تواصلت خلال يومي الجمعة والسبت الأخيرين أشكال التظاهر السلمي للشباب في العديد من المناطق، وحرص المحتجون خلالها على الوقوف في وجه كل شائبة قد تضرّ بصورة احتجاجاتهم، مصرّين على أن تكون مشرّفة وتعكس درجة وعيهم، وأن يبعثوا بذلك رسائل إلى كل الجهات، التي تبيّن كيف أن الشباب المغربي منذ أن خرج في اليوم الأول إلى الشارع للمطالبة بالصحة والتعليم والشغل والسكن اللائق، وبمحاربة الفساد، وتنزيل السياسات العمومية التي تضمن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، أصرّ على أن يكون ذلك بشكل سلمي وحضاري، بعيدا عن كل أشكال العنف أو مظاهر التخريب، التي لا تمتّ إليهم بصلة لا من قريب ولا مت بعيد.
ورود، نظافة ورسائل تقدير
خلافا للصور التي تقاسمها رواد مواقع التواصل الاجتماعي والتي وثقتها الكاميرات منتصف الأسبوع الفارط، التي ساهمت بشكل أو بآخر في نشر جو كبير من القلق خوفا من أن تتحول احتجاجات الشباب إلى لحظة للتخريب، خاصة بعد أن تم إحراق مرافق إدارية وعمومية، وتخريب ممتلكات خاصة وعامة، ونهب مراكز تجارية، واستهداف مقرات أمنية، عادت أجواء الاطمئنان لاحقا بعد ان ظهرت صور أخرى مغايرة، والتي تكشف عن حسّ وطني عالٍ ورفيع للشباب المحتجين.
صور توقف متابعوها عند لحظات توزيع الورود على الأمنيين ومسؤولي الإدارة الترابية في مختلف المدن وعقب كل الوقفات التي تم تنظيمها في الأيام الأخيرة، ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ إذ تم توجيه رسائل شكر في الكلمات التي تلاها عدد من المشاركين في الاحتجاجات، التي عبرت عن تقديرها للقوات العمومية وللساهرين على الحفاظ على الأمن والنظام العامين، وبأنه ليست هناك أي دواء لكي يتواجه الطرفان، لأن كل واحد تواجد في الشارع سواء للاحتجاج او لتأمين تلك الوقفات، قد جاء من اجل خدمة الوطن كل من موقعه.
وإلى جانب ما سبق، وجهّت حركة “جيل زيد” نداء لشبابها في كل مكان من اجل الخروج هذه المرة لتنظيف الشوارع في خطوة تعكس روحا عالية للمواطنة، وتكشف كيف أن المحتجين وهم يطالبون بالحقوق التي ينادون بتسريع تنزيلها وملامسة آثارها في معيشهم اليومي، هم بنات وأبناء لهذا الوطن، ولا يريدون أن يكون هناك أي شيء يخدش صورته، وهي الدعوة التي لقيت استحسانا واسعا.
أكادير والمتابعات
أحالت مصالح الدرك والأمن صباح أول أمس السبت على النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بأكادير، حوالي 51 موقوفا تم إيداع 40 منهم بسجن ايت ملول من أجل ارتكاب جنايات الشغب والتخريب وإضرام النار في الممتلكات العمومية والخاصة والهجوم على مركز الدرك بالقليعة للاستيلاء على أسلحة نارية. وكانت محكمة الاستئناف بأكادير قد شهدت صباح يوم الخميس المنصرم تجمع العشرات من عائلات المعتقلين أمام مقرها على خلفية أحداث الشغب الدامية التي عرفتها منطقة القليعة وجماعة سيدي بيبي وجماعة ايت عميرة، ومدينة انزكان، وأولاد تايمة، وتارودانت يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين.
وعلى خلفية هذه الأحداث الخطيرة شرعت الفرقة الوطنية التابعة لمصالح الدرك الملكي في توقيف عدد من المتهمين وتقديمهم إلى النيابة العامة منذ يومي الخميس والجمعة 2 و3 أكتوبر، واستنادا إلى مصادر حقوقية فالموقوفين المتابعين بأعمال التخريب تنتظرهم تهم ثقيلة جنائية نظرا لما اقترفوه من أعمال خطيرة شهدتها بعض مناطق جهة سوس ماسة في الأيام الأخيرة، كما تنتظرهم عدد من الاحكام القضائية المشددة نظرا لنوعية المتابعة الجنائية الموجهة إليهم سواء من قبل النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف باكادير أو من طرف قاضي التحقيق بذات المحكمة.
وحسب المعطيات الأولية التي حصلنا عليها من عدة مصادر، فإن التهم المنسوبة لهؤلاء الموقوفين الشباب تعتبر خطيرة جدا، وتتوزع ما بين الاعتداءالدامي على القوات العمومية، واقتحام مقرات نظامية، وعدم الامتثال، وإضرام النار، وغلق الطريق العمومي بالقوة، وتخريب ممتلكات عمومية وخاصة، والتجمهر غير المرخص، واستهلاك المخدرات وغيرها من الأفعال الجنائية. وأفادت ذات المصادر بأن العقوبة القصوى لهذه الأفعال الجنائية قد تصل إلى المؤبد ولن تنزل الأحكام الصادرة في حق بعض المتهمين عن ثلاث سنوات في الحد الأدنى نظرا لخطورة الأفعال المنسوبة إلى المتهمين الرشداء على الخصوص.
وفي سياق متصل، صدرت عن المحكمة الابتدائية بأكادير أولى الأحكام على أحد المحرضين الذي استغل صفحته على الفيسبوك للدعوة للتخريب وارتكاب جرائم وجنح، حيث أدانته الغرفة الجنحية بأربع سنوات سجنا نافذا وغرامة قدرها 50 ألف درهم.
النيابة العامة بالقنيطرة وأحداث سيدي الطيبي
أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالقنيطرة أنه على إثر الأحداث المخلّة بالأمن والنظام العامّين التي عرفتها منطقة سيدي الطيبي التابعة لإقليم القنيطرة ليلة الأربعاء فاتح أكتوبر 2025 وما رافقها من أعمال سرقة، وعنف، وتخريب للممتلكات العامة والخاصة، وإضرام للنّار، فقد جرى يوم السبت 04 أكتوبر تقديم سبعة عشرة موقوفا على أنظار النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالقنيطرة موزعين بين ثمانية رشداء كانوا تحت تدابير الحراسة النظرية، وتسعة أحداث كانوا محتفظ بهم لدى المركز القضائي للدرك الملكي بالقنيطرة.
وقد تم تقديم ملتمس بإجراء تحقيق في حق أربعة رشداء من بين الموقوفين من أجل الاشتباه في ارتكابهم لأفعال مجرمة قانونا ، كما تقرر توجيه ملتمس بإجراء تحقيق في حق سبعة أحداث من بين الموقوفين وفق ما هو منسوب إليهم من أفعال إجرامية . في حين تم إحالة ستة من الموقوفين على وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالقنيطرة فيما ينعقد له الاختصاص بشأنه موزعين بين أربعة رشداء وحدثين اثنين .
وأوضح بلاغ الوكيل العام بأنه تبعا لملتمس النيابة العامة، فقد تقرر إيداع جميع المتهمين السجن في انتظار استكمال إجراءات التحقيق التفصيلي، في حين لا تزال الأبحاث جارية لتوقيف باقي المتورطين في هذه الأفعال وتقديمهم أمام العدالة.
التواصل والفجوات
تتبع عدد من الفاعلين والمواطنين بكثير من الاهتمام النقاش الذي فتحته بعض وسائل الإعلام، التلفزية منها والإذاعية، التي استضافت مسؤوليين حكوميين وخبراء في مجالات مختلفة إضافة إلى ممثلي الشباب، سواء بشكل فردي أو جماعي، للحديث عن الاحتجاجات وتسليط الضوء على بعض ملامحها وكيفيات التعامل معها.
وإذا كانت هذه الخطوة محمودة وظلت منتظرة بشكل كبير، لأن مختلف الفاعلين ينادون دائما بأن يكون الإعلام خاصة المرئي منه محتضنا لكل النقاشات المجتمعية ومفتوحا على كافة التحاليل للمساهمة في التحسيس والتوعية بكل القضايا التي تهم الوطن والمواطنين، فإن بعض التصريحات الرسمية، خاصة منها تلك التي صدرت عن الناطق الرسمي للحكومة الذي كان في ضيافة الزميل نوفل العواملة على قناة ميدي 1 تيفي، كانت بكل أسف مستفزة، وكشفت عن حجم الهوّة والفجوة بين الحكومة وبين الشباب ومطالبهم، وبيّنت وبالملموس كيف أن صدر الحكومة يضيق أمام كل انتقاد، وهو ما ظلت المعارضة تنبّه إليه، بالنظر إلى كيفية التعامل مع أسئلتها ومقترحاتها ومناشداتها، وجاء اليوم الذي كشفت فيه عن نفس التوجه وهي تتكلم عن الشباب!