تندرج هذه المساهمة المتواضعة ضمن خانة التاريخ الراهن للمغرب، وضمنها نحاول أن نجيب عن أسئلة ظلت عالقة في هذا الصنف الجديد من التاريخ سيما وأن المدارس التاريخية؛ وبخاصة المدرسة الفرنسية، خطت خطوات كبيرة في هذا المجال عندما نادى مؤرخوها بإعطاء الأولوية لتاريخ المهمشين ضمن ما أسماه جاك لوغوفJaque Le Goofالتاريخ الجديد ؛ وفي هذا السياق تم اختيارنا لموضوع اليهود والمخزن خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر بغية تسليط الضوء عن موضوع العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين الأغلبية المسلمة والأقلية اليهودية..
تكاد تخلو آثار شخصية مايير مقنين في الأرشيف المخزني نظرا لكون وثائق السنوات السابقة لسنة 1830 ضئيلة ومحتشمة بفعل الطاعون الجارف الذي أودى بحياة العديد من كبار رجالات المخزن والأسر النافدة في المغرب؛ ويستثنى من ذلك وثائق العائلات والمراسلات الإخوانية التي تشير باللمز إلى هذه الشخصية اليهودية، وكذا في مرابد الأرشيفين البريطاني والفرنسي وهو مادفع ببعض زملاء وأصدقاء صاحب الكتاب إلى التشكيك في حقيقة وجود مايير مقنين أم أن الأمر يتعلق بشخصية أخرى هي «وقنين» المعروف في الوسطين المغربي والعبراني، غير أنه في الأوساط اليهودية البريطانية ظل إسم مقنين يتكرر في الذاكرة الشعبية سيما وأن اليهود يعتمدون يومية التقويم العبري؛ إذ جاء الحديث عن مقنين ضمن لوحة كرونولوجية تحفظ تاريخ اليهود منذ الطوفان إلى الزمن الحاضر؛ ففي تقويم 1813 جاء مايلي « مسعود ك. مقنين المحترم، المبعوث الخاص من المولى سليمان إمبراطور المغرب إلى الحكومة البريطانية». أما تقويم 1827 فجاء الحديث عنه بمايلي» مايير مقنين المحترم، المبعوث الخاص من إمبراطور المغرب مولاي عبد الرحمن إلى بلاط حضرة سانت جيمس». إن ندرة الوثائق المتعلقة بهذه الشخصية اليهودية سواء في مرابد الأرشيف المخزني أو الارشيف الأجنبي تجعل الذخيرة الوثائقية التي حصل عليها صاحب الكتاب دانييل شروتر على إثر لقائه بصديقه جوزيف شتريت، وثائق أصيلة لانفرادها بأخبار تهم الشخصية المحورية في هذا الكتاب هذه الوثائق يعود الفضل في الحفاظ عليها إلى وريثها الشرعي الحفيد ليفي قرقوز الذي استوعب أهمية عائلته اليهودية ضمن الوسط المخزني والشبكة التجارية العالمية ومن تم ضرورة المحافظة على ثرات الأجداد.
يعترف دانييل شروتر بأن شخصية مايير مقنين يكتنفها الكثير من الغموض باعتبار هذا الأخير لا أثر له كمخاطَب في المراسلات المخزنية أو الأجنبية وحتى في وثائق العائلات حيث يستنتج منها أن الرجل كان داهية وفاسدا في الوقت ذاته؛ داهية لأنه عرف كيف يستميل إليه المخزن، وفاسدا لأنه وظف ثقة هذا الأخير لخدمة مشاريعه الشخصية بشكل غير قاننوني مما جعل الأجانب المقيمين بالمغرب ينعثونه بالشخص الورع التقي المحافظ على نقاء وجه اليهود، والفاسد كما هو متداول في الأوساط الاوربية.
حسب المؤلف فإن وثائق ليفي قرقوز حفيد أسرة مايير مقنين تساعد على فهم الوسط الذي عاش فيه كبار التجار المغاربة اليهود. ولعل أصالة هذا الكتاب تتمثل في كون صاحبه حاول جاهدا تجاور النظرة النمطية في تناول تاريخ اليهود كما هو متداول في الاستوغرافية الغربية .