الحرب، أيضا، شرخ عظيم في الكينونة، في الشرط الوجودي، كما أن «الضرورة» تجعل منها معضلة أخلاقية مكشوفة، لا يمكن تجاوزها فكريا.
في هذه الشهادات عن الحرب، مع الكتاب والمبدعين والمثقفين والفنانين، نشعر بأن إشعاعاتها لا تستثني أحدا، سواء أكان في قلبها أم على هامشها، قريبا أم بعيدا، عسكريا أم مدنيا، مناصرا أم معارضا، حيا أم ميتا. نشعر بالدخان والغبار يصل إلى الحلق، ونقاسي شح التموين، ونحس بانقطاع الماء والكهرباء، ونسمع لعلعة سيارات الإسعاف، وتتخاطر في أحلامنا الدبابات والمقنبلات والصواريخ المضادة للطائرات، وكل الخرائط تبدأ في الفركلة داخل رادارات عسكرية، تتهددها بالخراب المبين..
«» أنا مانفستو. صامت ضد العالمِ، وحدودي هي غرفتي، هذه الأمتار المربعة التي يترسب فيها اليأس من كل ما يدنس أرواحنا.، و اليقين المرير بأننا لن نوقف أبدا التناسخ اللانهائي لذئاب هوبز التي تبحث عن أجوبة لأسئلتها في هذا العطش المالح للدم ..
استطعت أن أتناسى الحرب قليلا، بالتعامل مع التلفزيون -الذي يوصل رائحة بارودها طازجة إلينا- كقطعة أثاث. لكن الحرب لا تغيب. إنها شياطين أناتيتنا التي تتستر بالعتمة في أعماقنا. أحاول أن أقص مخالبها ، أن أترصد روحي لكي لا تنحاز إلى أي عنف، أن أوجد في العالم بدون أن أترك فيه خدوش أظافري .
أتأمل المسافة الطويلة بين الألوان، و نوتات الموسيقى في أرواحنا، حيث نستطيع ابتكار الجمال مجسدا في سوناتا بيانو رقيقة، في رواية ، في باليه مدهش . وبين النار التي تذكرنا بمخالبنا سريعا، وفي اللحظة التي يجب أن يختار فيها فرد جناحي ملاك أو ذيل شيطان. يكون الاختيار بسيطا: العقد الأبدي مع أنانيتنا، مع مفيستوفيليس!
لست منلاوس لكي تكون هيلين ذريعتي لإشعال حرب طويلة ..
لست قائد جيش من القادة الذين تغيرت في أذهانهم الذرائع، استبدلت هيلين لكن ظلت النتيجة : الحرب!
لست هوميروس الذي تجاهل في نشيده الملحمي الطويل حطب الحرب: الجنود الصغار الذين عرفوا أن الدم المراق من أجسادهم لن يكتب أسماءهم في سجل الخلود.. وحين سيظهر أحدهم لمرة واحدة، في سطور قليلة من الإلياذة، سيوبخه أوديسيوس العظيم !
أتخيل السهام التي تحلق فوق رؤوسهم، الرماح التي تخترق الهواء أمام أعينهم التي لن تحظى بهيلين أو بغنائم أخرى غير الموت. لكن شفقتي عليهم باهتة، لأنهم اختاروا مطاردة الوهم، وهم البطولة، دون أن يتنبأ أحدهم بأن أسمائهم لن تعني شيئا وهي تركض نحو المقابر المفتوحة.
لست هوميروس الذي رفع عينيه رغم العمى إلى الآلهة ،أنصاف الآلهة و الأبطال الذين يجري في عروقهم دم آخر ، دم البطولة.
أكتب العنف لا الحرب البعيدة التي تتخفى خلف حجاب الكلمات.. في قصتي القصيرة « سأدمرني « تسقط القنابل بالقرب من غاندي و سبينوزا.. الهمجية و النار مقابل اللاعنف و العقل. تخيلت حشودا داخل رأسي، رأيت جنودا و نساء غوغان.. راهبا بوذيا..هرنان كورتيس..كانوا هناك، يصخبون تحت جلدي. هذا هو إرثي المفزع من أسلافي: فوضى رهيبة من الجمال و العنف تتقطر لتصبح يأسا باردا من تغيير أي شيء.. أحتمي بهذا اليأس الذي لم يعد مفزعا على الإطلاق.