وقت مستقطع من الحرب -34- حميد المصباحي: لا شيء ينفي عن الحروب بشاعتها

الحرب، أيضا، شرخ عظيم في الكينونة، في الشرط الوجودي، كما أن «الضرورة» تجعل منها معضلة أخلاقية مكشوفة، لا يمكن تجاوزها فكريا.
في هذه الشهادات عن الحرب، مع الكتاب والمبدعين والمثقفين والفنانين، نشعر بأن إشعاعاتها لا تستثني أحدا، سواء أكان في قلبها أم على هامشها، قريبا أم بعيدا، عسكريا أم مدنيا، مناصرا أم معارضا، حيا أم ميتا. نشعر بالدخان والغبار يصل إلى الحلق، ونقاسي شح التموين، ونحس بانقطاع الماء والكهرباء، ونسمع لعلعة سيارات الإسعاف، وتتخاطر في أحلامنا الدبابات والمقنبلات والصواريخ المضادة للطائرات، وكل الخرائط تبدأ في الفركلة داخل رادارات عسكرية، تتهددها بالخراب المبين..

 

الحروب، قال عنها كانط، إنها الوسيلة البئيسة لحل المشاكل، واعتبرت استمرارا للسياسة، وقيل إنها وجه فارض للعدالة بالقوة، واعتبرت أداة تغيير لإنجاز الثورة، فوسمت بحرب أهلية متممة لتحرر سياسي تخلص من المستعمر، فماذا عساها تكون الحرب وهل يمكن القبول بها أخلاقيا؟؟
1- لا حروب: مفاد الفكرة أن العالم يمكنه أن يعيش بدون حروب، رغم استحالة الوجود بدون سوء فهم بين الشعوب والدول، قد يكون بفعل تعارض المصالح والأفكار، لكن القوانين إن صيغت بمعايير العدالة، فحتما سوف تكون بديلا للحروب، وبذلك تحقق القوانين ما تطمح الدول لتحقيقه بالقوة، فالنزاعات تقود للاحتكام إلى القوة وتلك تنتهي حتما إلى الموتجهات العنيفة المسماة حروبا.
2- حروب بلا عنف: حتما تتواجه الدول وتتصارع دفاعا عن مصالحها وحتى أفكارها وقيمها، وخلف كل ذلك، هناك صراعات اقتصادية وتجارية، يمكن أن تعتبر بديلا للحروب وكل أشكال العنف، مع الحدود الدنيا لاحترام مبادئ الصراع والحيلولة دون تحوله لمواجهات.
3-نخب متسامحة: كلما كانت النخب الحاكمة أكثر حكمة، كلما تراجعت الحروب وإن لم تنعدم، ولذلك يقول برتراند راسل( الأمم المتحاربة تستعد للحروب في المدرسة، كما معامل السلاح والذخيرة، فلا يمكننا إيقاف الحروب إذا لم نوقف الأفكار المتحفزة للموت والقتل).
4-إيقاف زحف العنف: بالعنف تشتعل المواجهات وتسقط الموتى من المتحاربين والأبرياء المدنيين، أطفالا وشيوخا ونساء، وهنا تقود الحروب للجريمة وتدفع إليها، فرغم تجريم هذه الأفعال، فهي تقع وتتكرر ولم تستطع القيم وضع حد لها، فالساسة يبررون عمل المقاتلين ويدعمونهم، وهناك دول، تهب لجيوشها حق منع محاسبتهم على ما يقترفون خارج حدودها، ولا توجد حماقة أخلاقية أعظم من هذه، لأنها حتما سوف تدفع دولا أخرى إلى وضع حصانة لجنودها حتى داخلها، رغم أن هذه الدول تنتمي للحضارة المتقدمة، فكيف تلام أخرى تحاول بناء ديمقراطيتها وقيمها الاجتماعية والتضامنية.
إن الحروب ليست فقط مصالح تتعارض وتتصادم، ولكنها أيضا، أفكار عنيفة وقاتلة لزعماء وقادة ليس لهم ما يفرضون أنفسهم غير المواجهات المسلحة، طبعا لا يمكن أن ننكر أن هناك حروب تفرض نفسها بحكم عدالتها، ومع ذلك، فلا شيء ينفي عن الحروب بشاعتها.


الكاتب : إعداد: سعيد منتسب

  

بتاريخ : 19/05/2022