وفاء لروح وعطاء الكاتب الراحل أحمد طليمات

«مدارات» يرسم بورتريها للراحل بريشة أصدقائه

فقد الحقل الثقافي والجمعوي والسياسي بمراكش خاصة، والمغرب عموما، برحيل الكاتب والمناضل أحمد طليمات الأسبوع الماضي، واحدا من رموز الثقافة الجادة الذين ساهموا في كتابة صفحات من التاريخ المغربي الأدبي والسياسي منذ الستينات إلى الآن، عبر كتاباته الغزيرة  في الشعر، القصة والرواية، بالإضافة إلى كتاباته ومقالاته عبر مختلف المنابر الإعلامية الوطنية التي نشر بها (المحرر، العلم ، أنوال، الاتحاد الاشتراكي…)، كما كان عضوا بهيئة تحرير مجلة «الاختيار» لمؤسستها الشاعرة ومالكة العاصمي منذ سنة 1973.
 عرفه المغرب أيضا عضوا داخل منظمة 23 مارس، ومؤسسا من مؤسسي منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي تحمل فيها مسؤوليات وطنية ومحلية، كما كان عضوا بالمجلس الإداري لمركز التنمية تانسيفت وعضوا نشيطا في لجنته الثقافية.
في محاولة لرسم بورتريه شامل عن مساره بكل تعدده وغناه، خصص برنامج «مدارات» حلقته ليوم السبت 28 نونبر، للراحل أحمد طليمات تكريما لروحه وعطائه الغزير، وهو البورتريه الذي ساهم في رسم ملامحه، أصدقاؤه في الأدب والعمل الجمعوي والسياسة والتربية.

 

كان اختيار الزميل عبد الإله التهاني، تخصيص حلقة عن الراحل أحمد طليمات، اعترافا ووفاء لكاتب انفتح اطلاعه وإنتاجه الأدبي على كل المعارف والتاريخ الفكري والأدبي الإنساني، حيث عاش الشاعر والكاتب الراحل بأفق فكري منفتح ينهل من التراث المشرقي والثقافات المعاصرة، متفاعلا مع كل التيارات الفكرية والتحولات المجتمعية. هو الكاتب الذي، حسب التهاني، كان يكتب بتؤدة وحرص غير مستعجلٍ مسألة النشر، رغم ملكاته اللغوية الواسعة ومعارفه المتعددة، وهو ما يفسر تأخره في نشر أعماله: «وثني المطر»،  «لحاءات حليمة وللحروف شمائل»،»المختصر من مقامات الأنفاق» و «المختصر من تخرصات الكوارثي وترخصاته أو : وجدناها»»السيد لينين والسيد فرويد والسيد تحفة»، «مخلوقات منذورة للمهانة»، «الهدى هولدينغ».

محمد زهير: حفر لحضوره الدائم، عميقا، بالتزامه الإنساني

في شهادته حول أحمد طليمات الكاتب، اعتبر القاص والناقد الدكتور محمد زهير أن الراحل ظل مخلصا لكل اهتماماته،كما ظل وفيا لصداقاته ولم يكف يوما عن فعله النضالي، مثقفا وتربويا ومناضلا، مضيفا أن طليمات الإنسان عاش عميق الإنسانية بمواقفه وحضوره الثقافي والإبداعي والاجتماعي، ولم تنقطع حركيته هاته منذ أواخر الستينات الى لحظة وفاته.
وتوقف زهير في حديثه عند بعض المحطات الأدبية للراحل، مركزا على أن سردياته الأدبية، سواء في الشعر أو القصة والرواية، حفلت جلها بسخرية انتقادية بناءة لا تهادن في التعبير عن الانكسارات والاحباطات وأوجه الفساد. كما أنها فيها عودا دائما الى الذاكرة المسترجعة لأحداث وأشخاص وأماكن كان لهم عميق الأثر في شخصيته، ومنها ذاكرة مراكش التي تحضر في الكثير من استرجاعاته بحوماتها وبساتينها. مثلما تتقاطع فيها لغات عديدة تفصح عن مقروئه الغزير في مختلف المدونات والآثار، قديمها وحديثها.
القارئ لسرديات الراحل، يقول محمد زهير، يقف على التقاطع الواعي للمحكي اليومي مع المقروء والذاكرة والذي كان يرصده بدقة وذكاء، ممهورا بمنحوت لغوي خاص كان بارعا في نحته ببصمته الخاصة.
لم يكن الراحل يفصل بين علاقاته وسلوكه الإنساني، مع كل شرائح المجتمع، لأنه كان مؤمنا بأن المحبة هي عمق كل العلاقات، سواء في التربية بوصفه رجل تعليم أو في الأدب حيث احتفى بقيم الجمال والحب، احتفاءه بالحياة وتقديره لها.

طالع سعود الأطلسي: ترك لنا ما يبقيه حيا فينا أبدا

إن التعدد الذي وسم شخصية الراحل أحمد طليمات ، يقول الكاتب طالع سعود الأطلسي، جعله دائما فوق كل الاعتبارات المادية والحسية، مفضلا أن ينتبذ من العالم مكانا أقام فيه مجاورا للقيم والمثل العليا: مكتبته التي تفتح أمامه عوالم الفكر والأدب، الثقافة التي ملأت حياته وسكنته بكل أبعادها، أصدقاؤه من مختلف المشارب الفكرية والسياسية. ولكل هذا، اعتبر سعود الأطلسي أن الراحل ظل طيلة حياته شخصية متميزة ، وحتى بعد وفاته، مؤكدا أنه «ترك لنا ما يبقيه حيا فينا أبدا».
الأطلسي، وفي شهادته حول الراحل، عرج على مساره الفكري واختياراته السياسية، مؤكدا انفتاح طليمات على كل الرؤى والتيارات الفكرية وحتى الفقهية، حيث كان متعدد القراءات. ورغم أن ميولاته في بداية الستينات كان وجودية صرفة إلا أن اطلاعه، بعمق، على أمهات الكتب الفكرية والفلسفية جعله ينفتح على آفاق أخرى ليتبنى بعد ذلك الاختيارات الفلسفية الماركسية التي ظل وفيا لمبادئها وقيمها.

فاضل الغوالي: العازف على «مقام الاستقامة»

استحضر الباحث وأستاذ اللسانيات والناقد السينمائي فاضل الغوالي، وهو يعدد مناقب الراحل، رفقةً عمّرت لنصف قرن ويزيد، جعلته يخلص إلى أن صديقه أحمد طليمات كان مسايرا للتطورات في كل المستويات، لاقتناعه بأن النظريات والتوجهات الفلسفية محكومة بالتغير بتغير المجتمعات كما هو حال الأنظمة السياسية، لكنه كان عميق الإيمان بأن الأخلاق تظل ثابتة، وهو ما جعله يتأقلم بسرعة بعد تخرجه من جامعة بن يوسف ذات المناهج العتيقة مع المناهج الحديثة عندما التحق بالمركز الجهوي التربوي في السبعينات ومع مناهج النقد الأدبي المعاصر واللسانيات.
إن انفتاحه هذا وتعدد إنتاجه تحقق، يضيف الغوالي، بفضل تثقيفه الذاتي العصامي الذي جعله يطلع على مختلف مدارس الحداثة وينفذ إلى مختلف نظريات الفنون والثقافة الحالية، لكن بخطى ثابتة مع الحفاظ على مبنى ومعنى «مقام الاستقامة» الذي عزف على إيقاعه، متسلحا بالأخلاق التي جعلت صدره، على عكس السائد، يتسع لكل أصدقائه على اختلاف سنهم و تكوينهم وانتماءاته السياسية، بل حتى العقائدية شريطة الالتزام.

حمد الشهبوني: المثقف العضوي الملتزم

قاد الحديث ذ.أحمد الشهبوني رئيس مركز تانسيفت للتنمية، حيث كان الراحل عضوا نشيطا بلجنته الثقافية، الى بداية لقائه بأحمد طليمات في بداية السبعينات في حركة اليسار النشيط أنذاك، حيث كان الراحل يمثل لمجايليه رمز المثقف الملتزم والعضوي، حين كان يكتب بمجلة «الاختيار»، في وقت يقول الشهبوني، «كنا نتوق لهذا النوع من المناضلين الذي يؤمن بأن بناء الإنسان أهم من بناء المناضل السياسي».
كان ا لراحل، يؤكد رئيس مركز تانسيفت للتنمية، جد منفتح على كل التيارات ومن كل الحساسيات السياسية والجمعوية، غير متعصب للرأي، لكنه كان صارما في التزامه لا يقبل الانتهازية.
وعن تجربتهما في مركز تانسيفت للتنمية، عاد الشهبوني الى أن مرجعية الراحل الكونية في مسألة حقوق الانسان كانت هي المحرك لهذا التأسيس، حيث كان الراحل يؤمن بأن المدخل لبناء المجتمع على أسس صلبة هو بناء الإنسان ثقافيا، الإنسان المتشبع بثقافة حقوقية والحداثي في اختياراته. كما لم تفته الإشارة الى اهتماماته داخل المركز بإعلاء قيم الثقافة بتخصيص لقاءات للكتاب وتكريم الكتاب والتنقيب عن الأقلام الشابة من التلاميذ.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 01/12/2020