الحرب، أيضا، شرخ عظيم في الكينونة، في الشرط الوجودي، كما أن «الضرورة» تجعل منها معضلة أخلاقية مكشوفة، لا يمكن تجاوزها فكريا.
في هذه الشهادات عن الحرب، مع الكتاب والمبدعين والمثقفين والفنانين، نشعر بأن إشعاعاتها لا تستثني أحدا، سواء أكان في قلبها أم على هامشها، قريبا أم بعيدا، عسكريا أم مدنيا، مناصرا أم معارضا، حيا أم ميتا. نشعر بالدخان والغبار يصل إلى الحلق، ونقاسي شح التموين، ونحس بانقطاع الماء والكهرباء، ونسمع لعلعة سيارات الإسعاف، وتتخاطر في أحلامنا الدبابات والمقنبلات والصواريخ المضادة للطائرات، وكل الخرائط تبدأ في الفركلة داخل رادارات عسكرية، تتهددها بالخراب المبين..
في الحرب لا عزاء للحياة
حيث يكون القبر بلا شاهد
مجرد ثقب حفرته مدفعية ساخرة
***************
في السلم نقدم حفنة أحلام ملغومة
قد اغتالت يدا ممدودة
لذا أغمض عينيك فقط
لترى العالم مختلفا
بسؤالك هذا أعدتني الى سنوات خلت عندما كان أبي رحمه الله، يحكي لي أنا بالخصوص عن الحرب وعن أصدقائه الذين ماتوا أمام عينيه دون أن يستطيع مساعدتهم، وكيف كان يحمل جثة صديق ليحتمي من الرصاص الطائش.
حرب « لاندوشين « التي شارك فيها وهو فتى يافع، عاد منها بذكريات مؤلمة. كلما عرضت القناة الوحيدة في الثمانينات فيلما عن الحرب، إلا وتسمر أمام التلفاز مشدودا إلى أحداث الفيلم وكأنه من خلاله يعيد ذكرياته وبطولاته في ساحة الحرب.
قد لا نتفق حول أسباب الحروب، لكن جميعنا نرفض الموت والخراب!
العالم منذ سنوات لم يعد آمنا، حيث أصبح هم العديد من ساسة الدول وقادتها هو إشعال فتيل الحرب والدمار. جميعهم يبحثون عن القوة والسيطرة على العالم.
كل الحروب التي مرت بها البشرية، تركت خرابا وظلاما في الأنفس لم يتم تخطيه بسهولة بل مازالت آثاره على الانسان والمكان.
حتى تلك التي عاشها جيلي في التسعينيات مع حرب العراق بالخصوص، جعلتنا نحن شعوب العالم الثالث نشعر بالقهر والعدوان.
العراق، سوريا، اليمن، حروب لبنان الداخلية وفلسطين قبلها. فلسطين الجرح القديم الخالد……..حروب شكلت وعينا وقلقنا وألمنا الجماعي للأسف !
في الحرب لا يلتقي الكبار
الصغار هم وقودها
تلك القبعات المجروحة برصاص طائش
تلك البذل الممزقة
كانت لحراس ذخيرة مغشوشة
في عالمنا الثالث مازالت الشعارات تؤثر في قراراتنا فتتقد حميتنا العرقية تارة والدينة تارة أخرى، دون أن نؤثر فعلا في موازين القوى السياسية على أرض الواقع.
كل ما نفعله، أننا نقتات على مثل هذا الواقع المليء بالحروب. عندما نكتب قصة أو رواية أو قصيدة، نرثي فيها حالنا جميعا بغضب لغوي شديد أو نحكي عن قصة عاشقين فرقتهما الحروب. كما أفعل الآن وفعل الكثيرون قبلي
لا تنتظر ابتسامة
من عائد من الحرب
حتما سيجد بقايا بيت كان يسكنه
رسمت عليه ثقوب رصاص
وآثار أرجل مرت من هنا
كانت لأهله
وبقايا مزهرية
كانت لحبيبته
دعوه يحتفل بحزنه
مثل آلهة
تطعمها السماء
من وحي النبوءة
يحضن حفنة خراطيش صدئة
وقبيلة من الهزائم !
تنتعش كثيرا عاطفتنا الجماعية بالألم ! تنتعش عاطفتي عندما أرى على شاشة تلفاز سقوط الشهداء في رام الله أو سقوط شهداء في اليمن ……..مثلا.
إنها الحرب حيث تنطفئ أضواء السماء لتفتح المجال لأضواء المدافع والطائرات الحربية.
في الحرب تكون أضواء لله قد انطفأت
وتكون عيناك قناديل السماء
تنير فجرا على أبواب الحياة
تطورت الحروب كثيرا وصولا إلى القنابل المدمرة والفيروسات القاتلة!
ومع ماعشناه مع مطلع 2020 كان حربا ومازال. ظهور فيروس قاتل لانعلم عنه شيء نحن عامة الناس. هل خرج من المختبر خطأ أم صنعوه لغرض في نفس يعقوب! وجدنا أنفسنا أمام ما يشبه la guérilla. حرب عصابات استنزفتنا نفسيا، عاطفيا وماديا !
ما يعيشه العالم اليوم، حرب عصابات!