسلحة، والمخابرات، والبرلمان، يرفضون تماما هذا المُخطط، وهذا الرفض الصريح لا يقتصر على الجانب المصري، بل إن الجانب الفلسطيني والأردني يرفضونه أيضا لأنه بداية حقيقية وخطيرة لتصفية القضية الفلسطينية».
وأكمل: «هم (الإسرائيليون) يريدون كسر الحدود الدولة المصرية، بمعنى ألا تكون هناك حدود ثابتة لنا، وإسرائيل لها أطماع حقيقية في سيناء، ويعملون جاهدين الآن على تصفية القضية الفلسطينية من جذورها وأعماقها، وفي المستقبل سيعملون على إخراج الفلسطينيين المتواجدين داخل إسرائيل، والذين يُطلق عليهم (فلسطينيو 48) -وليس (عرب 48)- وقد مهدت إسرائيل لتنفيذ ذلك بإصدار قانون يهودية عام 2018، بحيث يصبح غير اليهود داخل إسرائيل ضيوفا يمكن إخراجهم في الوقت المناسب لإسرائيل».


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 25/10/2023