توفي مساء أول أمس الاثنين 9دجنبر 2024، المناضل السياسي والحقوقي، بنيونس مرزوݣي، مزداد بتاريخ 13 دجنبر 1954 بمنطقة حاسي بلال بجرادة من عائلة عمالية ونقابية ، عن عمر ناهز سبعين سنة، وقد ووري جثمانه الثرى بمقبرة سيدي يحيى عصر أمس بمدينة وجدة.
وكتب الدكتور محمد سعدي، أستاذ حقوق الإنسان والعلوم السياسية بكلية الحقوق بوجدة، شهادة في حق الراحل بموقع “هيسبريس”، اعتبر فيها الراحل أستاذ الأجيال، وذا شخصية فريدة، ترعرع وعاش على البساطة وقساوة الحياة والطبيعة؛ مما جعل الجدية تعلو محياه. حياته حافلة بالأحداث والوقائع، رافق تحولات سياسية مفصلية شهدها المغرب منذ سبعينيات القرن الماضي.
خفيف الظل، يستقبلك دائما بابتسامة عريضة وبعبارة لا تفارقه أبدا، لا يتوقف عن ترداد “أهلا وسهلا” عندما يستقبل الناس أو يجيب على هاتفه. سريع البديهة، يمتلك ذاكرة قوية وقدرة عجيبة عل الاستذكار، يتذكر ويحفظ بسهولة أسماء الأشخاص وملامح وجوههم، ومختلف التواريخ والتفاصيل الدقيقة وأسماء الأماكن وعناوين الكتب.
لا يعبأ بالمظاهر كثيرا. رجل صلب الشكيمة، رغم سنه هو شاب الهمة، لا تفارق البسمة والبهجة محياه. يحب الدعابة وينثر خيوط السعادة والألفة والمؤانسة في كل جلساته، شديد الإحساس بمحيطه، وحسه الاجتماعي الذكي يجعله سهل المعشر، يتسع قلبه لجميع الناس. منذ أول احتكاك يزيح عنك المسافة والحذر والبروتوكول، فلا تشعر معه بأية كلفة لأنه إنسان بسيط يبتعد ما أمكن عن الشكليات والأضواء.
عبر مسار سياسي حافل من تنظيم 23 مارس، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لغاية الاندماج في الاتحاد الاشتراكي، كان الأستاذ بنيونس مرزوݣي شاهدا على منعطفات سياسية مفصلية عاصر خلالها كبار السياسيين والإعلاميين المغاربة. ذاكرة حية زاخرة بتفاصيل عديدة عن الحياة السياسية والدستورية المغربية منذ ثمانينيات القرن الماضي، ذو معرفة عميقة ودقيقة بالكثير من محطات التاريخ الراهن للمغرب.
ذاكرة مرجعية لا محيد عنها بخصوص تاريخ مدينة جرادة حين كانت مدينة عمالية كوسموبوليتية زاخرة بزخم نقابي وسياسي وثقافي وفني فريد من نوعه في التاريخ الحديث للمغرب، فضلا عن كونه أحد أفضل من له إطلاع واسع على ذاكرة جرادة، فإنه أيضا الحارس الأمين الحافظ لذاكرة كلية الحقوق بوجدة منذ عام 1979، وعلى معرفة دقيقة بأساتذتها وأحداثها، ولديه سجل توثيقي وأرشيف ضخم ومرتب بشكل احترافي، معزز بالصور حول الأنشطة العلمية والنقابية التي عرفتها كلية الحقوق منذ بداياتها.
عاش طفولته في زخم الحياة العمالية بالمنجم ومتأثرا بكفاح والده البسيط، الذي سكن في “باب السمار” أو “ديور الزنك” التي كانت بؤرة عمالية لا تخطئها العين. وهو طفل شهد الاعتصامات والإضرابات وتدخل القوات العمومية في بداية الستينيات، كان يقف بجانب والده مرات عديدة خلال اندلاع مواجهات أو مناوشات مع القوات العمومية. واكتشف التمييز الطبقي واصطدم واتقد وعيه السياسي والنقابي في سن مبكر وهو يعاين الحياة البئيسة بالمنجم ويشاهد الشرخ الواسع بين الأحياء العمالية المغربية الفقيرة ومساكن الأوروبيين الراقية جدا في ما سمي بالحي الأوروبي. لم يكن هناك وجه للمقارنة، فالمدينة الأوروبية مشكلة من مساكن فيلات شاسعة مع نوافذ واسعة ووسط حدائق من الأزهار والأشجار. أما مساكن الحي العمالي المغربي فكانت بئيسة ضيقة ولا تصلح للبشر.
انخرط بشكل مبكر في العمل الحقوقي، كان من أوائل أعضاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بعد تأسيسها عام 1979، وكان يحمل بطاقة انخراط رقم 17، واكب وشارك في العديد من الأنشطة والتكوينات والمحاضرات والندوات التي نظمتها الجمعيات الحقوقية المختلفة وبالخصوص الجمعية والعصبة والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وكانت تهم مواضيع متعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والحقوق السياسية والمدنية، والحقوق الثقافية، وقضايا المساواة ومقاربة النوع، والدستور وحقوق الإنسان، والانتخابات، والضمانات القانونية والقضائية للحق في الإضراب، والحق في تأسيس الجمعيات…
حصل على الإجازة في العلوم السياسية سنة 1977من كلية الحقوق جامعة محمد بن عبد الله بفاس، وعلى دبلوم الدراسات العليا في القانون العام من جامعة محمد الخامس سنة 1984بعد شهادتي دبلوم الدراسات العليا في علم السياسة والعلاقات الدولية عامي 1978 و1979. كما حصل على دكتوراه الدولة في القانون العام سنة 2022. غالبا ما يقدم نفسه كأستاذ باحث في القانون العام، ولكنه في الواقع أكثر من ذلك.
لا يمكن ذكر كلية الحقوق بوجدة إلا ويكون اسمه حاضرا، فقد كان من مؤسسيها عام 1979 مع أغلبية من الأساتذة الأجانب القادمين من مصر والأردن وسوريا والعراق والسودان وفرنسا. التحق الأستاذ مرزوݣي بكلية الحقوق بجامعة محمد الأول في فاتح أكتوبر 1979..
درس الأستاذ مرزوݣي بنيونس لأجيال من الطلبة، الكثير منهم أصبحوا أطرا عليا بالدولة (وزراء، دبلوماسيون، أساتذة جامعيون، برلمانيون…) مواد المصطلحات القانونية، الأنظمة السياسية للدول النامية، القانون الدولي العام، القضاء الإداري، المرافق العامة الكبرى المعاصرة، تسيير المقاولات العمومية، المفاهيم الأساسية للقانون العام، القانون الدستوري، الأنظمة الدستورية الكبرى. كان له دور مهم في تأسيس تخصص العلوم السياسية في كلية الحقوق في العقد الأول من هذا القرن. نشر المئات من الدراسات المتعلقة بالمجال الدستوري والانتخابات وحقوق الإنسان، إعداد التراب الوطني، الأحزاب السياسية. والتحق بالوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان عام 1998، وعين مكلفا بالدراسات بديوان الوزير. ومن خلال هذا المنصب، عايش تفاصيل سير أشغال حكومة المرحوم عبد الرحمن يوسفي.
وفي تعزية للكتابة الجهوية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بجهة الشرق، أكدت الكتابة أنها ” تلقت ببالغ الحزن والأسى، نبأ وفاة المرحوم بنيونس مرزوكَي، عضو المكتب السياسي، وعضو فريق العمل المكلف بالجهة، وعضو الكتابة الجهوية، يوم الإثنين 09 دجنبر 2024.
وبهذه المناسبة الأليمة تتقدم الكتابة الجهوية للحزب، وكل مناضلات ومناضلي الحزب بالجهة، بأصدق عبارات التعازي والمواساة إلى أسرة الفقيد، وكل أفراد عائلته، سائلين الله عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
وداعا المناضل السياسي والحقوقي بنيونس مرزوكي
بتاريخ : 11/12/2024