وضعية اليهود المغاربة خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر 13- سياسة إسرائيل تجاه اليهود السوسيين

تندرج هذه المساهمة المتواضعة ضمن خانة التاريخ الراهن للمغرب، وضمنها نحاول أن نجيب عن أسئلة ظلت عالقة في هذا الصنف الجديد من التاريخ سيما وأن المدارس التاريخية؛ وبخاصة المدرسة الفرنسية، خطت خطوات كبيرة في هذا المجال عندما نادى مؤرخوها بإعطاء الأولوية لتاريخ المهمشين ضمن ما أسماه جاك لوغوفJaque Le Goofالتاريخ الجديد ؛ وفي هذا السياق تم اختيارنا لموضوع اليهود والمخزن خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر بغية تسليط الضوء عن موضوع العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين الأغلبية المسلمة والأقلية اليهودية..

 

تنفرد سوس كحالة اسثتنائية في سياق ما تعرض له اليهود من حملات تهجيرية شملت القاطنين في شمال إفريقيا، وعلى الأقل فسوس لم تتأثر بأفكار دعاة الصهيونية إلا في وقت متأخر. والملاحظ حسب الدراسة أن فـالتغلغل الصهيوني لم يكن بآليات اقتصادية أو سياسية وإنما ركز على نقطة ضعف اليهود بسوس وفقرهم، فالأعمال الخيرية والاجتماعية وجدت مرتعا لها في أوساط يهود سوس الذين أصبحوا يلمسون الفرق بين ماكانوا وما أصبحوا عليه بفضل هذه الأعمال، وهو ماسيغير من مستوياتهم الاجتماعية بشكل جذري. واتضح ذلك في مناهج التربية وبرامج ولتكوين التي أصبح يتلقاها يهود سوس في مدارس الرابطة الإسرائيلية العالميةفأصبح من السهل على الدعاة تأهيل العقول لقبول مقولات المشروع الصهيوني في الشرق الأوسط، إذ لم تعد النخبة اليهودية، التي كان يشكلها الأعيان ورجال الدين، تباشر جمع التبرعات لفائدة المعوزين كما كان الأمر ساريا، بل آل هذا الدور لصالح الأحبار القادمين من فلسطين إلى سوس المشبعين بثقافة الصهيونية العالمية، التي ولدت في أحضان بريطانيا، متوجة بوعد بلفور 1917. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية نظمت حركات تهجيرية لفائدة يهود سوس نحو «وطنهم» الجديد فأخليت الملاحات عن آخرها. ولابد من تسجيل فروقات طبعت سياسة إسرائيل تجاه هؤلاء اليهود السوسيين البسطاء الذين أُلحقوا بالضيعات الفلاحية للعمل كمياومين في وقت حظي فيه الأشكناز بوظائف عليا في مواقع القرار السياسي والعسكري. يعترف الباحث أن السرعة التي تمت فيها عملية التهجير تطرح صعوبة تتبع آلياتها بشكل دقيق، لكن يمكن استحضار عوامل أخرى شجعت على هذه العملية أهمها: انهيار الأسس الاقتصادية للتجار اليهود بفعل تدهور منظومة تجار السلطان في أوائل القرن العشرين، وتراجع مداخيل التجارة الصحراوية التي كان اليهود يلعبون فيها دور الوسيط، بالإضافة إلى الدور الذي لعبه الأجانب في تعميق الهوة بين اقتصاد محلي بسيط واقتصاد رأسمالي يسعى إلى الربح السريع عن طريق المبادرة الحرة، وانفتاح الاقتصاد المحلي على الاقتصاد العالمي دون وساطة وتدخل السلطان أو من ينوب عنه. وفي أواخر الخمسينيات أخليت الملاحات الصغرى عن آخرها إما بتهجير سري أو قسري لجماعاتها، مع استثناء لبعض العائلات التي فضلت البقاء في بعض المراكز الحضرية كأكادير وإنزكان وتارودانت وكلميم وأقا.
لعل من إيجابيات هذه الدراسة تقيدها بوحدة الزمن و المكان و الموضوع. فالزمن يمتد قرابة قرن (1860-1960)، إذ اختار الباحث الفترة المعاصرة والراهنة، إسوة بالأستاذ محمد كنبيب، للإجابة عن إشكالية بحثه بعدما فضل زملاؤه الفترة الوسيطية لاقتفاء أثر اليهود بالمغرب، كما هو الحال بالنسبة للباحث المغربي محمد الغرايب (يهود المغرب الأقصى خلال الفترة الوسيطة، دكتوراه دولة،2007). إن اختيار عبد الله لغمائد لهذه الفترة الزمنية تحكمه عدة اعتبارات؛ فالسنة الأولى تؤرخ لحدث عسكري بارز شهده المغرب في الفترة المعاصرة؛ يتعلق الأمر بهزيمته أمام الاسبان في حرب تطوان (1859-1860)؛ بالإضافة إلى النتائج المتعددة التي أسفرت عنها هذه الحرب، ويرى الباحث أن هذه السنة تشكل متغيرا في أفق المنظور القانوني لوضعية الذميين، ذلك أن الجمعيات الدولية كان لها موقف مغاير لموقف المخزن في النقطة التي تهم كيفية استخلاص هذا الأخير للجبايات من اليهود. كما تؤرخ هذه السنة لتكون جماعات من المحمين اليهود بعباءة الأجانب، خاصة البريطانيين والفرنسيين والإسبان، بذريعة حمايتهم كأقلية كانت مضطهدة ضريبيا بفعل السياسة الضريبية المجحفة التي انتهجها المخزن ضدهم. فأهل الذمة كما ترى الدراسة يحتكمون إلى المخزن من خلال تطبيق الشرع، وهو ما فسح المجال للرابطة الإسرائيلية، فيما بعد، للتدخل. أما اختياره لسنة 1960 فراجع إلى طبيعة العدة الوثائقية التي توفر عليها، ورغم ذلك فالدراسة تتخللها سنوات أخرى لها دلالة تاريخية كسنة 1963 التي تؤرخ لفراغ الملاحات اليهودية، مع بعض الاستثناءات، أو سنة 1967 التي تؤرخ لأكبر هجرة يهودية نحو أرض فلسطين بعد انكسار شوكة العرب. أما المكان فيهم سوس بقطريه الأقصى والأدنى مع الأخذ بعين الاعتبار ما كان يحدث في المغرب في علاقته مع محيطه الدولي، في حين يرتبط موضوع الكتاب بجماعات اليهود في سوس وتاريخهم الاجتماعي والاقتصادي. يظل اعتماد الباحث في هذه الاطروحة التحقيبَ الكلاسيكي في حلته الفرانكفونية غير ملائم نسبيا سواء لموضوع الدراسة، او المنهج المحتذى فيها، بالنظرإلى طبيعة الخصوصيات التي تميز هذه الاقلية الدينية في فضاء سوس.


الكاتب : الدكتور ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 28/04/2021