وضعية اليهود المغاربة خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر 25 : اليهود المغاربة من منظور انثربولوجي مغربي (2)

تندرج هذه المساهمة المتواضعة ضمن خانة التاريخ الراهن للمغرب، وضمنها نحاول أن نجيب عن أسئلة ظلت عالقة في هذا الصنف الجديد من التاريخ سيما وأن المدارس التاريخية؛ وبخاصة المدرسة الفرنسية، خطت خطوات كبيرة في هذا المجال عندما نادى مؤرخوها بإعطاء الأولوية لتاريخ المهمشين ضمن ما أسماه جاك لوغوفJaque Le Goofالتاريخ الجديد ؛ وفي هذا السياق تم اختيارنا لموضوع اليهود والمخزن خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر بغية تسليط الضوء عن موضوع العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين الأغلبية المسلمة والأقلية اليهودية..

 

 

لقد تسلح عمر بوم بأدوات الإثنوغرافي الرصين، وسمحت له علاقاته داخل المجتمع الصحراوي من تحديد أهدافه وهو المتسلح بالمنهج الانثربولوجي. يعرج صاحب الكتاب على نقطة مهمة و هي المرتبة المتدنية لليهود داخل مجتمع أغلبه يدين بالاسلام وشبه هذه الوضعية أيضا بوضعية ذوي البشرة السوداء من عبيد وحراطين التي ينتمي إليها وعمر بوم تعرض لنعوت مهينة من قبيل اليهودي الفلاشي، وهي نفس النعوت التي سبق لعبد الله الغمائد أن تعرض لها وهو ينجز أطروحته حول «جماعات يهود سوس» التي تطرقنا إليها سلفا في الحلقات الأولى. تمكن الباحث من جرد المحطات التاريخية ليهود المغرب من خلال تسليط الضوء على عاداتهم وأعرافهم وحياتهم الاجتماعية والثقافية وقد شبه البعض الباحث بمحاولته إنتاج معرفة استعمارية بئيسة لاتقل على شاكلة كتاب «التعرف على المغرب» لصاحبه شارل دوفوكو الذي تزيى بزي يهودي وتمكن من إنتاج كتابه هذا و الذي سهل على فرنسا مأمورية تنفيد مخططها الاستعماري مستخدمة كثيبة العلماء محل كثيبة الجيش، ولعل بوم يعترف بأنه دحض بعض مقولات دوفوكو وأيد بعضها بناء على البحث الميداني الذي قام به ومن خلال كذلك السجلات العدلية، والمرويات الشفوية وصفحات الجرائد اليهودية والاسلامية التي كانت متداولة خلال الحقبة الاستعمارية بالمغرب.
لقد وجد عمر بوم نفسه أمام ثلاثة أصناف من المرويات المغربية الاسلامية عن المغاربة اليهود؛ فهناك من يحن إليهم خاصة التجار المسنين الذين لم تكن تجارتهم تتطور إلا بوجود اليهود ضمن المنظومة التجارية المغربية، وهناك فئتان من صغار السن والشباب والكهول تتحدث بغيبة ونميمة جارحة مستمدة من النعوت الموجودة في القرآن ومصادر التشريع الاسلامي عن اليهود بغية إيجاد صلات الوصل بينها وبين مايقع في فلسطين.
يتناول الكتاب بالدراسة والتحليل الخطاب السردي، والذكريات الخاصة بأربعة أجيال متعاقبة من المسلمين حول جيرانهم اليهود الذين استقروا إلى أمد قريب بالمناطق الهامشية بالجنوب الشرقي للمغرب، ومن خلال المرويات الشفوية والسجلات العدلية وأرشيف الاسر الجنوبية أمكن للباحث تسليط الضوء على تاريخ الطوائف اليهودية بالجنوب الشرقي والتي ظلت مهمشة إلى أمد قريب. وقد تم تقسيم جيل العينة الاثنوغرافية التي اعتمدها بوم في كتابه بالتساوي انطلاقا من الخلفية العرقية (عرب- أمازيغ) مع اسثتناء الجنس الأنثوي لاعتبارات وخصوصيات المنطقة المحافظة. أما فيما يخص العينة فقد اعتمد عمر بوم الأجداد الكبار(1912/1956) أي الذين عاصروا حقبة الحماية الفرنسية والأجداد (1940/1943) الذين عاصروا حكومة فيشي، وإقامة دولة اسرائيل (1948)والآباء(1956) الذين عايشوا ظروف وحيثيات استقلال المغرب، والحرب العربية الاسرائيلية والشباب البالغين الذين لم يسمح لهم الحظ بمجاورة اليهود المغاربة لكن كانوا على علم بالتطورات السياسية بمنطقة الشرق الأوسط؛ من قبيل انتفاضة (1987) واتفاقيتي أوسلو وكامب ديفيد وانتفاضة الأقصى (2000).
توصل الباحث إلى أنه في ظل الغياب الفعلي لليهود في المغرب يضطر المغاربة المسلمون إلى استرجاع ذكريات الأمس ومايقع اليوم في المنطقة العربية؛ فالأجداد يتذكرونهم بحنين وشوق، أما الشباب فلهم وجهات نظر ضيقة مردها للمعلومات الخاطئة حول يهود المغرب على حد قول الباحث. إن المرويات حول يهود المغرب تختلف من جيل إلى آخر وبواسطة قنوات مختلفة مما أفرز تمثلات مختلفة ومتباينة بين الأجيال المعتمدين في العينة الاثنوغرافية، فالشباب الذين يصفون اليهود المغاربة بأقدح النعوت يمكن أن يكونوا أفراد من نفس أسرة الأجداد والآباء غير أن مستواهم المعرفي «المتواضع» يضطرهم إلى استخدام هذه النعوت في حق اليهود الذين عاشوا إلى جوار أجدادهم. إن المرجعية الاسلامية بخصوص التعامل مع اليهود لطخت الانطباع حول اليهود المغاربة بالنسبة لجيل الشباب بيد أن العديد من الفئات المثقفة والسياسين يحاولون اليوم جاهدين التمييز بين السياسات الاسرائيلية وواقع التاريخ المشترك بين المسلمين وجيرانهم اليهود المغاربة دون معاداتهم، وذلك من خلال تسليط الضوء على الزوايا الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية لهذه الأقلية، ولعل هذا هو النقاش الحقيقي لتصحيح بعض المغالطات التي يتم الترويج إليها حسب صاحب الكتاب، ولربما توفير الدعم والحماية لليهود المغاربة من طرف النظام الملكي وإدراج الثقافة العبرية في المقررات وإحداث أندية التعايش والتسامح لمن شأنه في نظرنا أن يعيد النقاش بعيدا عن التاريخ الساخن لليهود في فلسطين.
اختتم عمر بوم كتابه بخاتمة سماها «حوار الأديان» يمكن أن يتخلى عنها مستقبلا نظرا للتحول الذي سيطرأ على المناهج الدراسية في السنوات القادمة وذلك من خلال ادماج تاريخ اليهود وثقافتهم في المناهج الدراسية واحداث اندية خاصة للتربية على قيم التعدد والاختلاف والتعايش وهي تحولات مؤطرة باتفاقيات تم توقيعها مؤخرا ببيت الذاكرة في الصويرة بحضور وزير التربية الوطنية ومستشار الملك أندري أزولاي وهو ما سيمكن الأجيال القادمة من تغيير مواقفها وإعداد المجتمع لقبول الاختلافات الثقافية والعرقية ولربما كان هذا هو مطلب عمر بوم الذي خلص اليه من خلال بحثه الذي استغرق عقدا من الزمن متجولا بين عدة بلدان وفي أصقاع الجنوب الشرقي.


الكاتب : الدكتور ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 13/05/2021