وزير الخارجية الإسباني يلغي زيارته إلى الجزائر قبل 12 ساعة من موعدها

 

أعلن وزير الخارجية الإسباني، خوسي مانويل ألباريس، إلغاء زيارة إلى الجزائر، كانت مقررة أمس الاثنين، بناء على دعوة سبق أن وجهها له وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف.
وكانت مصادر جزائرية أكدت الزيارة، وأفردت وسائل الإعلام الجزائرية حيزا كبيرا للخبر، الذي اعتبرته حدثا هاما، ومؤشرا على تحقيق « اختراق» يزيل الجمود الذي طبع العلاقات بين البلدين، منذ أن قررت إسبانيا مساندة الحكم الذاتي في الصحراء وسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في مارس 2022.
بل إن وسائل إعلام تدور في فلك النظام، روجت أن زيارة ألباريس إلى الجزائر، سيتخللها استقباله من طرف الرئيس الجزائري، وصدور بلاغ مشترك، «تراجع» من خلاله مدريد موقفها من مساندة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية.
ومعلوم أن إسبانيا، قررت منذ مارس 2022، دعمها للحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وسيادة المغرب على أراضيه، وذلك على إثر الرسالة التي وجهها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى جلالة الملك محمد السادس.
و على إثر هذا الموقف الإسباني، ثارت ثائرة الجزائر، التي تدعي أنها محايدة في هذا الملف، وقررت في يونيو من نفس السنة، التعليق «الفوري» لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون التي أبرمتها بتاريخ 8 أكتوبر 2002 مع إسبانيا، كما قررت منع التصدير والاستيراد معها ، بعد أن وجهت جمعية البنوك والمؤسسات المالية خطابا إلى مديري البنوك الجزائرية، تعلمهم بقرار تجميد إجراء عمليات التوطين البنكي الخاصة بنشاطات التصدير والاستيراد من وإلى إسبانيا.
واعتبرت وزارة الخارجية الإسبانية إبانها أن التجميد الأحادي الجانب للتجارة مع إسبانيا ينتهك الاتفاقية الأوروبية المتوسطية لعام 2005 ، التي أسست لنظام الشراكة التفضيلية بين المجموعة الاقتصادية الأوروبية آنذاك والجزائر.
كما حذر الاتحاد الأوروبي الجزائر من تداعيات القيود التجارية التي فرضتها على إسبانيا، معبرا عن «قلقه البالغ» إزاء القرار الذي اتخذته الجزائر بتعليق معاهدة الصداقة، وحسن الجوار الموقعة مع إسبانيا سنة 2002.
واعتبر الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية جوزيب بوريل، ونائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية فالديس دومبروفسكيس، في بيان مشترك، أن الخطوة الجزائرية أحادية الجانب تشكل «انتهاكا لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر»، مؤكدين أن الاتحاد الأوروبي «سيعارض أي نوع من الإجراءات التعسفية المتخذة في حق دولة عضو في الاتحاد الأوروبي».
وخلال هذه المدة، طبع الجمود العلاقات بين البلدين، حيث راهنت الجزائر على الانتخابات التشريعية التي شهدتها إسبانيا في يوليوز الماضي، وصعود حكومة جديدة يقودها الحزب الشعبي، بل إن الرئيس الجزائري أعلن رسميا أنه لن يكون هناك اتصال مع إسبانيا في ظل الحكومة التي يقودها الحزب الاشتراكي العمالي، بقيادة بيدرو سانشيز.
غير أن نتائج الانتخابات التشريعية في إسبانيا، أكدت مرة أخرى ضيق الأفق السياسي لحكام المرادية، وعجزهم عن قراءة المشهد السياسي في هذا البلد الإيبيري، حيث تمكن بيدرو سانشيز من تشكيل أغلبية برلمانية وقيادة الحكومة لولاية ثانية.
وعلى إثر هذه التحولات، سرعان ما بدا تخبط النظام الجزائري، فرغم كل الإجراءات التي اتخذها، وهللت لها وسائل إعلامه ووصفتها ب»الإجراءات العقابية»، واصلت مدريد التقدم في مسار الشراكة الاستراتيجية مع المغرب، كما نصت على ذلك خارطة الطريق التي اعتمدها البلدان في أبريل 2022، وتأكيد موقفها من دعم الحكم الذاتي وسيادة المغرب على كامل أراضيه.
وبدا هذا التخبط أوضح، عندما تراجعت الجزائر، وعينت سفيرا لها في مدريد، ولتسويق هذا التراجع للرأي العام الجزائري، ادعت أن هناك ليونة في التعاطي الإسباني مع النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، سرعان ما كانت تنقلب عليه كلما تحركت إسبانيا مؤكدة أن موقفها من هذا النزاع، هو نفسه الذي جاء في الرسالة التي سبق أن وجهها رئيس الحكومة الإسبانية إلى جلالة الملك محمد السادس في مارس 2022، آخرها ما تضمنته الجريدة الرسمية في إسبانيا، التي أشارت إلى العيون بأنها مدينة مغربية، ناهيك عن الزيارات التي قام بها العديد من المستثمرين الإسبان إلى الأقاليم الجنوبية، والإعلان عن إقامة عدة مشاريع بها.
وتؤكد هذه المعطيات، أن الجزائر التي رهنت سياستها الخارجية بدعم الانفصاليين، لم تعد تدرك كيف تتصرف مع الدعم المتزايد للمغرب ووحدته الترابية، فلا هي قادرة على الذهاب إلى أبعد حد في الرد على هذا الدعم، ولا هي راغبة في الاعتراف بأن سياستها هذه، تضر بها وبمصالح شعبها، بل وترهن مستقبل المنطقة كلها.
ويبدو أن هذا التخبط وسقوط هذا الرهان، هو الذي دفع وزير الخارجية الإسباني إلى إلغاء زيارته إلى الجزائر، قبل 12 ساعة فقط من موعدها، فإسبانيا التي ترغب في علاقة طبيعية مع الجزائر بدون تدخل في مواقفها الخارجية، غير مستعدة للتنازل عن موقفها من الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وعلاقتها مع المغرب تزداد رسوخا، كما يؤكد على ذلك مختلف المسؤولين الإسبان، لكن الجزائر تغامر مرة أخرى بمصالحها ومصالح شعبها، وتضيق الخناق على نفسها مع تواصل الدعم الواضح لمغربية الصحراء على الصعيد الدولي.


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 13/02/2024