وقت مستقطع من الحرب (52). .عزالدين الماعزي وقت مستقطع من الحرب

الحرب، أيضا، شرخ عظيم في الكينونة، في الشرط الوجودي، كما أن «الضرورة» تجعل منها معضلة أخلاقية مكشوفة، لا يمكن تجاوزها فكريا.
في هذه الشهادات عن الحرب، مع الكتاب والمبدعين والمثقفين والفنانين، نشعر بأن إشعاعاتها لا تستثني أحدا، سواء أكان في قلبها أم على هامشها، قريبا أم بعيدا، عسكريا أم مدنيا، مناصرا أم معارضا، حيا أم ميتا. نشعر بالدخان والغبار يصل إلى الحلق، ونقاسي شح التموين، ونحس بانقطاع الماء والكهرباء، ونسمع لعلعة سيارات الإسعاف، وتتخاطر في أحلامنا الدبابات والمقنبلات والصواريخ المضادة للطائرات، وكل الخرائط تبدأ في الفركلة داخل رادارات عسكرية، تتهددها بالخراب المبين..

 

هل يمكن الذهاب إلى المستقبل دون حرب؟
هل يمكن أن ينمو الأدب خارج لحظة الاشتباك مع العدم؟
لم يعش جيلي الحرب لكنه عاشها بشكل آخر، عن طريق السماع والمشاهدة : حرب 67، حرب اكتوبر، حرب لبنان، حرب العراق، حرب غزة، اليمن.. الحرب جراحنا التي تسكننا، هي بدلة كلامية يتقنها سماسرة البيع والشراء. هي آلة تغني نشيدنا بصور مختلفة بآلات ومعدات، بصخب وضجيج، قتلى في الشوارع والمدن، تخريب.. تدمير الجمال وخراب العالم.
هل من الممكن أن يغير الكاتب العالم؟
أن يوقف خرابه وبالتالي تجديد الحياة في صورها؟
لم تعد الحرب تسكن غزة وبيروت وسوريا واليمن والعراق بل تعدتها إلى اوكرانيا.. بل وحتى في لعبة الصورة، بتنا نخجل من عرض الصور بأشكال مفزعة، هي حرب الذات مع الذات. يمارس الكاتب حربه مع ذاته ضد ذاته أو ضد الآخرين لتأكيد ذاته أو لعبور متعة ونزوة أو انتقام.
مشهد سوريالي تعرضه التلفزة باخبار القصف المدوي ولا شيء غير القتل اليومي المفبرك، المضحك والمبكي، شوارع ومعامل ومساكن وبيوت أطفال وشيوخ يموتون يوميا وبسرعة فائقة وبتقنية عالية. كل زهرة يانعة تشيخ وتموت
لا شيء يحمل السعادة ولا شيء فيه الكفاية لكي تنتهي هذه الحرب.
إنها حربهم، حربي أنا مع ذاتي، ضد أناي، تتبعني وتتعبني كلما أرغمتها بالمطالبة بتحقيق هدوء أو هدف نبيل أو نيل ابتسامة أو قبلة طائشة.
أتساءل لماذا يضع أغلب الكتاب خوذات على رؤوسهم؟
هل اتقاء أثر الحرب التي تثير الرعب أو خوفا من الأسوء القادم؟
ما يعجبني هو شكل البيريه على رأس أحدهم، القلم بندقية توجه إلى الأعداء والقتلى كثر والأوراق مساحة معركة لا تنتهي..
البياض يصبح سوادا بفعل النيران والدخان..
مع الحرب تفتقد أصدقاءنا وأهلنا، مجرد التفكير فيها يدفعك إلى التعاسة والبؤس.
أتعامل بحذر معها في صورها وأخبارها، حذر حتى في تلك الرصاصات الطائشة التي أتلقاها من فوهة بندقية ما.
الجندي لا قلب له، يصبح هكذا بدون إحساس كالصور في الشاشات، يقتل أي شيء ولا يبقي شيئا..
إنها تغتال كل حب وكل همسة حنين وعاطفة. يسقط الشعراء قتلى والدماء تتكاثر بأشكال مختلفة، خلف المدن السفلى يقبع الحزن والخراب وينعق الغراب.
«الانسان في نظر هوبز شرير فاسد، جاحد تدفعه المصلحة الشخصية والغرائز. ملخص حكمته؛ الانسان ذئب والكل في حرب ضد الكل والواحد في حرب ضد الجميع».
لذلك سعى الإنسان إلى الحب للخلاص من عدوى الحروب، إلى ابتكار فكرة المجتمع الذي تسوده القوانين حتى وإن كانت للفرد الواحد القوي..
في الحرب تنمو فكرة الديموقراطية والبحث عن الحرية والتعاون والأنفة والمحبة..
الحرب عندنا حروب مختلفة.
الحرب فسحة واستراحة بعد تشبع، طغيان وصناعة طغاة وفاسدين.
الحرب نهاية وبداية.
الحرب عندنا مؤجلة إلى حين، هي حرب في جبة حروب صغيرة؛ حرب الأسعار والقروض وو.. حروب صغيرة في كبيرة، امتياز الكائن ضد الفرادة والانتصار، ضد تحقيق المحبة الصارمة. حرب ضد كل شيء، ضد الصورة، ضد المكان، ضد الكل. وصناعتها تتم في الخفاء وبدون وعي أو هي محاولة متأخرة لإدراك قيمة الحياة.


الكاتب : إعداد: سعيد منتسب

  

بتاريخ : 13/06/2022