وزارة التعليم العالي وسياسة الهروب إلى الأمام

استفزت كلمة وزير التعليم العالي والبحث العلمي، التي ألقاها خلال حفل توزيع الدبلومات وشواهد تخرج فوج طلبة جامعة محمد السادس لعلوم الصحة، يوم 16 يوليوز 2022، عموم الصيادلة حين أعلن للمرة الثانية عن»أن الصيدلية بالمغرب سائرة نحو الزوال في وقت أقصاه 10 سنوات»، الأمر الذي خلق ضجة كبيرة وجدلا واسعا، حيث وجهت له العديد من الانتقادات. وتباينت ردود أفعال المهنيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي إزاء تصريحات الوزير المثيرة للجدل، حيث امتزجت فيها السخرية بالغضب، فيما أعرب كثير من المدونين عن دهشتهم من صدور تلك التصريحات من وزير التعليم العالي تحديدا دون الوزير المعني بالقطاع، معلقين عليها بالمتناقضة مع أولويات مسؤولياته كوزير للتعليم والبحث العلمي، وهو يرخص لمجموعة من كليات الصيدلة بالمغرب منها الخاصة والعمومية، الأمر الذي دفع بالمهنيين إلى استفسار الوزيرعن الحكمة في إنشاء جامعات تخرج عاطلين عن العمل؟.
كما استنكرت رئاسة الغرفة النقابية لصيادلة فاس تصريحات الوزير، وهو يتباهى أمام الطلبة بمعرفته الدقيقة بشؤون ومستقبل القطاع في ظل انتشار الإنترنت فائق السرعة، والذكاء الاصطناعي والتبني الهائل والسريع لعلوم تحليل البيانات، متجاهلا، «حسب مضمون البلاغ»أن التمثيليات المهنية ، ومنذ مدة، سبق لها وأن تنبأت بطبيعة هذه التحولات السريعة، ورفعت شعارا «من أجل صيدلية الغد»، وأوصت على هامش مؤتمراتها ولقاءاتها الرسمية والتنظيمية بالعمل على تأهيل الصيدلية في مواجهة التطور التكنولوجي، من خلال المطالبة بالتكوين المستمر ومواكبة التطورات، من جهة، ومن جهة أخرى أن الورش الملكي، يحث الجميع العمل على إنجاحه، لإرساء التغطية الصحية الشاملة وتسهيل ولوجية المواطن للأدوية.
وعلى هامش الرد على تصريحات الوزير، علقت الغرفة النقابية لصيادلة فاس، على الخرجة غير المحسوبة العواقب، بأنه كان يفترض على الوزير وهو يخاطب خريجي جامعة محمد السادس لعلوم الصحة، أن يوجه خطابا يحمل جرعة مناعية تمكن خريجي جامعة محمد السادس لعلوم الصحة فوج 2020-2021 وغيرهم من مواجهة تحديات سوق الشغل، ويعمل من موقعه على النهوض بأوضاع الصيادلة كمكون من مكونات الجسم الجامعي وإخراج المهنة من واقعها المر، نتيجة الإهمال والتجاهل والقرارات الأحادية، على اعتبار أن «الصيدلية» شريك أساسي لإنجاح الرعاية الاجتماعية، بدل الحكم عليها سيدي «المسؤول» بالزوال، لأنه لا سياسة صحية ناجحة بدون سياسة دوائية حكيمة، والتي لن تستقيم في ظل إكراهات وتجاوزات و»لخبطة»وخرجات غير مسؤولة يقابلها إهمال في السير العادي للقطاع وعدم الاستجابة لانتظارات وهموم المهنيين، الأمر الذي يهدد استقرار المهنة، ويجعل الأزمة تنعكس ليس فقط على القطاع، بل أيضا على صحة المواطنين، وذلك بسبب التطاول والممارسات غير القانونية، بدل اعتماد لغة اليأس، التي يستحيل معها التحليق بالقطاع بعيدا، مشددة على أنه بدل اعتماد سياسة الهروب إلى الأمام، في خرجة إعلامية مضحكة تطبعها السخرية والحرج، والهجوم على قطاع حيوي يلعب دوراً أساسيا في وقاية المجتمع وعلاجه من الأمراض، وفي حماية صحة المواطنين ضمن إطار النظام الصحي، بل ويعتبر الصيدلاني العمود الفقري لهذا النظام وشريكا أساسيا لإنجاح الرعاية الاجتماعية، نظراً لاحتكاكه المباشر مع المواطنين، فالممارسة الجيدة لمهنة الصيدلة تدعم وبشكل أساسي بنية الرعاية الصحية للمواطنين وتشكل حيزاً هاماً في إتمام عملية علاج المريض، من منطلق أن الصيدلاني هو وحده الذي يلم إلماماً كاملاً بتركيب وتحضير وتطوير الدواء، وهو الذي يدرك الآثار الجانبية والتفاعلات مع الأدوية الأخرى كما يدرك حركية الدواء مع الغذاء لذلك يؤكد الجميع بأن مصلحة المريض تكمن في استشارة الصيدلاني في سائر أمور الدواء، كان على الوزير الإجابة عن إخفاقاته في تدبير القطاع الجامعي، وجعل جامعات المغربية تغيب عن تصنيف شنغهاي لأفضل ألف جامعة عبر العالم. فبدل الاهتمام بالأسباب والمعايير، التي أجمع عليها المحللون والخبراء، والمرتبطة أساسا بعنصري جودة التعليم، وهيئة التدريس، إلى جانب، حسب رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، واقع التعليم العالي والبحث العلمي بالمغرب، الذي أصبح مقلقا جدا ، فهو يعيش مشاكل معقدة وبنيوية موضوعية وذاتية؛ لم يتمكن من الانطلاق الفعلي نحو السباق، إذ منذ تفعيل مقتضيات الميثاق الوطني والقانون 01-00 والتعليم العالي يتقدم خطوة ليتراجع خطوات، بعد فشل «المسؤول»في الحد من بعض الممارسات التي تفوح رائحتها وتفجرت بمواقع التواصل الاجتماعي وكانت مواد دسمة لعدد من المنابر الإعلامية، معتمدا سياسة الهروب إلى الأمام، لعدم الحديث عن واقع الجامعة المغربية، والعمل على إنقاذ سفينته التي تغرق في بحر الإهمال، بدل الاهتمام بشؤون قطاعات لا تعنيه…


الكاتب : بقلم : حسن عاطش

  

بتاريخ : 25/08/2022