فقدت الساحة الأدبية والثقافية التونسية والعربية، أول أمس الأربعاء 4يونيو الجاري، أحد أبرز أعلامها بوفاة الكاتب والروائي حسونة المصباحي عن عمر ناهز 75 عاما، بعد مسيرة أدبية طويلة ترك خلالها بصمة واضحة في الرواية العربية وأدب الرحلات والقصة القصيرة. بدأ مشواره المهني أستاذا للغة الفرنسية، لكنه فُصل لأسباب سياسية منتصف سبعينات القرن الماضي، لينتقل بعدها إلى العمل الصحفي والأدبي في الصحف والمجلات العربية المهاجرة مثل الدستور والوطن العربي وكل العرب والشرق الأوسط.
استقر الفقيد بمدينة ميونيخ الألمانية بين عامي 1985 و2004، حيث شغل منصب سكرتير تحرير مجلة» فكر وفن» الموجهة للعالم العربي، وكتب في كبريات الصحف والمجلات الألمانية، مقدّما مقالات ودراسات تناولت الثقافة العربية ورموزها البارزين.
حسونة المصباحي الروائي التونسي ابن قرية الذهيبات، المنتصر للهامش في جل كتاباته، والحائز على جائزة محمد زفزاف للرواية العربية في دورتها السادسة، التي تمنح كل ثلاث سنوات من طرف منتدى أصيلة الدولي. اختار بعد تجربة المنفى، العودة إلى تونس.
لم تكن «هلوسات ترشيش» ما دفعه إلى قرار العودة إلى قلب الأحداث، بل الرغبة في تطريز «حكاية تونسية» واكتشاف البلاد من جديد بعد أن استنفدت تجربة المنفى ذاتها وأصبح ملحا مطلب البحث عن أفق جديد للكتابة، هو الذي عبر عن هذه التجربة، بمرارة، ذات حوار أجريته معه سنة 2016، أن « الغربة شيء قديم وأنا أعيش المنفى في بلدي تونس». منفى تعمق في الأشهر الأخيرة بعد أن عجز عن تأمين العلاج على نفقته الخاصة وساءت حالته.
تميّز حسونة المصباحي بأسلوبه الأدبي المتفرد. وقد قدم طيلة مسيرته أعمالا سردية متنوعة شملت القصة والرواية وأدب الرحلة، كما خاض تجربة الترجمة. من أشهر رواياته «هلوسات ترشيش» (1995) و»الآخرون» (1998) و»وداعا روزالي» (2001)، نوارة الدفلى (2004)، حكاية تونسية (2008) و»يتيم الدهر» (2012). كما كتب مجموعات قصصية بارزة مثل «حكاية جنون ابنة عمي هنية» (1985) و»السلحفاة» التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة كين للأدب الإفريقي.
كان الراحل عاشقا للمغرب ولأصيلة التي لم يغب عن موسمها الثقافي كل سنة، حيث ترى الصحب والأصدقاء وندل المطاعم والمقاهي يبحثون عن ظله، ويسألون عن سبب تأخره ، فإذا بالأمكنة تضج بضحكاته وتشع بروحه المرحة ومناوشاته مع الروائيين صمويل شمعون أو أحمد المديني، مناوشات تنتهي بالعناق والضحكات المجلجلة.
ولأنه نسج علاقة صداقة وود كبيرين مع الكتاب والمثقفين والإعلاميين المغاربة بعد أن جاب المغرب طولا وعرضا، فقد صدر له عن «بيت الحكمة» في تطوان كتاب «الرحلة المغربية»، يستحضر مشاهداته وذكرياته بأسلوب يغلب عليه التشويق في السرد، كما ترجم كتاب «أصوات مراكش» للكاتب الألماني إلياس كانيتي. وكانت آخر أعماله «يوم موت سالمة» التي كتبها بعد أن اشتد عليه المرض وكان يحارب الوقت لإنهائها قبل أن يداهمه الموت والتي قال عنها لصديقه الشاعر والناشر حبيب الزغبي: «يوم موت سالمة» ستكون روايتي الأخيرة لأنني سأموت من بعد إتمامها، لذا أرجو منك أن تراجعها أنت ولا أحد غيرك كما ارجو أن تنشرها قبل موتي لأنني قلت فيها كل شيء.» وقد راجعها الزغبي في وقت قياسي و صدرت الرواية خلال أقل من أسبوعين من تسلمها في نسختها الصفر، وتسلمها الراحل. رواية مختلفة تماما عن كل ما كتبه المصباحي سابقا، رواية تدور أحداثها زمانيا خلال يوم واحد، « يوم موت سالمة» ومكانيا، يجوب المصباحي مدن العالم ،ليعود إلى قريته في ريف القيروان ويسرد علينا ما مرت به هذه البلاد ملخَصا في ما مرت به القرية،. يتحدث عن الحب، عن الحرب، عن الإرهاب،عن الجفاف وعن النزوح عن تونس مابعد 11 يناير، وأيضا عن أشباه المثقفين وعن انتظار الموت.
نال المصباحي عدة جوائز أدبية من بينها جائزة وزارة الشؤون الثقافية للقصة القصيرة سنة 1986 وجائزة Toucan لأفضل كتاب في مدينة ميونيخ عن روايته «هلوسات ترشيش». كما حاز جائزة محمد زفزاف للرواية العربية سنة 2016 تقديرا لمجمل أعماله الأدبية..
« وداعا روزالي»، وداعا حسونة المصباحي، لقد انتهت برحيلك «حكاية تونسية» خالدة.
«وداعا روزالي».. أنا ذاهب حيث «الآخرون» : حسونة المصباحي يودعنا بـ «يوم موت سالمة»

الكاتب : ح. الفارسي
بتاريخ : 06/06/2025