وليد الركراكي .. كوتش حقيقي وليس مجرد مدرب

ليس من عادتي أن أكتب عن الرياضة، ولا حتى أن أناقش تفاصيلها ولا أفقه في نواميسها، أنا فقط عاشقة الكرة ساحرة القلوب ككل أبناء الشعب المغربي، ممن تربوا على حب الرجاء والوداد، رجاوية بالوراثة وأفخر جدا بالانتماء إلى جماهيرها العريضة، لأنني تربيت في وسط رجاوي لا يرى في الخضراء إلا فريقا وطنيا يستحق منا كل الحب والوفاء.
لكن حينما يتعلق الأمر بالمنتخب الوطني، نضع عنا الانتماء للرجاء أو الوداد جانبا، نلتف حول منتخبنا الوطني بكل تجرد ومسؤولية، وحده من يمثل كينونتنا ووجودنا المغربي الواحد والأوحد.
ككل مرة أتابع المنتخب الوطني ولا أمل، قد يحدث ما نحب وقد لا نحب ما سيحدث، خسرنا أم ربحنا، تأهلنا أم تم إقصاؤنا، نتابع ونشجع بل ونجهش بالبكاء ربما، فنحن شعب يهوى الكرة المغربية ويؤمن بكفاءة فريقنا في كل نزال كروي أممي أو أفريقي.
ولأن المناسبة شرط، رغم أنه رافق منتخبنا الوطني ثلة من المدربين الأكفاء، مغاربة أو أجانب، كل منهم أدى مهمته باقتدار أو حاول على الأقل، لكن مع وليد اختلف كل شيء وتغيرت معه كل الموازين وسقطت أمامه كل المسلمات.
فالرجل قبل أن يكون لاعبا أو حتى مدربا، هو رجل وطني بامتياز، مغربي أصيل بالرغم من أنه ولد وترعرع بفرنسا بلد المهجر، لكنه تربى على حب المغرب، هذا الوطن الذي غاب عنه وليد لكنه لم يغب عنه.
من يتابع خرجات المدرب الوطني وليد الركراكي منذ أن تولى مهمة تدريب منتخبنا الوطني يلمس وطنية الرجل الطافحة، وروحه القتالية العالية بلكنته المغربية الجميلة والمكسرة باللغة الفرنسية، ككل مغربي عاش بعيدا عن حضن وطنه، لكنه حافظ على هويته والبعض من دارجته.
إن وليد كوتش حقيقي بلغة علم النفس، معالج نفسي متمرس، يدرب ويشجع من خلال تسطيره لأهداف لاشك في نجاحه بتحقيقها، يظهر ذلك كله بجلاء من خلال كل خرجاته التحفيزية، بعيدا عن اعتماده لغة النخب الكروية والتي تنهل من قاموس رياضي تقني فقط.
وأنا أتابع وليد، أحس أنني بجلسة علاج نفسي جماعية، جلسة كوتشينغ حقيقية تفتح لي كمتلقية أبوابا كثيرة للأمل، والثقة المتبادلة تجعلني اختار المقاومة، يجعلني وليد مستعدة لها عبر ملئه للمساحة بيني وبين اليأس واللاثقة، عاملا على ملء نفس مساحة أخرى بيني وبين نصبو إليه، ألا وهو النجاح.
وليد نجح في العبور نحو كياني المغربي، غرس عشقا أعمق للمنتخب الوطني في حوار نفسي تفاعلي يحرر كل طاقاته الكروية، ويطرد عنا جميعا أفقيا مرورا بالمنتخب، وصولا إلى أبعد مغربي في قمة جبل أو بدوار نائي، كل مثبتات الإحباط، يصاحبنا بكلامه بتقاسيم وجهه، ويشجعنا بخطابه الذي يذكي فينا كل مشاعر الأمل، ويمحو من خلاله أي عجز قد يسلب فرحتنا المؤجلة.
لاشك أن للرجل قدرات نفسية عالية في رفع أداء فريقنا الوطني ورفع مستوى إنتاجيته، لابد أنه جعلهم يكتشفون مهارات ثاوية خلف قدراتهم الرياضية، لأنه تمكن فعلا من رفع منسوب الثقة لديهم، ومحو أي قناعات سلبية قد تراودهم أو تباغثهم في أية لحظة شرود ذهني.
لاشك أنه تمكن باقتدار من قيادة وإدارة الأزمة بفعالية لأنه درب المنتخب في فترة وجيزة، ليست بالكافية للتحضير الناجح لنهائيات كأس العالم، بعد فسخ عقد سابقه خليلوزيتش، ومع وليد تعلمنا أن لفريقنا إمكانيات وطاقات لربما لم تستثمر بشكل جيد في السابق.
نعم وليد اخترع برنامج نفسيا تطويريا تحفيزيا حظينا به، حتى وفي عز لحظات اليأس تعلمنا معه أننا نستطيع الانطلاق نحو النجاح، مع وليد أشعر بأن هناك شفافية بيني وبين منتخبنا الوطني، وأن ثقتنا المتبادلة لن تهتز لأنها الكفيلة فقط بقلب كل الموازين في كل نزال كروي قادم.
سير … سير … سير يا وليد… شكرا لك لأنك تقود أملنا ومنتخبنا الوطني، الذي لعب بقتالية وأنا أشهد بذلك ككل مغربي ومغربية.


الكاتب : إيمان الرازي

  

بتاريخ : 02/12/2022