ثلاثة قرارات وقعها الوزير جففت الأسواق من السردين
مصانع التصبير ودقيق السمك تزاحم الفقراء على قوتهم اليومي
المغاربة يجنون الغلاء من التدبير الحكومي للسياسة الغذائية
شهدت جلسة البرلمان الأخيرة تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها وزير الفلاحة والتنمية القروية أحمد البواري، والتي أشعلت موجة واسعة من التهكم والسخرية بين المواطنين وعلى منصات التواصل الاجتماعي. جاءت هذه التصريحات في سياق الرد على تساؤلات النواب حول الارتفاع غير المسبوق في أسعار المواد الفلاحية الأساسية، بما في ذلك اللحوم البيضاء والحمراء والأسماك. فقد أشار الوزير إلى أن السمك يتأثر بعامل الجفاف، مبررا ذلك بأن الجفاف يؤثر على البيئة البحرية وعلى مصادر غذاء الأسماك مثل الكريل.
وعوض أن يكشف الوزير عن الأسباب الحقيقية المباشرة وراء ارتفاع أسعار السمك السطحي الذي كان في متناول الطبقات الفقيرة، ومن بينها على الخصوص القرارات الثلاثة التي اتخذتها وزارته مؤخرا والمتعلقة باعتماد فترة راحة بيولوجية خاصة بالأسماك السطحية، وخصوصا سمك السردين، وذلك ما بين 45 يوما وسنة، حسب مناطق الصيد الثلاث على طول السواحل الوطنية. حيث استنادا إلى القرارات الثلاثة التي أصدرها الوزير الوصي على القطاع ، فقد تقرر اعتماد فترة راحة بيولوجية لأسماك السردين بالمصيدة الأطلسية الوسطى من منطقة تغناج Taghnage ، التابعة لمندوبية الصيد البحري لأكادير، إلى حدود «كاب بوجدور» التابعة لمندوبية الصيد بالعيون، مدتها 45 يوما، حسب القرار رقم 02/24، تبتدئ من فاتح يناير إلى 15 فبراير المقبل، وبدل الاعتراف بأن الصناعات الغذائية و خاصة مصانع التصبير و مصانع دقيق السمك أصبحت تجفف الأسواق من السمك الشعبي وتحرم منه الفقراء، وبدل أن يقول الوزير إن فتح الباب على مصراعيه للمصدرين هو الأولى بالنسبة للحكومة من التفكير في القوت اليومي للمغاربة … بدل أن يكاشف الوزير الجديد المغاربة بهذه الحقائق، فضل سيادته أن يعلق غلاء السردين على مشجب الجفاف الذي يساهم في هروب الأسماك .
وأثار هذا التصريح تفاعلا غاضبا داخل قبة البرلمان أيضا، حيث انتقد نواب تعاطي الحكومة مع أزمة الغلاء، مشيرين إلى أن هذه التبريرات تستخف بذكاء المغاربة. وأكدوا أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يعود إلى عوامل هيكلية تشمل غياب الرقابة واحتكار السوق من قبل بعض الفاعلين، بالإضافة إلى سياسات التصدير المفرطة.
من جهة أخرى، أوضح خبراء أن تأثير الجفاف على الأسماك ليس مباشرا، لكنه قد يؤثر عبر تغييرات في درجات حرارة المحيطات ونمط التيارات البحرية، مما ينعكس على وفرة الغذاء البحري. كما أن ارتفاع درجة حرارة المحيطات يتسبب في تدهور الشعاب المرجانية، مما يؤثر على التنوع البيولوجي البحري ويزيد من ندرة الأسماك غير أن المغرب ليس معنيا مباشرة بهذه الظاهرة التي تؤثر على الخصوص في الشعب المرجانية الاستوائية.
في هذا الإطار، طالب برلمانيون بضرورة تقييم برامج الحكومة المتعلقة بالتخفيف من آثار الجفاف وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، مشيرين إلى وجود اختلالات محتملة في توزيع الدعم العمومي. كما دعوا إلى تعزيز الشفافية في الشراكات بين وزارة الفلاحة والجمعيات المهنية لضمان عدم استغلال الموارد العمومية بشكل غير مشروع.
وتظل الأزمة الاقتصادية التي يواجهها المغرب انعكاسا لأزمات هيكلية أكبر تتطلب إصلاحات جذرية. ويشير المهنيون إلى ضرورة تقوية الإنتاج الوطني عبر دعم الفلاحين الصغار وتشجيع الزراعة المستدامة، مع تنظيم السوق وضمان رقابة صارمة على سلاسل التوزيع. كما أن تقنين التصدير وتوجيه الإنتاج لتلبية احتياجات السوق المحلية بات أمرا ضروريا في ظل ارتفاع الأسعار.
أما على مستوى التواصل الحكومي، فإن الخطاب الرسمي يحتاج إلى مراجعة جذرية لتفادي التبريرات التي قد تزيد من تأجيج الاحتقان الشعبي. فالثقة بين الحكومة والمواطنين تُبنى على أساس الشفافية والإجراءات الملموسة التي تخدم المصلحة العامة.
تصريحات الوزير حول تأثير الجفاف على السمك قد أثارت الكثير من الجدل، لكنها في الواقع تعكس فقرا تواصليا فظيعا تعاني منه الحكومة كلما سُئلت حول سياستها في التعامل مع أزمة الغلاء. وعوض اتخاذ قرارات جريئة وشجاعة تعيد التوازن إلى السوق وتحسن من مستوى معيشة المواطنين الذين أنهكتهم الظروف الاقتصادية الصعبة، أصبح وزراء الحكومة يتناوبون على إطلاق “الفقاعات الإعلامية” التي سرعان ما تتحول إلى مادة دسمة للسخرية والتهكم.