«ولولات الرياح لا تزعج النوارس في الصويرة»

الثابت والمتحول في حوارات محمد البغوري

بعد سلسلة المؤلفات الإبداعية التي أنتجها الكاتب والمبدع سي محمد البغوري- باقتدار وحرفية ناصعة المتعة وخالية من التكرار والملل، والتي كان آخرها «شجون الأدب و شؤون النقد « الذي تصورت من خلاله أن علاقة النقاد بالكتاب أشبه برقعة الشطرنج ، حيث يسود الصمت والتفكير في اصطياد الآخر، أو قل بعبارة أخرى حيث يحرص كل طرف على أن لا يقع في يد الآخر، حتى لا يمسي لقمة سائغة في فمه ، وكأننا أمام نزال جديد فرضته القوى الفكرية والأدبية العظمى. والحال أن الميدان، سواء كان أدبيا أو علميا أو رياضيا فإنه يدعو الى الإمتاع والتشويق وإثارة الجمال والحماسة وليس العكس – هاهو كاتبنا يعود مرة أخرى ، ليبرهن على فراسته الأدبية ومساحته الفكرية والثقافية في محاورة عمداء المعرفة عموما وأعمدة الشعر والقصة والرواية والمسرح بشكل خاص . للإحاطة بمحتويات المؤلف الجديد «ولولات الرياح لا تزعج النوارس في الصويرة « لابد من تقديم العتبات التالية :

1 – عتبة الكتاب :

يقع الكتاب في 115صفحة، وهو من الحجم المتوسط المألوف في عالم القصة والرواية . يحتوي على تقديم طازج بالعرفان والمديح للمبدع سي حسن الرموتي، وهو إجراء خالف فيه كاتبنا أعراف مقدمات الكتب وتقاليد استهلالاتها ببسالة أدبية صريحة وغير مضمرة ، بعدما كانت هذه الأخيرة – المقدمات – تصاغ انطلاقا من محتوياتها وفصول أحداثها ووقائعها .
إن تصفحنا لهذا الإنتاج الأدبي الجميل، يجعلنا نشك أن سي محمد قد نسي سؤالا ما لم يطرحه على مبدعنا حسن الرموتي، وهو بذلك قد حقق الإشباع للقارئ الذي كان في الأمس القريب لا يعرف شيئا عن كاتب وهو يقرأ مؤلفه أو مؤلفاته.

2 – عتبة العنوان :

يلعب العنوان دورا مركزيا في التعريف بالمؤلف وتحديد جغرافية أفكاره ومعالمه العامة ، فضلا عن منحه للقارئ فكرة أولية على تجنيس الكتاب و تموقعه.
لهذه الأسباب وتلك، وبما أن شراح اللغة يؤكدون على أن الكتب تقرأ من عناوينها ، فقد جاء العنوان مكتوبا بخط عريض واضح ، يتوسط اسم الكاتب ( محمد البغوري ) في أعلى الصفحة والمجموعة السكنية المحاذية للبحر، وهو عنوان طويل يضم سبع كلمات فيه نظر، إذ كان بإمكان كاتبنا الاكتفاء بـ « ولولات الرياح « أو لبيان النسبة « ولولات الرياح الصويرية» .

3 – عتبة الغلاف :

تحتوي صورة الغلاف الأمامي للكتاب على نوارس تحلق في حرية غير آبهة بالرياح ولا بالبشر، وكأنها تدرك قول المتنبي « ولكن تؤخذ الدنيا غلابا « بالإضافة إلى مجموعة من المساكن يفصلها عن البحر سور تاريخي ضخم يفوح بالرطوبة وتتآكله كسور المعاناة مع الضربات المائية والتقدم في العمر.
يهيمن على الصورة اللون الأزرق المفتوح ، وهو دليل ساطع على جمالية الطقس وروعته، فيما الغلاف الخلفي حمل بالاضافة الى النوارس والمنازل صورة صومعة مسجد ، وهي إشارة ذكية، هادفة وداعمة لما تناوله الكاتب في حواره مع صديقه الأديب الصويري ؛ حسن الرموتي.
وبناء عليه ، فقد أضحى جليا ، أن تيمة الحوارات التي يخصصها كاتبنا لمجموعة من الأقلام المتميزة من النقاد والأدباء ، عرفت منحى جديدا ، أي المنحى الاجتماعي والثقافي للمبدعين ، بعدما كانت إنتاجاته تستهدف المحتويات والمحطات الأساسية للأجناس والإنتاجات الأدبية و الإبداعية القديمة منها والحديثة العهد . وهذا يطهر جليا في مؤلفه القيم «عطر القراءة وإكسير الكتابة « . معناه أن السي محمد شرع يركب المقاربة السوسيولوجية في أعماله، حتى يتسنى له تقريب المعنى بين النص ومبدعه أولا ، ثم تقليص المسافة بين هذا الأخير والمتلقي الذي غالبا ما يشكو نرجسية المثقف ويتوهم أن الكاتب يعيش في البرزخ متعاليا عن مجتمعه .
إن هذه المنهجية الجديدة التي طفق كاتبنا ينهجها في تعاطيه مع الحوارات – والتي يمكن تشخيصها وملامسة واقعيتها من خلال شكول الأسئلة المتنوعة التي خص بها الروائي الصويري» سي حسن الرموتي « ، بدءا بسيرة اليم والبكاء على صخوره الصماء واستيلام رسالة بورخيص، ومرورا بالاكتواء بلوعة القراءة أو لعنتها، وما تشكله المكتبة في حياة أديبنا الرموتي، باعتبارها حضارة الشعوب والمجتمعات.
يقول سي حسن في هذا الصدد « الشعب الذي لا يحترم الثقافة، شعب ميت «، وانتهاء بمواسم الصويرة الفنية والثقافية وطقوس الكتابة لدى هذا الأديب الحيوي الذي يعتبر الكتابة جزءا لا يتجزأ من ذاتيته وتحرر من الرتابة، وهذا هو السبب الذي جعل التحولات الاجتماعية والثقافية والمعمارية التي أصابت المدينة لم تنل منه، – ليعد الدليل الفاحم على مواكبته لمستجدات المدارس الفكرية والدراسات الأدبية، والترجمة القوية على تطور الأدب وقفز صورته الى مصاف العلوم والمعارف العالمية مع فرديناند دي سوسير ولوسيان غولدمان الذي اعتبر الانطلاق من البعد السوسيولوجي أهم الأبعاد في عملية تحليل الإنتاج ، لأن لوسيان يعتقد أن العلاقة الجوهرية بين الحياة الاجتماعية و العمل الأدبي تتعلق بشكل مباشر بالبنيات الذهنية، أي بالايديولوجيا التي تقوم عليها الطبقات الاجتماعية والعالم المتخيل للمبدع . وحسبنا ان نشير في هذا المضمار الى بعض مؤلفاته الرائعة على سبيل المثال « نظرية الرواية» و»من أجل سوسولوجية الرواية» .
أمام الأسالب الفنية المعتمدة في السرد والوصف والتعريف والمقارنة والتشبيه والاستعارة ، وأمام الجمل الفعلية والاسمية ، الطويلة والقصيرة الموظفة بعناية وانتقاء، التي أغنت الحوار وأكسبته المرونة ولذة الاستمتاع بالقراءة التي تعتبر ملح طعام الحياة ، والتي بدونها لا يستقيم معنى الوجود .. هذه القراءة التي يبحث عنها الجمهور المتعطش في كل شواطئ المتعة وصنوف المعرفة الانسانية ، لا يسعني إلا أن أنوه بجهود كاتبنا المتألق سي محمد البغوري المتواصلة رغم ظروفه الصحية .


الكاتب : الحسين وبا

  

بتاريخ : 20/01/2021

أخبار مرتبطة

  بالنسبة لقارئ غير دروب بالمسافات التي قطعها الشعر المغربي الحديث، فإنّه سيتجشم بعض العناء في تلقّي متن القصائد الّتي

« القصة القصيرة الجيدة تنتزعني من نفسي ثم تعيدني إليها بصعوبة ، لأن مقياسي قد تغير ، ولم أعد مرتاحا

«هَل أنا ابْنُكَ يا أبي؟» مجموعة قصصية جديدة   «هَل أنا ابْنُكَ يا أبي؟»هي المجموعة القصصية الثالثة لمحمد برادة، بعد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *